خطر الارتداد
>(يناير) أهمية رمزية ومعمارية في نفس الوقت. فلطالما ارتبطت ناطحات السحاب بنهاية فترات الازدهار. على سبيل المثال، تم افتتاح مبنى إمباير ستيت عام 1931، بعد عامين من انهيار وول ستريت، وتم كشف النقاب عن أبراج Petronas في كوالالمبور عام 1998، في ذروة الأزمة الآسيوية. ويتم التكليف ببناء مثل هذه الأبراج حين يكون المال رخيصا، ويكون التفاؤل بشأن النمو الاقتصادي في أوجه؛ وغالبا ما يتم الانتهاء منها حين تكون الأوضاع بدأت تسوء.
لقد كانت العقود الثلاثة الماضية جيدة لبناء ناطحات السحاب، فقد انخفضت قيمة اقتراض المال، بالقيمة الاسمية، انخفاضا حادا. لا عجب إذن أن تظهر فقاعة تلو الأخرى في الأسواق المالية، مع تغير أحلام المستثمرين من الأسواق الناشئة وأسهم شركات التكنولوجيا في التسعينيات إلى المساكن في العقد الذي انتهى للتو. وليس من المستغرب أيضا أن ينغمس المستهلكون والشركات في جنون الاقتراض الدائم بالنظر إلى هذه الأموال الرخيصة.
وحين يقترض المستثمرون المال لشراء الأصول يسهمون في زيادة الأسعار أكثر، إلا أن هذا يجعل الأسواق أيضا عرضة لانكماشات مفاجئة، مع إقبال المستثمرين على بيع الأصول لسداد ديونهم. وقد كانت الأزمة الائتمانية عام 2007/08 نتيجة هذه العملية، حيث أصبحت الديون أكبر وتقلبات الأسعار أكثر عنفا من أي وقت مضى خلال السنوات الـ 30 الماضية.
ويقول المنتقدون إن البنوك المركزية شجعت عن طريق التركيز على التضخم الاستهلاكي بدلا من تضخم أسعار الأصول، على ظهور الفقاعات من خلال إبقاء أسعار الفائدة منخفضة جدا. ومن خلال التدخل حين تتدهور الأسواق، ولكن عدم فعل كثير لتقييدها حين تنتعش، أوحت تلك البنوك للمستثمرين أن الأسعار ستتحرك في اتجاه واحد فقط.
ويخشى مثل هؤلاء النقاد أن السلطات، بسبب حرصها على إنهاء الأزمة الائتمانية، ربما ترتكب نفس الأخطاء مرة أخرى. وتبلغ أسعار الفائدة قصيرة الأجل أقل من 1 في المائة في كثير من دول العالم المتقدم. وتميل الأسواق الناشئة إلى استيراد سياسات الأموال السهلة هذه، من خلال ربط عملاتها، على الرغم من أن معظمها تنمو بشكل أسرع من الاقتصادات الغنية.
ولا شك أن الأسعار المنخفضة أقنعت المستثمرين بالشراء. فقد سحب المستثمرون 468.5 مليار دولار من صناديق أسواق المال خلال عام 2009. وعادت ''تجارة المناقلة''- الاقتراض بعملات ذات عائد منخفض للاستثمار في عملات ذات عائد مرتفع - بصورة قوية. والدولار الأسترالي أحد المنتفعين الذين يحظون بشعبية بين المستثمرين.
لقد انتعشت أسواق الأسهم بقوة: مؤشر MSCI أعلى بنسبة 70 في المائة عن مستواه المنخفض في آذار (مارس). وشهدت الأسواق الناشئة مكاسب أكبر من هذه، حيث تضاعفت البورصات البرازيلية والصينية والإندونيسية، بأسعار الدولار، العام الماضي. وساعد هذا الانتعاش في حد ذاته على تعزيز التوقعات الاقتصادية، وأنهت الحلقة المفرغة التي نشأت عام 2008، التي أجبرت فيها الأسواق المتدهورة المستثمرين على التخلص من الأصول بأسعار مخفضة جدا.
