جامعيون يزاحمون ربات البيوت

جامعيون يزاحمون ربات البيوت

تقف الشهادات الجامعية التي يحصل عليها الشباب السعودي حائلاً دون قبول عدد كبير منهم بوظائف عديدة يوفرها القطاع الخاص لهم، معتبرين أن هذه الوظائف دون المستوى المأمول لتطلعاتهم وآمالهم، ولا تناسب تخصصاتهم الجامعية التي بذلوا فيها جهداً استمر سنوات من خلال المذاكرة والامتحانات.
وتغازل الأحلام الوردية الشباب الجامعي وهم على مقاعد الدراسة، بأن الوظائف الجيدة ذات الرواتب المرتفعة في انتظارهم، وأن المستقبل يفتح ذراعيه لهم ويدعوهم إلى الانتقال إلى حياة جديدة، مليئة بالعمل والمكسب، إلا أن الغالبية منهم تصطدم بالواقع، وتبدأ في تغيير خطط المستقبل، إن لم يكن طواعية، فبالإكراه.

المهن اليدوية غير مرغوبة
ويرفض الجامعيون حديثو التخرج بصفة خاصة العمل في مهن يدوية أو في وظائف لا تناسب مؤهلاتهم العلمية، ويفضلون البقاء في منازلهم على العمل في مهن من الممكن أن يقوم بها خريجون في المعاهد الفنية وحملة الدبلومات، كما ينظرون إلى رواتب هذه المهن على أنها لا تفي باحتياجاتهم الشخصية، ولا تحقق أحلامهم المستقبلية فيما يخص الزواج وتكوين أسرة.
بيد أن الخريجين القدامى الذين مر على تخرجهم عدة سنوات ولم يعثروا على وظائف مناسبة يضطرون إلى التنازل عن جزء من تحفظهم على هذه الوظائف، ويقبلون ببعضها، إما من باب التسلية وإما إضاعة وقت الفراغ، إلى أن يجدوا وظائف تروق لهم، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الأهلي.
وينظر عبد الله الشمراني خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لمعظم وظائف القطاع الخاص، على أنها غير صالحة شكلاً ومضموناً لخريجي جامعته، وقال " من غير المنطقي أن أعمل في سنترال شركة أو كاتباً إدارياً وأتناسى تخصصي في هندسة الحاسب الآلي، علماً أنني لا أنظر إلى الراتب بقدر نظرتي إلى التقدم خطوات في مجال التخصص الذي سهرت في مذاكرة علومه الليالي".
وعاد الشمراني ليؤكد أن خريجي التخصصات العلمية المطلوبة غالباً ما يجدوا وظائف جيدة بعد تخرجهم، وقال: لم أجلس في منزلي بعد التخرج أكثر من 45 يوماً، بعدها تم تعييني في وزارة التربية والتعليم في قسم الحاسب الآلي، مشيراً إلى أن زملاءه في كلية الهندسة التطبيقية وكلية العلوم وكلية الإدارة الصناعية وكلية تصاميم البيئة لا تضطرهم الظروف للعمل في مهن غير مناسبة، إذ يأتي تعيينهم بشكل أسرع من غيرهم في الجامعات الأخرى.
1200 ريال راتبا لا تكفي!
وعلى العكس من الشمراني، لم تجد سعاد الأسمري خريجة قسم الجغرافيا في جامعة الملك فيصل في الدمام بداً من العمل في إحدى المدارس الخاصة في الدمام، وتقول: أعمل في مهنة إدارية في المدرسة، على أمل أن أنتقل لمهنة تعليمية، إلا أن هذا لا يمنع أن أحلم وأنتظر أية وظيفة حكومية تمنحني الأمان الذي أبحث عنه.
وتشكو الأسمري من رواتب القطاع الخاص، وتقول: أتقاضى 1200 ريال شهرياً فقط، ومثل هذا الراتب لا يكفي للمصروفات الشخصية، إلا أن رواتب وظائف القطاع الخاص جميعها بهذه الصورة وهذا التواضع، بعكس الوظائف الحكومية.
وتكشف الأسمري عن وجود زميلات لها، تخرجن في أقسام التاريخ والجغرافيا وعلم النفس يبحثن عن أي وظائف مناسبة منذ سنوات، إلا أنهن لم يجدن، وقالت: هناك جامعات ذات تخصصات مطلوبة لا تحتاج خريجاتها إلى البحث عن وظائف، لأنهن مطلوبات في سوق العمل، وينطبق هذا على خريجات كليات الطب دون غيرهن، مشيرة إلى أن خريجات أخريات يدركن تواضع تخصصاتهن، عدم الحاجة إليها، فيتواضعن كثيراً عند البحث عن وظائف في القطاع الخاص، ويقبلن بما هو متاح أمامهن.

تصحيح النظرة للمهنة
ويصحح أحمد الحواس نائب المشرف العام على برنامج الأمير محمد بن فهد لتأهيل وتوظيف الشباب السعودي ما وصفه بـ (المفهوم الخاطئ) لدى الشباب، قائلا: من الخطأ أن نعمم صفة التواضع في المهن التي يوفرها القطاع الخاص للشباب، مشيراً إلى أن مبدأ السعودة المطبق على شركات ومؤسسات العمل في الدولة، فتح المجال للشباب من الجنسين للعمل في وظائف مرموقة برواتب ممتازة وحوافز مغرية.
وأوضح: من خلال برنامج الأمير محمد بن فهد، تردنا وظائف تناسب كل التخصصات الجامعية وما دونها، وقال: في الفترات الأخيرة – على سبيل المثال - وصلتنا وظائف شاغرة من مصانع تابعة للقطاع الخاص بدرجة مدير صيانة، ومدير مشروعات هندسية برواتب تتجاوز سبعة آلاف ريال في بادئ الأمر، غير ما يحصل عليه الموظف من بدلات.
واعتبر الحواس عزوف بعض الشباب الجامعي عن القبول بالوظائف المتدنية (على حد وصفهم) أمراً طبيعياً، وقال: كل شاب يصل لدرجة أعلى من التعليم تراوده أحلام الوظيفة المرموقة والدخل الكبير، والوجاهة الاجتماعية، ولهذا السبب يرفض التنازل عن هذه الأحلام إذا ما قبل بوظيفة لا تحقق له تطلعات، إلا أنه قد يصطدم بواقع مغاير تماماً بعد فترة، تجعله يقبل ما سبق رفضه.
ودعا الحواس إلى عمل برامج توعوية للشباب من الجنسين تنطلق وهم على مقاعد الدراسة، وقال: لا بد من ترسخ مفهوم أن العمل ليس فيه مهن راقية وأخرى متواضعة، وإنما فيه مهن شريفة وأخرى غير شريفة، وأن أي مجالات يعملون فيها تكسبهم الخبرة العملية والحياتية، وتبعدهم عن الملل الذي يصابون به إذا ما فضلوا الجلوس في المنزل.
وأشار الحواس إلى أن هناك اتجاها الآن لتطوير المواد الدراسية والتخصصات الجامعية لتتناسب مع حاجات سوق العمل، وقال: المتابع لحركة التعليم الجامعي، على سبيل المثال، يجد أن هناك تخصصات في الهندسة والكمبيوتر ومجالات التقنية بدأت في العمل لتخريج شباب مؤهل للعمل فوراً في وظائف فنية ينتظر أن تصدر القرارات بسعودتها، وهذا في حد ذاته كفيل بخلق آلاف من فرص العمل للشباب، كما أنه سيقضي على ظاهرة أن يعمل الشاب الجامعي في غير تخصصه.

الأكثر قراءة