المرض والعمل .. كارثة تحتاج إلى التدخل

المرض والعمل .. كارثة تحتاج إلى التدخل

هل يكره البريطانيون العمل؟ إن المملكة المتحدة الآن هي الدولة المتقدمة الوحيدة التي استمر فيها عدد أكبر من الأشخاص في الانسحاب من القوى العاملة منذ الجائحة. حث وزير العمل والمعاشات التقاعدية الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما على ركوب دراجاتهم – حرفيا – لتوصيل الوجبات السريعة. لكن هل يمكنهم ذلك؟ في الشهر الماضي، وصل عدد الأشخاص الذين يذكرون الأمراض طويلة الأمد كسبب رئيس لوصول البطالة إلى مستوى قياسي.
قبل أن يضرب كوفيد، كان سكان المملكة المتحدة في سن العمل يعانون بالفعل مزيدا من الأمراض والعجز مقارنة ببقية أوروبا. لكن المعاناة ارتفعت منذ ذلك الحين إلى أبعد من ذلك: هناك الآن 2.6 مليون شخص عاطلين عن العمل نتيجة للأمراض طويلة الأمد. قد يكون هذا نتيجة لتأخر خدمة الصحة الوطنية. ولن يكون من المستغرب أن نرى عددا أقل من الأشخاص الذين يبحثون عن عمل إذا كانوا ينتظرون العلاج في المستشفى، أو يعتنون بشخص ينتظر - خاصة إذا كانوا من كبار السن.
لكن أولئك الذين ركزوا على "الاستقالة الكبرى" لمن تجاوزوا الخمسينيات من عمرهم فاتتهم ظاهرة أخرى. حيث إن أكبر قفزة نسبية في النشاط الاقتصادي بسبب الأمراض طويلة الأمد تحدث لدى الشباب، وليس كبار السن. فقد زادت الأعداد 29 في المائة بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 16 إلى 24 عاما، و42 في المائة بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 25 و35 عاما بين 2019 و2022.
ويخلص تحليل جديد أجراه معهد الدراسات المالية إلى أن الإعاقات أصبحت الآن مرتبطة بالتعليم أكثر من ارتباطها بالعمر. ووفقا لمدير معهد الدراسات المالية بول جونسون، فإن الشخص البالغ من العمر 30 عاما دون أي مؤهلات من المرجح أن يبلغ عن إعاقة أكثر من خريج جامعي في الخمسينيات من عمره.
يرتبط هذا التطور المثير للقلق إلى حد كبير بالتدهور الواضح في الصحة النفسية. فقد أصبح الاكتئاب أو الضغط النفسي أو القلق من أكثر الحالات الصحية انتشارا بين الأشخاص غير الناشطين اقتصاديا بسبب الأمراض طويلة الأمد، خاصة الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما.
هل الناس مريضون جدا لدرجة أنهم لا يستطيعون العمل، أم أنهم سئموا العمل فقط؟ يقول مكتب مسؤولية الميزانية في تقريره الأخير عن المخاطر المالية: "من الجدير النظر فيما إذا كان نظام الرعاية الاجتماعية نفسه ربما أسهم في ارتفاع مقاييس الجمود الاقتصادي المرتبط بالصحة".
ويشير إلى أن إعانات العجز أكثر سخاء من إعانات البطالة، مع متطلبات أقل للعثور على عمل، وأن عملية الحصول على "تقارير طبية" من الأطباء للحصول على الأجر المرضي القانوني قد تم استبدالها بشهادة ذاتية أثناء الجائحة.
من وجهة نظري، أستطيع أن أرى أن السماح لهم بالشهادة الذاتية قد يكون مغريا. وأعلم أيضا أنه حتى لو لم تكن مكتئبا في البداية، فإن كونك خاملا وعاطلا عن العمل يمكن أن يجعلك كذلك (والدتي، المصابة بثنائي القطب، ناضلت من أجل الحفاظ على وظيفتها للحفاظ على سلامتها العقلية). لكنني لا أعتقد أن معظم الناس يزيفون ذلك. فمن الصعب تسجيل النقاط المطلوبة للتأهل لدفعة الاستقلال الشخصي. وتزامن الانكماش الصحي أيضا مع انخفاض الدخل الحقيقي، الأمر الذي فرض ضغوطا لا تطاق على بعض ذوي الموارد القليلة.
مع ذلك، سيكون من الحكمة التأكد من أن نظام الرعاية الاجتماعية لا يشجع الناس عن غير قصد على الإعلان عن إصابتهم بمرض مزمن. فمن المؤسف أن عديدا من الإعاقات الجسدية تستمر مدى الحياة. لكن بعض حالات الصحة العقلية —كالقلق والاكتئاب — تأتي على شكل موجات. يمكن للناس أن يتعافوا، خاصة إذا حصلوا على المساعدة.
لا ينبغي لنا أن نحكم على الناس.
رغم ذلك، إلا أن هذه هي القصة الأكبر في جميع أنحاء العالم الصناعي. فحتى الآن، لا تتمتع المملكة المتحدة بمعدلات مشاركة في قوة العمل أقل بشكل ملحوظ من بقية دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: فهي لا تزال متقدمة على فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة. لكن الفجوة التي يشير إليها معهد الدراسات المالية بين مستويات التعليم والصحة، تنعكس بشكل صارخ على الفجوات في متوسط العمر المتوقع بين الأغنياء والفقراء، خاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي البلدان المتحضرة، يؤدي المزيج السام من الفقر والسمنة وضعف التعليم إلى زيادة الأمراض العقلية.
إن المأساة هي أن المملكة المتحدة حققت تقدما حقيقيا في العقد الذي سبق الجائحة. فقد انخفض معدل الخمول في سن العمل من 9.5 مليون إلى 8.4 مليون شخص بين 2010 و2020، ما يجعل بريطانيا واحدة من أفضل البلدان أداء في مجموعة السبع. لقد كان هذا جزئيا نتيجة لإصلاحات الرعاية الاجتماعية ليأتي العمل بنتيجة.
ما الذي يمكن أن يتم فعله؟ هناك شيء واحد واضح. إن ترك الأشخاص ينتظرون أسابيع أو أشهرا للتحدث إلى المعالج ليس مفيدا للصحة النفسية. فقد تبين أن خدمات التوظيف والدعم الفردية، التي تساعد الأشخاص المصابين بأمراض نفسية حادة على وظائف في مختلف البلدان الأوروبية، تكون أكثر فاعلية عندما تقوم بتعيين شخص ما بسرعة في دور ما، وتوفر الدعم المكثف. وينطبق المبدأ نفسه على برامج الصحة المهنية التي يقدمها أصحاب العمل التي أثبتت نجاحها في خفض معدلات الغياب في فنلندا وهولندا. وهذه نقطة لم تغب عن ذهن جيريمي هانت وزير الخزانة البريطانية، الذي يفكر في تقديم إعفاءات ضريبية للشركات البريطانية لكي تحذو حذوها.
إن الرجال في مرحلة الشباب بحاجة إلى الاهتمام.
في سن الـ16، فإن الفتيات هن اللواتي يسعين وراء الدعم في مجال الصحة النفسية بأعداد قياسية. لكن بين 25 و34 عاما، فإن ما يقارب ثلثي أولئك الذين لا يبحثون عن عمل هم من الذكور. ويشير التاريخ إلى أنه إذا تركوا العمل واستمروا فترة طويلة جدا، فمن غير المرجح أن يعودوا إليه مرة أخرى على الإطلاق.
مع التزاحم على خدمات الصحة النفسية التقليدية، هل يمكن للخدمات الرقمية أن تساعد؟ فازت شركة كوث ديجيتال هيلث، وهي شركة بريطانية، بعقد من ولاية كاليفورنيا لتقديم خدمات الصحة النفسية الرقمية لكل شخص يراوح عمره بين 13 و25 عاما. يقول تيم باركر رئيسها التنفيذي، إن كثيرين يحتاجون فقط إلى بضع جلسات استشارية، لكن المفتاح هو الاستجابة بسرعة.
يمكننا أيضا أن نفعل ما هو أفضل في توظيف عديد من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يريدون الحصول على وظيفة. إذ تم اتهام برامج مثل البرنامج الحكومي، الوصول إلى العمل، بأنها بيروقراطية للغاية بالنسبة إلى أصحاب العمل. وينبغي لوزارة الخزانة أن تستغل كل الوسائل والسياسات الممكنة لمعالجة الوضع، وإلا فإن الأمراض طويلة الأمد من شأنها أن تؤدي إلى تقويض الاقتصاد وفرص حياة الناس بشكل قاتل.

سمات

الأكثر قراءة