وفي الوقت نفسه، ساعد استقرار أسعار المنازل في أسواق أمريكا وأستراليا وبريطانيا الناطقة بالإنجليزية على دعم ميزانيات المستهلكين. وكانت أسعار الفائدة، مرة أخرى، عامل دعم حاسما.
ويقول المتفائلون إن الأسواق الآن في وضع جيد. فالاقتصاد العالمي بدأ في الانتعاش، مع بدء معظم الدول المتقدمة بالخروج من الركود في الربع الثالث من عام 2009. وستتردد السلطات، التي تشعر بالقلق من هشاشة الانتعاش، في رفع أسعار الفائدة على المدى القريب، وبالتالي حصل المستثمرون على ترخيص لشراء الأصول الخطرة.
رؤية العلامات
هل يسهم نهج السياسة هذا في إيجاد مجموعة أخرى من الفقاعات؟ يعتقد البعض، مثل آلان جرينسبان، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي خلال سنوات الانتعاش من التسعينيات حتى سنوات 2000، أنه لا يمكن رؤية الفقاعات إلا عند التفكر في الماضي. ويقول آخرون، مثل Jeremy Grantham من مجموعة GMO لإدارة الصناديق، إنه يمكن تحديدها من خلال ارتفاع الأسعار (والتقييمات) إلى مستويات أعلى بكثير من اتجاهاتها السابقة.
وفي نموذج جنون الأسواق الذي وضعه Hyman Minsky، وهو اقتصادي أمريكي في القرن الـ 20، و Charles Kindleberger في كتابه ''Manias, Panics, and Crashes''، تبدأ الفقاعات ''بنزوح''- صدمة للنظام المالي، ربما على شكل تكنولوجيا جديدة مثل سكك الحديد أو الإنترنت. ويوفر هذا ''الرواية''- الأسباب المنطقية التي تقنع المستثمرين بالانضمام. ويبدأون في الاعتقاد بأن الأمور هذه المرة ستكون مختلفة، وأن أسعار الأصول قد تصل إلى مستويات مرتفعة جديدة.
والمرحلة الثانية هي النمو السريع للائتمان، الذي ينفخ الفقاعة. وحين يقترض المستثمرون المال لشراء الأصول المعنية، يسهم ارتفاع الأسعار الناتج عن ذلك في جعل الرواية أكثر مصداقية. ولكن في الذروة، لا يولي المستثمرون اهتماما كبيرا للأساسيات، حيث يشترون فقط بسبب اعتقادهم أن الأسعار سترتفع أكثر. وتتميز هذه المرحلة بتقييمات عالية جدا وحماس شعبي لشراء الأصول - ظهر في العشرينيات حين أصبح الصبية ملمعي الأحذية بتمرير نصائح عن الأسهم، وفي أوائل سنوات 2000 حين أصبحت برامج العقارات على التلفزيون تحظى بالشعبية.
وفي النهاية، لا يعود هناك مشترون جدد في الفقاعة، وتنخفض الأسعار، ويحل ''الاشمئزاز'' محل ''الحماس'' - إلى أن تبدأ الدورة مرة أخرى.
كيف تبدو الأسواق الحالية في ضوء هذا النموذج؟ أفضل مكان للبدء هو العالم المتقدم. فقد حدث ''نزوح''، حيث دفعت الأزمة الائتمانية البنوك المركزية إلى تخفيض الأسعار والحكومات إلى كشف النقاب عن مخططات لدعم البنوك وضمان الأصول والسماح بارتفاع حالات عجز الميزانية. وفي حين كان المستثمرون يتجنبون المخاطر في أواخر 2008، تم تشجيعهم على الشراء والاستثمار في أصول ذات عائد مرتفع مثل الأسهم وسندات الشركات.
ولكن على الرغم من أن المال رخيص، إلا أنه لا يوجد ما يدل على نمو الائتمان في القطاع الخاص، الذي يميز مراحل الفقاعات. وفي الواقع، لا تزال الشركات الصغيرة تشتكي من صعوبة الحصول على القروض المصرفية. وفي منطقة اليورو، انخفض المقياس العام للمعروض النقدي في الأشهر الـ 12 الماضية. وفي أمريكا، زاد عرض النقد بمعدل سنوي بلغ 1.2 في المائة فقط خلال الأشهر الستة حتى تشرين الثاني (نوفمبر).
