التمويل الثقافي جسر بين الإبداع والاقتصاد
يعد التمويل الثقافي القوة الدافعة وراء تطور ريادة الأعمال الثقافية في أي بلد، وفي عصر الاقتصاد المعرفي، تتجاوز الثقافة كونها تعبير عن الهوية والإبداع والتراث، لتصبح رأس مال غير ملموس يدفع النمو الاقتصادي، وفي ذات الوقت جسر بين الإبداع والقيمة الاقتصادية، حيث تتحول الأفكار إلى منتجات وخدمات في الناتج المحلي الإجمالي وتخلق فرص عمل نوعية على المستوى القطاعي، وتؤدي دورًا بارزًا في تحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات الأجنبية المرتبطة بالثقافة، وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.
يُعد اليوم الصندوق الثقافي في السعودية نموذجاً اقتصادياً متقدماً، حيث يحاكي التحولات القطاعية التاريخية في التمويل القطاعي مثل الزراعة والصناعة في السبعينيات والثمانينيات، ويأتي اليوم الصندوق الثقافي حاملًا هذا التحول إلى القطاع الثقافي، في رحلة تسابق الزمن لتعزيز المشهد الثقافي نحو تمكين أكبر وتأثير اقتصادي واجتماعي أعمق.
تأسس الصندوق الثقافي في 2021 تحت مظلة صندوق التنمية الوطني، ليكون الذراع التمويلي والممكّن المالي الرئيسي للقطاع الثقافي ضمن رؤية السعودية 2030 ويدعم الصندوق المنشآت الثقافية ورواد الأعمال والمبدعين في 16 قطاعاً ثقافيا، ضمن كامل أنشطة سلسلة القيمة في القطاع. ويدمج الصندوق بين التمويل، والاستثمار، والمنح، لتمكين المشاريع الثقافية ودعم نموها وتوسعها.
تدرك رؤية السعودية أن الثقافة ليست رفاهية، بل أصل اقتصادي يسهم في التقليل من الاعتماد على النفط ويعزز الهوية الوطنية، حيث يسعى الصندوق إلى تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للثقافة التي تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الثقافي إلى 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، ما يبرز التزام السعودية ببناء اقتصاد إبداعي يرسخ مكانتها مركزا ثقافيا عالميا.
منذ تأسيسه وحتى الربع الثاني من عام 2025، قدم الصندوق دعما ماليا تجاوز 461 مليون ريال، تنوعت أشكاله بين التمويل، والاستثمار، والمنح. حيث مكّن هذا الدعم 137 مشروعا ثقافيا، ومن المتوقع أن يسهم هذا الدعم في تحقيق أثر اقتصادي بإضافة أكثر من 1.4 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي، واستحداث ما يزيد على 4900 وظيفة، ما يجعل القطاع الثقافي واحدًا من القطاعات المحفزة للنمو الاقتصادي.
من جانب آخر وعلى المستوى الإستراتيجي، لا يقتصر دور الصندوق الثقافي على دعم المشاريع الثقافية فقط، بل يسعى أيضا إلى تحفيز القطاع المصرفي والقطاع الخاص للمشاركة في تنمية القطاع الثقافي، وذلك من خلال تقديم فرص استثمارية مدروسة لها عوائد مستدامة اقتصاديا وتمويلا.
يشكل الاقتصاد الثقافي أحد أهم الأصول الرأسمالية غير الملموسة للدول، مستنداً إلى عناصر غير مرئية كالإنتاج الفكري للشعوب وحواسهم البشرية وتفضيلاتهم الذوقية والحسية ذات الطابع الجمعي والتراث الوطني والمكاني، والهوية والأحلام الوطنية والتاريخ، على الرغم من طبيعته غير الملموسة.
في الختام: نجحت السعودية في بناء بنية تحتية اقتصادية تدعم القطاع الثقافي من خلال إدماج الثقافة في إستراتيجيتها الاقتصادية ويشكل الصندوق الثقافي جسراً يربط بين الإبداع الثقافي والاقتصاد، وهذا النهج يحول الإبداع الثقافي إلى قوة ترسخ مكانة السعودية كقوة ثقافية إلى جانب قوتها الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة إستراتيجيات الأعمال والشراكات الإستراتيجية.