من شرارة اللحام إلى بخار الطبخ.. رحلة تأسيس مشاريع "فود ترك" في السعودية
في كل مدينة أصبح ما يعرف بطعام الشوارع أو عربات الطعام المتنقلة المعروفة بـ"الفود ترك" أبرز الفعاليات التي يستهدفها السياح والزوار لتجربة الطعام المحلي، فهو يتميز بتنوعه وتوفره في مكان إضافة إلى كونا رخيصا.
صحيفة الاقتصادية قامت بجولة ميدانية داخل "صناعية العاصمة" غرب الرياض، رصدت خلالها كواليس صناعة عربات الطعام المتنقلة المعروفة بـ"الفود ترك"، والتي تشهد إقبالا واسعا في ظل تزايد الطلب عليها من رواد الأعمال في قطاع الأغذية والمشروبات، تحدث لنا العاملون في الورش عن المواد المستخدمة، وتكاليف التصنيع، والتطور الذي شهدته هذه الحرفة خلال السنوات الأخيرة، قبل أن نتجه إليها وقد أخذت مرابضها في شوارع الرياض وبدأت بتقديم الوجبات للعملاء.
تكلفة تصنيع تصل إلى 20 ألف ريال
كوثر، أحد العاملين في ورشة متخصصة منذ نحو 10 سنوات، أوضح أن الحديد يعد من العناصر الأساسية في بناء هيكل العربة لقوة تحمله، رغم أن استخدامه في بعض الأجزاء قد يشكل خطرا كهربائيا ما لم يتم تركيب العوازل الجيدة.
أضاف أن الأسعار تبدأ من 12 ألف ريال وتصل إلى 20 ألف ريال، وتختلف بحسب المواد المستخدمة كالألمنيوم والستانلس ستيل، وكذلك بحسب المقاسات والمواصفات التي يطلبها العميل.
وأشار كوثر إلى أنه يحرص على استخدام أجود أنواع السيليكون لعزل الزوايا والفواصل بهدف مقاومة الرطوبة والحرارة، مؤكدا أن هذه التفاصيل الدقيقة تُعد أساس جودة المنتج النهائي.
تاريخيا، تعود جذور الفود ترك إلى عام 1866 حين أنشأ "تشارلز جودنايت" أول عربة متنقلة لتخزين وتقديم الطعام لرعاة البقر في الولايات المتحدة، فيما عرفت حينها بـ "chuckwagon"، وتطورت الفكرة في السبعينيات والثمانينيات حيث بدأت عربات بيع الأطعمة الجاهزة بالانتشار في المدن الكبرى، وصولا إلى ما تشهده اليوم من رواج واسع وتنوع في التصاميم والخدمات، وباتت جزءا من صناعة الغذاء في السعودية.
من جانبه، أحمد روبيل، وهو أحد صناع الفود ترك الذي يعمل في المهنة منذ أكثر من 8 سنوات، أوضح أنه يستلهم تصاميم العربات من مواقع الإنترنت ومن تجاربه السابقة، مشيرا إلى أنه يتعاون مع خطاطين لرسم التصاميم التي يطلبها العملاء بدقة، وأضاف: "نحرص على أن يتوافق تصميم العربة مع نوع النشاط، سواء لتقديم الوجبات، أو المشروبات، أو الآيس كريم".
أسبوعان من التصنيع
وأشار روبيل إلى أن عملية التصنيع تستغرق من أسبوع إلى أسبوعين، لعربات يراوح طولها بين 4 و6 أمتار، ويتم خلالها استخدام "سست" أمريكية عالية الجودة لتحمل الأوزان الثقيلة، مع توفير ضمانات لا تقل عن سنتين على جودة العمل والعوازل.
وأكد أن الطلب في تزايد مستمر، موضحا أنه يتمكن من صناعة ما بين 6 إلى 7 عربات شهريا، بفضل دعمه للعمالة الماهرة من الورش المجاورة عبر منحهم نسبة من قيمة العمل، ما يسهم في تسريع الإنجاز ليصل أحيانا إلى 3 أو 4 أيام فقط للعربة الواحدة.
يُذكر أن صناعة عربات الفود ترك باتت جزءا مهما من منظومة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتفتح آفاقا كبيرة للشباب في مجالات متنوعة، بما يتطلب معه تطوير التشريعات ودعم الصناع المحليين لضمان الجودة والسلامة.
11 % ارتفاع في نشاط "الفود ترك"
وسجلت الأنشطة التجارية للمطاعم وخدمات الطعام المتنقلة "فود ترك" في السعودية، ارتفاعا 11% خلال العام الماضي، لتتجاوز 137 ألفا، فيما ارتفعت سجلات المقاهي والكافيهات 21.4% إلى 64 ألفا، وفقا لبيانات حصلت "الاقتصادية" عليها من وزارة التجارة.
نايف العبيد، مالك عربة الطعام الشهيرة "برجر نايف" في الرياض، تحدث عن تجربته التي بدأت قبل 3 سنوات، مؤكدا أن امتلاك العربة هو الخيار الأفضل مقارنة باستئجارها.
وأوضح: "حتى إن لم ينجح المشروع، تظل لديك حرية تغيير النشاط، وهو ما حدث معي فعليا؛ فقد بدأت بتقديم القهوة والمشروبات، ثم تحولت لاحقا إلى الوجبات، وكانت هذه نقطة التحول الحقيقية".
وأشار العبيد إلى أن تكلفة تصنيع الفود ترك تختلف حسب النشاط، فالمشروبات أقل تكلفة من المأكولات نظرا لعدم الحاجة إلى الأفران ومتطلبات الطبخ المعقدة، وذكر أن مشروعه كلفه نحو 25 ألف ريال، وتمكنت من تعويضها خلال عام واحد فقط من العمل.
200 ريال إيجار يومي
أما عن رسوم المواقع، فقال إن هناك تطبيقا خاصا يُدعى "تركات" تابع لشركة الحكير، يتيح حجز مواقع مخصصة برسوم يومية أو أسبوعية متوسطها بين 100 و 200 ريال يوميا.
وتتفاوت الأسعار بحسب الموقع، وفترات الذروة، وطبيعة الأنشطة المصاحبة، وهي مقسمة إلى فئات مختلفة، إذ تبدأ أسعار المواقع في الحدائق والمنتزهات من 600 ريال أسبوعيا وتصل إلى 4000 ريال شهريا.
يمكن حجز مواقع العربات المتنقلة عبر منصة "بلدي" التابعة لخصومات دائمة بنسبة 20٪ لذوي الهمم، وفقا ما ورد في موقع المنصة.
وعن المشاركة في المهرجانات، عبّر العبيد عن تحفظه قائلا: "غالبا ما ترتبط بنجاح أو فشل المهرجان، وهي مكلفة على أصحاب العربات، لكن قد تكون مفيدة لتبادل الخبرات بسبب تعدد المشاركين".
من جانبه، تحدث سعد الحميد، مالك فود ترك مختص في بيع البطاطس والبليلة، عن بداياته التي وصفها بالبسيطة من حيث التكلفة، قائلا: "بدأت مشروعي بمبلغ لا يتجاوز 12 ألف ريال". وأكد أن الأهم في هذا المجال ليس رأس المال بل الاستمرارية، والتميّز في الطعم، وبناء اسم تجاري قوي.
وعن الجوانب الفنية في تصميم العربة، نصح الحميد بتجنّب استخدام الزجاج قدر الإمكان، لضعف تحمّله وسهولة تعرّضه للسرقة. كما شدد على ضرورة استخدام عوازل جيدة وتقليل الاعتماد على الحديد لتفادي مخاطر التماس الكهربائي.
وفي إطار تقليل التكاليف التشغيلية، أوضح الحميد أنه قام بتركيب نظام طاقة شمسية بتكلفة 2000 ريال، ما أسهم بشكل كبير في خفض استهلاك الوقود، خاصة أن العمل غالبا ما يكون في فترات المساء خلال الصيف.