وكدليل آخر على عدم وجود فقاعة، يشير المضاربون إلى ارتفاع الأسعار إلى المستوى المتواضع نسبيا لنسب الأسعار إلى الأرباح المحتملة؛ ويتم التداول على مؤشر MSCI بمضاعف 14 بناء على الأرباح المتوقعة عام 2010، وفقا لـ Societe Generale، بنحو المتوسط طويل الأجل. إلا أن المضاعفات المحتملة قد تعتمد بصورة مفرطة على تفاؤل المحللين الذين ينتجون التنبؤات- ويهتم مثل هؤلاء المحللين ببيع الأسهم.
والمقياس طويل الأجل الأفضل هو نسب الأسعار إلى الأرباح المعدلة دوريا، التي تحسب متوسط الأرباح على مدى السنوات العشر السابقة. وبناء على هذا المقياس، لا تكون التقييمات قريبة على الإطلاق من ذروتها في عام 2000. ولكنها مع ذلك تظل مرتفعة جدا بالمقاييس التاريخية؛ وتعتقد شركة Smithers & Co الاستشارية أنها أعلى بنحو 50 في المائة من متوسطها طويل الأجل. وحتى في الوقت الحالي، بعد عقد كئيب بالنسبة للأسهم، تقدم وول ستريت ربحا يزيد قليلا فقط عن 2 في المائة على الأسهم، مقارنة بمتوسط 4.5 في المائة على المدى الطويل.
وفي سوق الإسكان، يظهر مقياس يستند إلى الإيجارات أن الأسعار الأمريكية عادت إلى القيمة العادلة، إلا أن الأسعار في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا أعلى بنسبة 30 إلى 50 في المائة من متوسطها التاريخي. وأدى انخفاض أسعار القروض العقارية (ومخططات الحكومة لتجنب حبس الرهن) إلى منع الأسعار من الانخفاض إلى المستويات المنخفضة التي بلغتها في فترات الانكماش السابقة.
ومع ذلك، على الرغم من أن الأسعار لا تزال أعلى من المتوسط، إلا أن المستثمرين من القطاع الخاص لم يظهروا الحماس الكبير نفسه الذي أظهروه في الفقاعات السابقة. فالنشاط هادئ في سوق الإسكان. وسحب المستثمرون 36 مليارا من صناديق الاستثمار في الدول المتقدمة في غضون عام 2009، وفقا لمجموعة EPFR Global التي تجمع البيانات.
التفاؤل المتزايد
قد تكون الأسواق الناشئة أكثر عرضة لظهور الفقاعات، فالانتعاش في الأسواق المتقدمة مدفوع بالاعتقاد أنه تم تجنب فترة كساد عظيم أخرى، وليس بسبب التفاؤل بشأن حقبة جديدة، إلا أن صادرات الأسواق الناشئة نجت من الأزمة بشكل جيد. وقد تضررت في أواخر 2008، حين أثار انهيار Lehman Brothers صدمة الشركات وخفضت كثيرا من الشركات دفاتر طلباتها. إلا أن الصين لم تشهد أكثر من مجرد تباطؤ معتدل وانتعشت لتنمو بنسبة تقارب 8 في المائة عام 2009.
وحين ينظر المستثمرون للمستقبل يجدون أن للأسواق الناشئة مزايا عديدة تميزها عن منافساتها المتقدمة. وأوضحها هي ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي المحتمل. ومن المزايا الأخرى هي أن عديدا من الاقتصادات الناشئة لديها مواقع مالية أقوى من منافساتها الغربية؛ فهي الدائنة التي تموّل عجز الميزانية الأمريكية.
لقد تغيرت موازين القوى بالفعل. في عام 2003، كانت بورصات أمريكا وبريطانيا واليابان تشكل 73 في المائة من قيمة مؤشر MSCI لجميع الدول؛ وبحلول نهاية عام 2009، انخفضت النسبة إلى 59 في المائة. ويقول المتحمسون، مثل Jerome Booth ، من مجموعة Ashmore لإدارة الصناديق، Yن هذا الاتجاه سيستمر، لأن بورصات الاقتصادات الناشئة منقوصة في المؤشرات العالمية، بالنظر إلى حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويقول Booth إنه مع استعادة العالم لتوازنه، ستزيد رغبة المستثمرين من الاقتصادات الناشئة في نقل مدخراتهم إلى أسواقهم، بدلا من تمويل الحكومات الغربية. وقد بدأ المستثمرون الغربيون بالفعل بإبداء اهتمامهم في تلك الأسواق: حول المستثمرون 64.5 مليار دولار إلى صناديق الأسواق الناشئة العام الماضي.
ويفسر هذا التفاؤل سبب ارتفاع سعر التداول في الأسواق الناشئة (المقاس بنسبة أسعار السوق إلى القيمة الدفترية للأصول) مقارنة بالأسواق المتقدمة. وفي الماضي، كان ارتفاع السعر هذا يدل على وجود نكسة.
إضافة إلى ذلك، تشهد الأسواق الناشئة نموا ائتمانيا أسرع بكثير من منافساتها المتقدمة. ففي الصين مثلا، بلغ نمو المعروض النقدي خلال الـ 12 شهرا حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 30 في المائة تقريبا. ومثل هذا النمو نتيجة منطقية لربط العملة بالدولار، وبالتالي استيراد سياسة نقدية قد تكون مناسبة لأمريكا ولكنها متساهلة جدا بالنسبة للاقتصاد الصيني سريع النمو. ويتسرب بعض هذا النمو الائتماني إلى أسواق الأصول. وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر)، قال رئيس الوزراء الصيني، وين جيابو، إن الحكومة ستستخدم الضرائب وأسعار الفائدة لتحقيق استقرار سوق العقارات. وتزيد أسعار المنازل في هونج كونج عن القيمة العادلة بنسبة 50 في المائة، وفقا لتقديرات الإيكونوميست. وعلى الرغم من أن الأسعار لم تعد بعد إلى تقييمات عام 2007، إلا أنه من السهل تصور أن تظهر الفقاعات في الأسواق الناشئة إذا استمر هذا المزيج المكون من أسعار الفائدة المنخفضة وربط العملة بالدولار.
والذهب هو مجال آخر قد تظهر فيه فقاعة، فالذهب هو سبب محتمل لإثارة الحماس، لأن المستثمرين يستخدمونه كملاذ حين يشعرون بالقلق من التضخم أو تخفيض قيمة العملة أو الفوضى المالية، إلا أن الذهب شهد ذروة مضاربة من قبل، أبرزها عام 1980، حين بلغ سعره 835 دولار للأونصة، قبل أن يخسر ثلثي قيمته الاسمية على مدى السنوات الـ 20 المقبلة.
والمبرر المنطقي الرئيس لشراء الذهب في الوقت الحالي هو أنه في مواجهة الأزمة الائتمانية، تريد معظم الحكومات تخفيض قيمة عملاتها لتعزيز صادرتها. وإذا تم ''تخفيض قيمة'' النقود الورقية، يزيد التفاؤل بشأن الذهب، وهو من الأصول التي لا يمكن للبنوك المركزية إيجاد المزيد منها ولا يمكن تحميل مسؤوليتها لأحد.
وقد يكون أولئك الذي يثقون بالذهب على حق، إلا أن السعر تضاعف بالفعل أربعة أضعاف عن أدنى مستوى له ولا يعاني أي قيود تقييم حقيقية؛ ليس له عائد أو أرباح يمكن قياسه على أساسها، لذا من الصعب معرفة متى يكون ''غاليا''. وقد اقترح Dylan Gice، وهو محلل في Societe Generale، أنه لو كان نظام بريتون وودز (الذي كان مجلس الاحتياط الفيدرالي ملزما بموجبه بتبادل مخزونه من الدولارات بالذهب مع بنوك مركزية أخرى) مطبق اليوم، لكان تم تداول الذهب بسعر 6.300 دولار للأونصة.
