أغنى رجل في آسيا يسهم في "إعادة العظمة" إلى أمريكا

أمباني يحول دفة إمبراطورية البتروكيماويات نحو الولايات المتحدة ويغتنم الفرصة لاستبدال المشترين الصينيين


التالي:شركاء واشنطن يسرعون الخطى لإتمام اتفاقيات تجارية قبل فرض رسوم ترمب


صنع الرئيس دونالد ترمب بحربه التجارية كثيراً من الأعداء، من أوتاوا إلى بكين. لكنه أكسب أمريكا بعض الحلفاء أيضاً، فيستعد أغنى شخص في آسيا لاستقبال شحنة أمريكية كانت متجهة أصلاً إلى الصين، لكن غُيرت وجهتها إلى الهند. أما حمولة السفينة التي ينتظرها موكيش أمباني فهي الإيثان.

يُنقل الإيثان، المُكون عديم اللون والرائحة في الغاز الطبيعي، في صورته السائلة على متن ناقلات خاصة، مثل "إس تي إل تشيانجيانغ"، التي تبحر حالياً من ساحل خليج المكسيك- الذي أطلق عليه ترمب "خليج أمريكا"- متجهة إلى المحطة التي يملكها الملياردير أمباني في داهج، غوجارات، على الساحل الغربي للهند. هناك، تملك شركته الرئيسية "ريلاينس إندستريز" وحدة تكسير الإيثان لإنتاج الإيثيلين، وهو مكون أساسي في صنع منتجات البلاستيك.

اكتمل بناء الوحدة في 2017، وجعلت "ريلاينس" "أول شركة على مستوى العالم تتبنى فكرة الاعتماد على واردات الإيثان الضخمة من أميركا الشمالية كلقيم"، بحسب ما تباهت به الشركة في بيان صحفي صدر حينها. وبعد ثماني سنوات، قد يُفيد بُعد النظر هذا المفاوضين التجاريين في نيودلهي. وربما يقولون لنظرائهم في واشنطن: "كفاكم هوساً بعجز ميزانكم التجاري البالغ 43 مليار دولار معنا. سنشتري منكم الغاز"، بينما يحاول الطرفان إبرام اتفاق قبل حلول الموعد النهائي لفرض رسوم جمركية متبادلة بنسبة 26% في التاسع من يوليو.


تحول من النافثا إلى الإيثان


راهن قطب البتروكيماويات البالغ 68 عاماً، على واردات الإيثان من أميركا الشمالية قبل أكثر من عقد. أما والده ديروبهاي أمباني، مؤسس إمبراطورية الأعمال، فكان "أمير البوليستر" الحقيقي. ورغم استثمار ولده- موكيش- في مجالات جديدة وتحقيقه 57 مليار دولار من بيع التجزئة والخدمات الرقمية، لا تزال الإيرادات السنوية من النشاط القديم لتحويل النفط إلى كيماويات هي الأكبر، إذ تبلغ 74 مليار دولار. 

من الناحية التاريخية، اعتمدت "ريلاينس" وشركات التكرير الأخرى على تكسير النافثا- المستخرجة من تقطير النفط الخام- لإنتاج الإيثيلين. غير أن كفاءة التحويل منخفضة، إذ تصل إلى نحو 30%، مقارنةً بنسبة 80% عند استخدام الإيثان. لكن بما أن استيراد النفط الخام كان ضرورياً بأي حال لإنتاج وقود السيارات، كان استخدامه لإنتاج البوليستر والبوليمرات الأخرى منطقياً أيضاً.

لم يلق الإيثان رواجاً كبيراً حتى الآن، رغم أن سعره نصف تكلفة النافثا من حيث تكافؤ الطاقة. في الواقع، لم تكلف قطر نفسها أصلاً عناء فصله عن الغاز الطبيعي الذي تورده إلى الهند. لكن ذلك يتغير حالياً، فبمقتضى اتفاق جديد مع شركة "أويل آند ناتشورال غاز" (Oil & Natural Gas) الهندية، لن تورّد "قطر للطاقة" سوى الغاز "المعالج"، وإذا أراد المشترون الإيثان، سيتعين عليهم دفع ثمنه.


تزايد الاعتماد على الإيثان


أبرمت "أويل آند ناتشورال غاز" في الآونة الأخيرة اتفاقاً مع "ميتسوي أو إس كيه لاينز"، التي ستبني ناقلتين عملاقتين، وتملكهما، وتشغّلهما لاستيراد الإيثان لصالح الشركة الحكومية. وهنا أيضاً كان أمباني من وضع النموذج الذي يُقتدى به، إذ تشارك "ريلاينس" في ملكية أسطول من ست سفن، وتسعى الآن إلى مد خط أنابيب بطول 100 كيلومتر (62 ميلاً) لنقل الإيثان من المحطة إلى أخرى مخصصة لوحدات المعالجة التابعة في غوجارات. ويجري إنشاء قدرات إنتاجية جديدة لتكسير الإيثان أيضاً، بما فيها مشروع لـ"غايل إنديا" (GAIL India)، وهي شركة حكومية مثل "أويل آند ناتشورال غاز".

