أخبار اقتصادية

النقاش حول مراقبة الإنفاق الحكومي يتجدد.. هيئة أم شركة؟

النقاش حول مراقبة الإنفاق الحكومي يتجدد.. هيئة أم شركة؟

النقاش حول مراقبة الإنفاق الحكومي يتجدد.. هيئة أم شركة؟

لا تكفي مطالعة أرقام الميزانية الضخمة، وكذلك لا يكفي الشكر والامتنان للملك الذي أقرها واعتمدها، بل لا بد من الإحاطة بما يقوله الخبراء والمختصون بشأن معانيها ودلالاتها، لأنها تشكل وتبني جزءاً من مستقبلنا وترسم الطريق لمرحلة من مراحل نمو اقتصادنا. وقد حفلت صحيفة «الاقتصادية» في العدد الصادر يوم الثلاثاء 5 المحرم 1431هـ - وهو اليوم التالي لإعلان الميزانية – بعديد من الآراء والتحليلات القيمة التي سطرها خيرة الخبراء والمختصين. #2# ومن ذلك ما كتبه الأستاذ نبيل المبارك في الصفحة (12) تحت عنوان (شركة لإدارة مشاريع تنمية بأكثر من 260 مليار ريال في عام). في هذا المقال الجميل نبّه الكاتب الكريم إلى أن مجموع ما اعتمد في العام الماضي والعام الحالي على المشاريع الجديدة بلغ (485) مليار ريال، وأن هذا رقم ضخم بكل المقاييس، والكاتب محق في ذلك، ثم لفت الانتباه إلى (أن لدينا مشكلة واضحة في إدارة تنفيذ هذه المشاريع وفي إدارة الصرف وفي ارتفاع التكاليف، وأن معظم الجهات الحكومية غير قادرة على إدارة هذا الكم الضخم من المشاريع إدارة حكيمة دون إبطاء، دون فساد وخلل، دون مبالغة في التكاليف ودون انحرافات عن الأهداف). والكاتب محق في ذلك أيضاً إلى حد بعيد، لكن أن يكون الحل عبر شركة لإدارة مشاريع الدولة فهذا أمر غير عملي وبعيد عن تحقيق الهدف الذي يتوخاه الكاتب الكريم. لقد أسندت إدارة تنفيذ مشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلى شركة أرامكو تحت إشراف مباشر من معالي وزير البترول وكانت تكلفة المشروع في حدود عشرة مليارات ريال، فكم نحتاج من (شركة أرامكو ووزير بترول) لإدارة تنفيذ مشاريع تبلغ تكلفتها (485) مليار ريال - أي خمسين ضعفاً لتكلفة مشروع الجامعة؟ إن مجموع هذه المشاريع من الضخامة بحيث لا يمكن إسناد إدارة تنفيذها إلى شركة واحدة مهما كانت صفاتها حتى لو قامت على أسس تجارية بحتة. ذلك أن مثل هذه الشركة ستنوء بها أحمال هذه المشاريع الثقال حتى لو توزعت الأحمال على إدارات عديدة تتكون منها الشركة حسب التخصص، وستتحول في أحسن الأحوال إلى مؤسسة مترهلة تنفذ إليها من كل جانب البيروقراطية والمركزية، فتكون أكثر فساداً وأبطأ من الجهات التي أردنا استنقاذ المشاريع منها. إن الكاتب الكريم ينطلق من أنه لا يمكن معالجة المشكلة من خلال الهيكل الحالي (للجهات الحكومية) لأنه لا يمكن أن يصلح نفسه بنفسه، وبنفس أسلوب التفكير. وأسأل الأستاذ نبيل: هل الخيار الأصلح أن نترك الهيكل الحالي على حاله وأن ننشئ شيئاً جديداً آخر؟ مشكلتنا ليست فيمن يشرف على التنفيذ، فإنه في كل الجهات الحكومية هناك مختصون في الإدارة والهندسة والتجهيزات والشؤون المالية وغيرها، وإنما تكمن المشكلة في عدم وجود الحسيب الرقيب الذي يحاسب ويراقب في ضوء المعايير القياسية والمواصفات الموضوعة الصحيحة ومتطلبات الجودة وجداول التنفيذ. نحن نحتاج حقيقة إلى هيئة حكومية مستقلة تقوم بهذا الدور ولها من الصلاحيات التنظيمية والرقابية ما يجعلنا تطمئن إلى مصير المشاريع التي تنفق عليها مئات البلايين. لقد أظهر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله – عند إعلان الميزانية استياءه من أن بعض المشاريع (ما بيّنت) و(ضائعة). أليس في هذا حافز قوي على ضرورة الإسراع بإنشاء مثل هذه الهيئة؟ وهل هناك من يقوم بهذا الدور الآن؟ حتى ديوان المراقبة العامة (وهو المسؤول عن الرقابة المالية) لا يقوم إلا بالرقابة اللاحقة وبواسطة خمسة مهندسين فقط (كما جاء في جريدة «الوطن» 5/1/1431) على مشاريع الدولة. إن إنشاء هذه الهيئة لا يلغي دور أو واجب الرقابة الذاتية التي تقوم بها كل جهة حكومية على مقاولي تنفيذ مشاريعها، ولكن القصور في التنفيذ يرجع أحياناً كثيرة إلى عوامل ليست من صنع المقاول نفسه، بل قد تصنع في الإجراءات التي تسبق التنفيذ منذ ولادة المشروع. لذلك ليس هناك من قوة تدفع إلى الحرص على حسن الأداء وجودة العمل وترشيد الإنفاق أكبر من هيئة رقابية تنظيمية محايدة ذات سلطة وقرار. وأختتم بالشكر للكاتب الكريم ولصحيفة «الاقتصادية» على إثارة هذا الموضوع الحيوي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية