عواقب التوازن المفقود في اقتصادنا
لست بصدد الخوض في تعريفات التكامل والتوازن الاقتصادي, ولست بصدد شرح علمي لدور السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في منظومة الاستقرار الاقتصادي, ومع أن الاستقرار الاقتصادي يُعد هدفا لسياسات التنمية في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء، فإن التكامل بين السياسات الثلاثة من اقتصادية, مالية ونقدية يُعد أمراً مهما جداً. غير أن سياساتنا المالية والنقدية جيدة جداً، في حين لا تزال سياساتنا الاقتصادية تحتاج إلى تحقيق توازن يضمن تكاملها مع السياسات المالية والنقدية لكي يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكامل للدولة. الاستقرار الاقتصادي كجزء من السياسات الثلاثة يعني تحقيق العمالة الكاملة من غير تضخم, أي التوصل إلى استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة للمملكة وخاصة أقصى مستويات التشغيل للقوة العاملة في المجتمع، وهذا مرتبط بشكل مباشر بالتوازن الاقتصادي في المجتمع. من هنا نجد أن اقتصادنا يفتقد إلى تحقيق توازن اقتصادي في جوانب مهمة لها عواقب اجتماعية وأمنية كبيرة إذا تم تركها دون حل حاسم ومباشر.
من هذه التحديات أمام تحقيق توازن كامل في اقتصادنا تكمن معضلة البطالة المتزايدة العاكسة لعدم قدرتنا على تشغيل القوة العاملة المحلية واستغلالها كمورد اقتصادي مهم وفي الوقت نفسه عدم قدرتنا على الحد من العمالة الأجنبية التي بلغت حوالي الثمانية مليون والتي لها دور مهم تلعبه في التنمية, غير أن المقلق للكثير من المحللين في هذا الأمر هو عدم مقدرتنا على تحقيق توازن بين الاستفادة من هذه العمالة الوافدة التي أغرقت السوق وبين تقليص البطالة المحلية. وفي ظل غياب إرادة سياسية مباشرة وقوية لحل هذه المعضلة فإن الخطر يكمن في استمرار ارتفاع العمالة الأجنبية الرخيصة جداً واستمرار البطالة المحلية في الارتفاع مما سوف ينتج عنه نشؤ جماعات معادية للجاليات الأجنبية في المملكة ناهيك عن الخسارة الاقتصادية التي تسحبها هذه العمالة من اقتصادنا.
من هنا فإن الحل الذي أصبح أكثر إلحاحاً هو قيام وزارة العمل بفرض نظام الحد الأدنى للأجور الذي لا يميز بين السعودي والأجنبي والتي سوف تجبر رجال وسيدات الأعمال على توظيف السعوديين في المجالات التي يرغب السعوديون القيام بها. من خلال هذا النظام سوف يمكننا تحقيق توازن أكبر للاقتصاد في المجتمع, ففي كثير من الدول المتقدمة التي أوجدت هذا النظام قدرت على توفير احتياجاتها من ذوي المهارات والشهادات العالية الأجنبية دون إغراق أسواق العمل بعمالة لا تفيد الاقتصاد. لو لم يكن هذا النظام موجود في كثير من دول غرب أوروبا لطغت عليها عمالة رخيصة من شرقها, ولكان لرجال الأعمال فيها فرصة توظيف الرخيص الأجنبي. كذلك لو لم يكن هذا النظام مطبقاً في أمريكا لكان للعامل المكسيكي الرخيص أفضلية من الأمريكي الغالي!!
لماذا لا نطبق هذا النظام وهو الكفيل بحل أزمة أصبحت تتخطى، كونها مسألة اقتصادية، إلى أبعاد اجتماعية وأمنية تزداد خطراُ مع الوقت؟ إن طبق هذا النظام فإنه سوف يسهم بشكل مباشر في تحقيق توازن اقتصادي في المجتمع سوف يعود على استقرار الاقتصاد والبلد بالنفع الكبير كذلك سوف يمكننا من أن نكون أكثر عدلاً مع العمالة الأجنبية التي نحتاج لها حقاُ, فهناك من لهم مهارات خاصة وخبرة كبيرة نحتاجها اليوم والغد, فنحن لا نقدر على تمييزهم بسهولة ولا نعطيهم حقوقا أكبر يستحقونها فالبعض منهم وخاص من إخواننا العرب الذين لهم عقود عديدة مساهمين في التنمية السعودية دون تمييزهم بأي حق إقامة مقارنة بعمالة أمية لا تملك من المهارات شيئا وفدت من أشهر قليلة!! مع أن مسألة العمالة الأجنبية شائكة ومعقدة إلا أن نظام الحد الأدنى للأجور سوف يسهم في تحقيق توازن أكبر في الاقتصاد.
من التحديات الأخرى تكمن مسألة تعادل معدل النمو الاقتصادي مع معدل النمو السكاني, ففي ظل تذبذب معدل النمو الاقتصادي بين مستويات عالية ومتدنية على مدى العقدين الماضيين في حين أن النمو السكاني ينمو بارتفاع مطرد، فإن هذا سوف يكون له عواقب كبيرة على الأجيال القادمة وعلى مستوى الخدمات المقدمة في المستقبل في التعليم, الصحة, إلخ. الانفجار السكاني الذي نراه في ازدياد كبير يجب أن يحد منه لكي نستطيع توفير حياة كريمة للأجيال القادمة!
مع أن اقتصادنا قوي وخاصة في النواحي المالية والنقدية إلا أن توازن الاقتصاد في المجتمع يحتاج إلى حلول سريعة وكبيرة لكي نحافظ على التنمية الاجتماعية والأمنية بشكل يعزز الاقتصاد ويضمن تشغيل أكبر قدر ممكن من القوة العاملة المحلية.