لم يتضح إذا كان هذا الارتباط مع اللقيم المستورد من أميركا الشمالية سيتزايد بلا حدود. فما مدى قدرة "ريلاينس" والشركات الأخرى على التعامل مع كميات أكبر بكثير من الإيثان؟ إذ إنها تخدم اقتصاداً قائماً على النفط في النهاية. لكن إذا تزايد الاعتماد، فقد يؤدي ذلك إلى تحول كبير في اقتصاديات الوقود في الهند.

فمن جهة، قد تصبح شركات التكرير الحكومية الهندية وجهةً غير مربحة لتصريف الخام القادم من الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، أي استخدام متبقٍ للنافثا التي تنتجها بكميات كبيرة، إلى جانب وقود وسائل النقل لن يعوّّض خسارة دورها الرئيسي في إنتاج كل شيء، بدءاً من البوليستر والمنظفات ووصولاً إلى الأسمدة، ومستحضرات التجميل، والأدوية.

النفط يلفظ أنفاسه الأخيرة في الهند


يدخل النفط الشوط الأخير في الهند، فُثلث المركبات التي باعتها أكبر شركة سيارات في البلاد العام الماضي يعمل بالغاز المضغوط. وبهدف السيطرة على التلوث، وتقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، فرضت نيودلهي مزج البنزين بنسبة 20% من الإيثانول الحيوي. كما سيؤدي التبني الواسع للسيارات الكهربائية إلى تراجع الطلب على البنزين بشكل أكبر.

مع ذلك، تنشئ شركة تسيطر عليها الحكومة مصفاة نفط بقدرة إنتاجية 9 ملايين طن سنوياً في ولاية أندرا براديش جنوب البلاد. وأظن السبب في المضي قدماً في تنفيذ المشروع أن الدولة تقدم دعماً سخياً، في إطار حرصها على جذب الاستثمارات وخلق الوظائف. بخلاف ذلك، فإن مبرر الاستثمار ضعيف.

في الوقت نفسه، يخطط أمباني لضم ثلاث ناقلات إيثان أخرى إلى أسطوله. وبعد خلاف ترمب مع إيلون ماسك، ربما يجد البيت الأبيض مكاناً لضيف جديد تتجاوز ثروته عتبة المئة مليار دولار، فقد يستفيد الطرفان من صداقة وطيدة. وبينما تشهد الحرب التجارية مع الصين توقفاً مؤقتاً، لا يزال مصير صادرات الإيثان الأميركية غير محسوم.


توطد العلاقات بين أمباني وترمب


رغم أن الهند لا يمكنها مضاهاة إقبال الصين الضخم على تكسير الإيثان، فالمؤكد أنها قادرة على امتصاص جزء من فائض المعروض. سيتسنى لترمب أن يتباهى بكيفية إعادة سياساته التجارية العظمى إلى أمريكا، وقد يتلقى أولاده بعض النصائح عن طريقة إدارة شركة الاتصالات الناشئة التي أسسوها. بينما سيتصدى أمباني للضغط على هوامش الأرباح بالتحول إلى لقيم أقل تكلفة.

يدير قطب الأعمال أكبر شبكتي اتصالات وتجزئة في الهند، لكن عائلته لم تبدأ الصعود في قائمة المشاهير العالميين إلا خلال الفترة الماضية. جاءت البداية مع حفل الزفاف المبهرج لأصغر أولاده الثلاثة، الوريث المتوقع لوحدة "ريلاينس" للطاقة، العام الماضي، إذ استمر خمسة شهور وبتكلفة بلغت 600 مليون دولار. وكانت إيفانكا ترمب وجاريد كوشنر ضمن الحاضرين. ثم التقى ترمب بأمباني وزوجته نيتا في حفل ما قبل التنصيب. وفي الخريف المقبل، ستُنظم نيتا أمباني فعالية "لمحة من الهند" (Slice of India) خلال نهاية أسبوع في مركز لينكولن في نيويورك.

التميز بأنك مشترٍ كبير للإيثان الأميركي قد لا يجذب اهتمام مجلة "فانيتي فير"، لكنه أمر سيلاحظه البيت الأبيض بالتأكيد.


خاص بـ "- بلومبرغ"


كاتب في بلومبرغ ويغطي الشركات الصناعية والخدمات المالية. وكاتب في رويترز بريكنج فيوز. وعمل Straits Times وET NOW وBloomberg News.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي