تحول جذري في معنويات السوق يثير قلق المستثمرين

تحول جذري في معنويات السوق يثير قلق المستثمرين

يحذر بعض المستثمرين والاقتصاديين من أن سوق السندات غير المرغوب فيها أصبحت "متهاونة" بشأن المخاطر التي تواجه الشركات الأمريكية بعد الانخفاض الحاد في تكاليف تمويل الديون، حيث لا تزال أسعار الفائدة مرتفعة والركود الاقتصادي المحتمل يشكلان تهديدا للمقترضين ذوي الدرجة المنخفضة والمثقلين بالديون.
أدى الارتفاع المحموم في الأسواق المالية على أمل إجراء تخفيضات سريعة لأسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام إلى انخفاض تكاليف اقتراض الشركات في الأشهر الأخيرة. وحتى بعد التحول الجزئي في الأيام القليلة الأولى من يناير، لا يزال متوسط العائد على مؤشر السندات الأمريكية غير المرغوب فيها يحوم عند نحو 8 في المائة، وفقا لبيانات مؤشرات آي سي إي بنك أوف أميركا، مقارنة بـ9.4 في المائة في أوائل نوفمبر. كما أن العوائد تتحرك عكسيا مع الأسعار.
أثار هذا التحول الجذري في المعنويات مخاوف بين بعض الاستراتيجيين والمستثمرين من أن أسعار السوق قد وصلت إلى مرحلة مفرطة في التفاؤل. ولا يزال يتعين على الشركات أن تتعامل مع تكاليف تمويل أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عامين فقط، والاحتمال القائم لحدوث ركود اقتصادي يضر بالمبيعات والأرباح، وارتفاع تكاليف الأجور.
قال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة أبولو الاستثمارية: "السوق تتداول كما لو أن أسعار الفائدة الصفرية قد عادت، لكنها لم تعد".
كما انخفض ما يسمى بالفارق أو العلاوة على سندات الخزانة التي يدفعها المقترضون لإصدار ديون جديدة منذ الأول من نوفمبر، من 4.47 إلى 3.59 نقطة مئوية. وهذا أقل بكثير من متوسط الأرقام البالغة 4.55 و8.39 نقطة مئوية على التوالي للأشهر التاريخية التي لم تشهد ركودا وأشهر الركود التي تعود إلى 1996، وفقا لتحليل أجراه مارتي فريدسون، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة ليمان وليفيان وفريدسون أدفايزرز.
قال كيفن لوم، مدير محفظة ذات عائد مرتفع في شركة تي رو برايس: "أعتقد أن السوق متهاونة بعض الشيء". كما أضاف أن الارتفاع كان مدفوعا بعديد من مستثمري الدخل الثابت الذين وجدوا ببساطة أن عوائد بنسبة 8 في المائة على السندات دون الدرجة الاستثمارية - وحتى عوائد أعلى على القروض "جذابة حقا".
يعكس الانخفاض في تكاليف التمويل اقتناعا متزايدا بين المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي قد أكمل دورة تشديد السياسة النقدية، بعد رفع أسعار الفائدة من الصفر تقريبا في أوائل 2022 إلى نطاق يراوح بين 5.25 و5.5 في المائة في محاولة للحد من التضخم.
تزايدت قناعات المستثمرين في منتصف ديسمبر عندما أعطى صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي أقوى إشارة لهم حتى الآن بأن رفع أسعار الفائدة قد انتهى وأشاروا إلى تخفيضات بمقدار ثلاثة أرباع النقطة في 2024. وردا على ذلك، ضخ المستثمرون الأموال في سندات الحكومة الأمريكية وفئات الأصول الأكثر خطورة.
قال لومي: "كان الربع الرابع (من 2023) بمنزلة صدمة للجميع بشأن مدى القوة التي ارتفعت بها السوق".
أظهر استطلاع أجرته الرابطة الدولية لمديرين محافظ الائتمان، التي تضم في عضويتها البنوك الكبرى ودور المال، أن عديدا من المشاركين "يعتقدون أن النشوة التي شوهدت في الأسواق المالية العالمية في الشهرين الأخيرين من 2023 كانت مبالغا فيها".
أضاف الاستطلاع أن المشاركين فيه يعتقدون أنه "على الرغم من أن ظروف الائتمان تبدو أفضل حالا اليوم، إلا أن مكافحة التضخم ربما تستغرق وقتا أطول من المتوقع".
تأتي هذه المخاوف بين المشاركين في سوق الائتمان في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات جديدة هذا الأسبوع أن حالات إفلاس الشركات الأمريكية وصلت إلى ذروتها في 13 عاما في 2023، وفقا لتقرير إس آند بي جلوبال ماركت إنيليجانس، مع 642 طلبا لإشهار الإفلاس في المجموع منها 50 في ديسمبر وحده.
شملت أكبر حالات الإفلاس في العام الماضي شركة رايت أيد للتجزئة، ومجموعة الإسعاف بالطائرات المروحية آير ميثودز، وشركة وي ورك للعمل المشترك.
وكتب محللو إس آند بي: "على الرغم من أن المستثمرين يتوقعون أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في مارس، إلا أنه لا يزال يتعين على الشركات التعامل مع أسعار الفائدة المرتفعة نسبيا والنمو القوي للأجور في المدى المنظور".
قال سلوك من شركة أبولو: "إن الارتفاع في حالات الإفلاس ومعدلات التخلف عن السداد في العام الماضي هو تذكير مهم للغاية بأن تكلفة رأس المال مهمة". وأضاف أنه "لا يزال هناك كثير من الشركات التي نشأت خلال فترة "الأموال المجانية"، التي ستظل عرضة لبقاء تكلفة رأس المال مرتفعة".
كما أكد المستثمرون والمحللون على التناقض الواضح بين توقعات سوق العقود الآجلة لما يقرب من ستة تخفيضات في أسعار الفائدة الأمريكية هذا العام وتفاؤل سوق سندات الشركات بشأن التوقعات حول المقترضين ذوي المخاطر العالية (الشركات التي تصدر سندات خطرة كمصدر للتمويل).
وفي حين تشير توقعات الاحتياطي الفيدرالي إلى ثلاثة تخفيضات للاعتقاد بأنه قادر على تحقيق "هبوط سلس" ـ عبر كبح التضخم دون التسبب بحدوث ركود ـ فإن الحاجة إلى مزيد من التخفيضات تعكس عادة تدهورا أكبر في الظروف الاقتصادية.
بدوره، فإن هذا السيناريو من شأنه أن يسبب مزيدا من الألم للشركات الأمريكية ذات التصنيف المنخفض والتي تعاني أصلا ضعف التدفقات النقدية.
كما قال سلوك: "أعتقد أن الأسواق متهاونة، لأن الاحتمالين الآخرين - إما الهبوط الحاد وإما عدم الهبوط (عدم وجود ركود في الاقتصاد) - لا يزالان مرجحين.
أضاف: "لن يخفض (البنك المركزي) ست مرات ما لم يتباطأ الاقتصاد بشكل حاد. وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيخفض ست مرات... فكيف ستبدو الأساسيات؟ كيف ستبدو الأرباح؟".