"الغاز" مفتاح النمو لقطاع الصناعات البتروكيماوية في السعودية
يعد إنتاج الغاز في السعودية هو العامل الرئيسي وراء تعزيز التطور الاقتصادي لقطاع البتروكيماويات. وتواصل "أرامكو السعودية" جهودها في المحافظة على مركزها القيادي في إنتاج الغاز، حيث تعد واحدة من الشركات الرائدة في إنتاج الغاز، وفي مجال الغاز، تحافظ الشركة على مركز الصدارة بالنسبة لمجالات البحث والتنقيب.
وعلى مدى السنوات العشرين الأخيرة، ازداد الطلب على الغاز بنسبة 10 في المائة سنويا في كل من القطاع الصناعي وقطاع توليد الكهرباء، وشجع على ذلك وفرة إمدادات الغاز وانخفاض أسعاره. واليوم، يزيد نصيب استهلاك الفرد من الغاز في المملكة على نظيره في المملكة المتحدة وألمانيا واليابان. ومن المتوقع أن يواصل الطلب على الغاز ارتفاعه بمعدل 5 في المائة سنويا على مدى العقدين المقبلين مع اتساع القاعدة المحلية والصناعية لاستهلاك الغاز في المملكة.
ويعتمد إنتاج الغاز الطبيعي المصاحب على الطلب العالمي للنفط، ومن ثم فإنه يتباين في كميته المتاحة للمنتجات البتروكيماوية والاستخدامات العامة وفقا لدورات إنتاج النفط. ولذلك، نجد أن الحاجة لإدخال تطويرات جديدة على صناعة الغاز الطبيعي المصاحب صارت الآن ملحة في المملكة. ومثال على ذلك، الموسع التوربيني العالمي الذي يختص بإنتاج الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي الموجه نحو تلبية صناعة البتروكيماويات المحلية، في الوقت الذي يساعد فيه أيضا على دعم إمكانات شركة أرامكو التصديرية.
ويستمر الغاز في لعب دور أكبر تدريجيا بالتناسب مع النفط في المملكة، إذ شهد زيادة سريعة من 35 في المائة في عام 1990 إلى 41 في المائة في عام 2003، ومن المرتقب أن تبلغ نسبته 51 في المائة بحلول عام 2008. ومع ذلك نجد أن الطلب على الطاقة لتلبية حاجات الكهرباء والمياه اللتين تخدمان الحاجات الأساسية للسكان ينافس صناعة البتروكيماويات على الفوز بموارد الغاز التي لا تزال تتضاءل.
ووفقا لمجلة Gulf Industry، فمن المتوقع أن يستمر الطلب على المواد الخام للغاز في ظل بلوغ عدد مصانع الصناعات البتروكيماوية والمنتجات البلاستيكية الأولية في المملكة حالياً ما يربو على 500 مصنع، وكذلك في ظل تجاوز الاستثمارات 20 مليار دولار، والتي، رغم ذلك، لا تزال في مرحلة التوسع. والمشروعات البتروكيماوية المرتقبة في طور التطوير في انتظار التخصيصات المرصودة لها، والتي يتم تطويرها من الغاز. وعلى هذا الأساس، فإن الطلب على الغاز في صناعة البتروكيماويات يفوق المخزون الفعلي.
وتوقعت شركة أرامكو أن تبلغ مبيعات الغاز ما بين 12 و14 مليار قدم مكعب معياري يومياً بحلول عام 2025. وتنطوي السياسة التي تنتهجها المملكة على زيادة مخصصات المنتجات البتروكيماوية من مشتقات الغاز. فالمواد الخام من الإيثان والغاز الطبيعي المسال المضافة للأوليفينات (إحدى عناصر سلسلة الإيثيلين) تزيد من العوائد الاقتصادية بصورة أكبر. ولكن الطلب المحلي العام، عملياً، سيحتل المرتبة الأولى في قائمة الأولويات من أجل مواكبة النمو السكاني المتوقع وموجة التمدن والتحضر المتزايدة.
رؤية المستثمر
وينظر المستثمر الدولي إلى احتياطيات السعودية من النفط والغاز نظرة استحسان كبيرة، إذ تحتل المملكة مركزا مناسبا بين الأسواق المتنامية بصورة أكبر، وتتمتع بتكاليف استخراج منخفضة، ما يمنح فرصا لوجود ميزة نسبية فيما يتعلق بمواد خام منخفضة التكلفة لأغراض إنتاج وتوزيع ومبيعات المنتجات البتروكيماوية. وتولي كبريات شركات الغاز العالمية، وشركات البتروكيماويات، والمصارف العالمية والممولون من شتى أنحاء العالم، اهتماماً كبيراً لفرص الاستثمار في صناعة البتروكيماويات في المملكة.
ولكن مثل هذه الاستثمارات تعتمد على تحديد التخصيصات في الوقت المناسب من المواد الخام من احتياطيات الغاز الجاري استكشافها أكثر من اعتمادها على التطوير. والواقع أنه عندما نقارن بين نسبة الاستثمارت في مشروعات الغاز إلى نسبة الاستثمارات في مشروعات البتروكيماويات الجاري إقامتها، يمكننا أن نلاحظ أن استثمارات المنتجات البتروكيماوية التابعة للقطاع الخاص تبلغ نسبتها 2 إلى 1، وهو العكس تماماً من تطوير منتجات الغاز المدفوع باستثمارات القطاع العام اللازم للحاق بالطلب المتزايد. ويشير الاختيار الحر لمشروعات تطوير الغاز التي من الممكن أن تؤثر على التوفير المبكر لإنتاج المواد الخام للغاز إلى استثمارات تقارب ثمانية مليارات دولار في طريقها إلى المملكة. وهذا الرقم يمثل فقط 1/2 من الاستثمارات الجارية حاليا في قطاع البتروكيماويات والمقدر إجماليها بـ 16 مليار دولار ، أو ما يوازي 2/3 من إجمالي الاستثمارات. إن هذا الخلل في التوازن في الاستثمارات بين تطوير الغاز من قبل القطاع العام، والهادف إلى معالجة العجز في المواد الخام من ناحية، وتطوير المنتجات البتروكيماوية من قبل القطاع الخاص والموجه نحو استغلال فرص الأسواق العالمية من ناحية أخرى، لا يبشر بإمكانية تلبية الحكومة أهداف التطوير الاقتصادي.
التطويرات البتروكيماوية
لا ريب أن الاستثمارات الماضية التي قادها القطاع العام أدت إلى حدوث نمو استثنائي في صناعة البتروكيماويات في المملكة. ويستمر تفوقها النسبي فيما يتعلق بالمواد الخام المتاحة حتى يومنا هذا. ومن المرتقب أن يستمر هذا التفوق في المستقبل أيضاً. وتتيح الصناعات البتروكيماوية القائمة على الميثان، والإيثان، وسوائل الغاز الطبيعي إنتاج ما يقرب من 28 مليون طن سنويا من الأوليفينات الأولية والثانوية، والبلاستيك، والمواد الخام الكيماوية، والأسمدة، والميثانول ومضافات الوقود. وتفي البتروكيماويات القائمة على الميثان بـ 22 في المائة من الطلب على الغاز. ويمثل كل من الإيثلين، والأمونيا، والميثانول المنتجين محلياً مواد خام أساسية للمنتجات البتروكيماوية ذات القيمة المضافة.
هذا وقد قامت شركة أرامكو بمبادرتين مهمتين، ألا وهما توسعة معمل تكرير رابغ، بحيث يستوعب إنتاج المواد البتروكيماوية، وإنشاء مجمع فوجيان للصناعات البتروكيماوية. وتخطط الشركة أيضا لدمج معمل تكرير رأس تنورة ومصنع الجعيمة لإنتاج الغاز. جدير بالذكر أن الشركة وضعت خططا للعام الجاري 2006 أيضا لتنفيذ أربعة مشروعات ضخمة تهدف إلى إتاحة فرص إقامة مشاريع جديدة في حقل البتروكيماويات وغيرها من المنتجات المشتقة لتطوير القاعدة الصناعية للمملكة بصورة أكبر.
