مجلس التعاون بعد 3 عقود.. اقتراب من الاندماج وتطلع إلى التكامل
يقترب مجلس التعاون لدول الخليج العربية من إتمام العقد الثالث من مسيرته بعدد من الخطوات النوعية التي أسهمت في الإعداد لمرحلة جديدة متطورة تنقل العمل الخليجي المشترك إلى مراحل متقدمة من التكامل والاندماج. ولهذا الغرض أصدر مركز المعلومات في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون كتابا، تناول فيه بالتفاصيل المنجزات التي حققها المجلس منذ إنشائه حتى إنجاز مرحلة الربط الكهربائي بين دول المجلس، وبدء دارسات خط سكة الحديد الخليجية. ومن أهم تلك الخطوات، في رحلة المجلس، اعتماد أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، في قمة مسقط التي عقدت خلال كانون الأول (ديسمبر) 2001، الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون لتحل محل الاتفاقية الاقتصادية الموحّدة التي كان المجلس الأعلى قد أقرّها في عام 1981، تلك الاتفاقية التي مثلت الإطار العام والبرنامج العريض للعمل الاقتصادي المشترك خلال العقدين الأولين من مسيرة المجلس. ويمكن القول بأن الاتفاقية الاقتصادية، لعام 2001، دشنت مرحلة جديدة في مسيرة مجلس التعاون، بمضامين وأهداف تنسجم وتطورات العمل الاقتصادي في المجلس وإنجازاته، وتواكب التطورات على الساحة الاقتصادية الدولية.
وتوضح الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001، في ديباجتها أن الهدف هو تحقيق مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي بين دول المجلس ضمن برنامج زمني محدد، ولتحقيق ذلك تضع الاتفاقية أولويات وأهدافاً لبرنامج العمل الاقتصادي المشترك في مرحلته الجديدة، فهي تخصص الفصول الثلاثة الأولى للاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي والاقتصادي. وهي مشاريع تكاملية واندماجية طموحة تدفع بعجلة التعاون الخليجي خطوات واسعة إلى الأمام.
وإذا كانت منطقة التجارة الحرّة التي أنشأها المجلس في عام 1983 تمثل المرحلة الأولى من مستويات التكامل، وفق نظرية الاندماج الاقتصادي، فإن الاتحاد الجمركي الذي أقامه المجلس في كانون الثاني (يناير) 2003 يمثل المرحلة الثانية، والسوق الخليجية المشتركة التي أعلن المجلس قيامها اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2007 المرحلة الثالثة، من مستويات الاندماج المشار إليها. وأخيراً، فإن مجلس التعاون أصبح بالفعل في نطاق المرحلة الرابعة من التكامل والاندماج عندما اعتمد المجلس الأعلى في دورته الـ 29، التي عقدت في مسقط خلال كانون الأول (ديسمبر) 2008، اتفاقية الاتحاد النقدي، والنظام الأساسي للمجلس النقدي، وما تلى ذلك من توقيع للاتفاقية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي خلال حزيران (يونيو) 2009.
ولم يقتصر الإعداد للمرحلة الجديدة على اعتماد الاتفاقية الاقتصادية، بل سبق ذلك في كانون الأول (ديسمبر) 1999 تكليف المجلس الأعلى لهيئته الاستشارية بإجراء تقويم لمسيرة التعاون الاقتصادي بين دول المجلس، ثم تكليف آخر في عام 2003 بتقويم مسيرة مجلس التعاون خلال 23 سنة. يضاف إلى ذلك، وفي السياق ذاته، اعتماد المجلس الأعلى، في عام 2001، للقانون الموحد للجمارك في دول المجلس بصيغته المعدّلة، وقراره، في العام ذاته، بإنشاء هيئة خليجية جديدة ومستقلة للمواصفات والمقاييس، وذلك في إطار التهيئة لإقامة الاتحاد الجمركي.
أما فيما يتعلق بالتحضير لإعلان تأسيس السوق الخليجية المشتركة، فلقد وجّه المجلس الأعلى، في عام 2002، باستكمال متطلبات تحقيقها في أقرب وقت ممكن، على ألا يتعدى ذلك عام 2007. وتمهيداً لذلك، أكد المجلس على تطبيق المساواة التامة بين مواطني دول المجلس في مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية ضمن برنامج زمني محدد.
وواقع الأمر، فإن الإعداد للمرحلة الجديدة من التكامل والاندماج لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية، وإن كان التركيز عليها في هذه الصفحات لسهولة تتبعها وقياسها لارتباطها بمستويات الاندماج المعروفة. فهناك قرارات عديدة مهمة في مجالات أخرى أسهمت، بشكل أو آخر، في الدفع نحو المرحلة الجديدة في مسيرة مجلس التعاون، منها على سبيل المثال إقرار المجلس الأعلى لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس في كانون الأول (ديسمبر) 2000، واتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب في عام 2003، والتي تمثل خطوة جماعية أخرى من دول المجلس لمواجهة الإرهاب ، الذي هو آفة العصر.
ويؤكد الباحثون أن آثار ومعالم المسار التكاملي الجديد، بدأ فعلياً مع مطلع العقد الثالـث من عمر المسـيرة الخيّرة لمجلس التعاون، حين استقر مؤشر بوصلة المجلس على التكامل والاندماج والوحدة مستفيداً من تجارب وإنجازات العقدين الأولين من مسيرة المجلس.