مشكلة قديمة جدا
ويبدو من المرجح أنه لو أبقت الدول المتقدمة أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، ستظهر الفقاعات في مكان ما. والحجة ضد تشديد السياسة الآن قوية، بالنظر إلى هشاشة الانتعاش الاقتصادي. ولكنها كذلك بالنسبة للبنوك المركزية، سواء كان الاقتصاد قويا أم لا.
من الصعب تصور أية ظروف تتمتع فيها السلطات بالبصيرة (أو الشجاعة) لوخز الفقاعة. ولا يمكن فعل ذلك حين يكون الاقتصاد ضعيفا. وحين يكون الاقتصاد قويا، كما كان في أواخر التسعينيات، تقول البنوك المركزية إن أسعار الأصول الأعلى مبررة (في ذلك الوقت، بسبب تحسينات الإنتاجية التي أحدثها الإنترنت). ويعتبر المصرفيون المركزيون أسعار الأصول الأعلى مبررا لسياساتهم ويميلون لتجنب ''تصحيح'' الأسواق بعد ظهور النتائج.
وفي خطاب حديث له، قال بن بيرنانك، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، أن التنظيم الأفضل، بدلا من تشديد السياسة النقدية، كان سيكون العامل الأهم لوخز فقاعة الإسكان الأمريكية في العقد الماضي. وقد تعتمد خطط منع الفقاعات المستقبلية على السيطرة على البنوك، بدلا من تحديد المستوى العام لأسعار الفائدة. ومن شأن نسب القروض إلى القيمة الأعلى تجنب الإفراط في الإقراض سيئ الائتمان في حين أن نسب رأس المال الأعلى ستمنع البنوك من إقراض مبالغ طائلة في ذروة الدورة.
إذا كان السلطات لا تستطيع فعل الكثير لمنع الفقاعة من التضخم، فماذا يمكنها أن تفعل إذا عانت الأسواق انتكاسة أخرى؟ لا يمكن تخفيض أسعار الفائدة بصورة أكبر، ومن الصعب أن تتحمل الأسواق حالات عجز أكبر في الميزانية. ولا يترك هذا خيارا سوى التخفيف الكمي، السياسة التي توجد البنوك المركزية بموجبها المال لشراء الأصول، التي غالبا ما تكون سندات حكومية. وحتى التخفيف الكمي قد يكون له حدوده، إذا قرر المستثمرون من القطاع الخاص بيع سندات الشركات بالسرعة نفسها التي تحاول بها البنوك المركزية شراءها.
ويقول المضاربون على انخفاض الأسعار أن الاقتصاد العالمي يعتمد بالفعل بصورة مفرطة على الحوافز الحكومية. ويقول David Rosenberg من شركة Gluskin Sheff الكندية لإدارة الأصول: ''جاءت كل نقطة أساس للنمو (الأمريكي) في (الربع الثالث) من الحوافز الحكومية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر''. وقد أدت مخططات مثل ''المال مقابل السيارات القديمة'' إلى زيادة مبيعات السيارات مؤقتا، إلا أن المبيعات انخفضت بسرعة ثانية حالما توقفت الإعانات الحكومية. وقد حدث المثال الأخير حين انخفضت مبيعات المنازل الأمريكية التي تنتظر البيع بنسبة 16 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) تحسبا لنهاية الائتمان الضريبي لمشتري المنازل ''الذي تم تمديده منذ ذلك الحين حتى نهاية نيسان (أبريل)''.
وتعتمد هذه الإعانات إلى حد كبير على قدرة الحكومات على تمويل حالات العجز الضخمة بتكلفة منخفضة نسبيا. ولعل هذه أكبر مشكلة في الوقت الحالي.
مسألة حياة وديون
من ناحية، الفجوة بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل وعائدات السندات طويل الأجل كبيرة بصورة غير عادية. ويسمح هذا للبنوك، على وجه الخصوص، بالاقتراض بأسعار أقل من البنوك المركزية واستثمار العائدات في الديون الحكومية؛ تم استخدام الحيلة نفسها لإعادة بناء أرباح البنوك في أوائل التسعينيات. ويعتقد Russell Napier، وهو مؤرخ ومحلل للأسواق في CLSA للسمسرة، أن عمليات الشراء من قبل مجموعة من البنوك المركزية الآسيوية والبنوك التجارية في العالم المتقدم تسهم في ظهور فقاعة في أسواق السندات الحكومية.