ويحظى قطاع تطوير المشاريع الجديدة باهتمام كبير من شركة أرامكو. ويُناط بهذا القطاع إقامة مشاريع جديدة والاستثمار فيها من خلال دعم أصولها وإمكاناتها البارزة. كما يناط بقطاع تطوير المشاريع الجديدة تعيين، وتلقي، وتقييم، وتشكيل، وإبرام صفقات المشاريع الجديدة التي من المتوقع أن تعود بالنفع على شركة أرامكو. ومن الممكن أن ننظر لشركة سابك، التي مازالت تهيمن على أغلب أسهم القطاع العام، من منطلق كونها مستثمرا مهما من مستثمري القطاع العام في الصناعات البتروكيماوية يحقق التكامل على المستوى العالمي من خلال عمليات الشراء والدخول في العديد من المشاريع المشتركة. هذا وقد أعلنت شركة سابك والهيئة العامة للاستثمار عن تخصيص ما يربو على 25 مليار دولار لمشروعات الاستثمار الجديدة تحت مظلة العديد من الاتحادات المالية التابعة لهذه المؤسسات العامة بالتضامن مع مجموعات استثمارية أجنبية. وعلى هذا، فإن القنوات الاستثمارية العامة لكل من شركة أرامكو وشركة سابك والهيئة العامة للاستثمار من الممكن أن يكون لها أثر غير موات فيما يتعلق بالحصول على تخصيصات من المواد الخام النادرة لتطوير صناعة البتروكيماويات، ولا سيما في ظل تحول مصدر مخصصات المواد الخام من المنتجين الأساسيين من أمثال شركة أرامكو وشركة سابك، إلى وزارة البترول والثروة المعدنية.
ومع ذلك، فإن استثمارات القطاع الخاص تتفوق على استثمارات القطاع العام بنسبة 2 إلى 1. ويحدث هذا التفوق على الرغم من التقلبات العالمية المتزايدة فيما يتعلق بأسعار المواد الخام. ويشهد على التقلب المتزايد في الأسعار الانخفاض الشهري الذي راوح ما بين 52 و55 دولار للطن الواحد، والزيادة التي راوحت ما بين 78 و80 دولار للطن الواحد في العام الفائت. ويتميز مستثمرو القطاع الخاص بميزة نسبية فيما يختص بالتعامل مع خطورة تقلب الأسعار مقارنة بالمؤسسات العامة التي لا تشترك بفعالية في الأسواق.
الفرص المتاحة
إن نقطة القوة التي لا يداخلها الشك في تطوير قطاع البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية هي الاحتياطيات الضخمة من الغاز التي تبشر بمستقبل واعد بالفرص بمجرد أن تسمح تدفقات استثمارات القطاع الخاص بتطويرها وتحويلها إلى مواد خام قابلة للاستخدام لصناعة البتروكيماويات.
كما أن القوة المستمرة التي يتميز بها سوق النفط والغاز هي توافر مخصصات من موارد رأسمالية واسعة النطاق لتطوير إضافي لموارد الغاز من أجل القضاء على العجز المرتقب قصير الأجل في المواد الخام.
وفيما يتعلق بنقاط الضعف فقد أخفق الاستثمار المنقاد بالقطاع العام في التنقيب عن الغاز، والتطوير، والتخصيص في تلبية حاجات مستثمري القطاع الخاص، لكن عدد ضخم من مستثمري القطاع الخاص يدرسون حاليا فرص الاستثمار في قطاع البتروكيماويات، إلى جانب أنه من المتوقع أن تضمن الفرص الأكثر مساواة بين مستثمري القطاع العام ومستثمري القطاع الخاص في عملية التطوير حدوث تطوير متواصل في صناعة البتروكيماويات، سيما فيما يتعلق بتخصيص المواد الخام.