وربما يتطلع المستثمرون لآسيا للحصول على الإلهام. فقد كانت اليابان تدير حالات عجز ضخمة لمدة 20 سنة ولا تزال عائدات السندات لمدة عشر سنوات لديها أقل من 1.5 في المائة. وإذا كان المستثمرون يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي سيعاني فترة ركود مماثلة، فإن عائدات سندات الخزانة البالغة نحو 4 في المائة تبدو جذابة إذن.
ومن ناحية أخرى، يشير البعض إلى النمو الهائل لميزانيات البنوك المركزية واستخدام التخفيف الكمي. ويعتقدون أن هذا التنقيد غير المباشر لعجز الميزانية مجرد طريقة أخرى لخفض قيمة العملة. وقد قفز بند مجلس الاحتياط الفيدرالي لـ ''العوامل الكلية التي تزود الأموال الاحتياطية'' من 942 مليار دولار خلال الأسبوع قبل انهيار Lehman Brothers إلى نحو 2.3 تريليون دولار. وفي بريطانيا، موّل برنامج التخفيف الكمي لبنك إنجلترا كامل عجز الحكومة لمدة سنة.
ولكن يبدو أن كل من مجلس الاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا يقلصان برامج التخفيف الكمي، وقد لا تكون موجودة لدعم أسعار السندات العام المقبل. ولكن لا يوجد ما يدل على أي تخفيض سريع لحالات عجز الميزانية، على الأقل في بريطانيا وأمريكا. وواجهت الحكومات التي حاولت التصدي لها، مثل حكومة أيرلندا، احتجاجات وإضرابات.
كقاعدة عامة، تجد الحكومات أن زيادة ديونها أسهل من تخفيفها. وفي غياب النمو الاقتصادي السريع، غالبا ما يعني تخفيض الديون فترة من التقشف، وهو أمر من الصعب استيعابه، خاصة حين يكون الدائنون أجانب. وأخيرا، رفض رئيس أيسلندا الموافقة على صفقة لسداد ديون لبريطانيا وهولندا في مواجهة المعارضة الشعبية.
وتخشى الحكومات أيضا أن يؤدي التشديد المالي السابق لأوانه إلى إعادة الاقتصاد إلى الركود. وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته إدارة روزفلت عام 1927 واليابانيون عام 1997، حين رفعوا ضريبة الاستهلاك.
وربما يكون وزراء المالية غير مستعدين لاتخاذ تدابير لا تحظى بالشعبية إلى أن تخفض وكالات التصنيف درجة ديونها أو تجبر الأسواق على اتخاذ تلك التدابير عن طريق زيادة عائدات السندات بشكل حاد. وهناك بالفعل علامات على نفاد صبر الأسواق من بعض الدول، مثل اليونان، التي كانت بطيئة في معالجة المشكلة. وقد يطالب المستثمرون في نهاية المطاف باستراتيجيات متناسقة من الأمريكيين والبريطانيين؛ هذا الأسبوع، قالت Pimco، التي ربما تكون شركة استثمار سندات القطاع الخاص الأكثر تأثيرا، إن بريطانيا تواجه تخفيض تصنيفها الائتماني دون وجود خطة موثوقة لتخفيض الديون.
وتعاني الأسواق سلسلة من التناقضات. فهي تعتمد على كميات هائلة من الحوافز الحكومية. إلا أن هذه الحوافز تعتمد بدورها في النهاية على استعداد الأسواق لتمويل الحكومات بأسعار منخفضة. ولن تكون مستعدة لفعل ذلك إلا إذا كانت تعتقد أن توقعات النمو سيئة وأن التضخم سيظل منخفضا. ولكن إذا اعتقدت ذلك، ينبغي ألا يكون المستثمرون على استعداد لشراء الأسهم والمنازل والتقييمات الأعلى من متوسطها. ولا بد من حل هذه التناقضات في وقت ما- ربما عام 2010. وسيؤدي هذا إلى نوبة مزعجة أخرى من التقلبات