FINANCIAL TIMES

التنظيم أمام رباعية الذكاء الاصطناعي

التنظيم أمام رباعية الذكاء الاصطناعي

على مائدة محار مطهو على البخار في هيروشيما نهاية الأسبوع ما قبل الماضي، تناول قادة دول مجموعة السبع مخاوف عالمية كثيرة، الحرب في أوكرانيا، المرونة الاقتصادية، الطاقة النظيفة، الأمن الغذائي، وغيرها. لكنهم أضافوا أيضا موضوعا إضافيا على ما مجمعوه من نيات حسنة عند انصرافهم، تعزيز الذكاء الاصطناعي الشامل والجدير بالثقة.
مع إقرار القادة بإمكانات الذكاء الاصطناعي الابتكارية، فإنهم قلقون من الضرر الذي قد تسببه للأمن العام وحقوق الإنسان. لإطلاق "عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي"، كلفت مجموعة السبع مجموعة عمل لتحليل تأثير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل "تشات جي بي تي"، وإدارة مناقشات القادة بحلول نهاية هذا العام.
التحديات الأولية ستتمثل في معرفة أفضل السبل لتحديد الذكاء الاصطناعي وتصنيف مخاطره وتأطير استجابة مناسبة. هل من الأفضل ترك التنظيم للوكالات الوطنية الموجودة؟ أم أن التكنولوجيا ذات أهمية ولها توابع كبيرة لدرجة أنها تتطلب مؤسسات دولية جديدة؟ هل نحتاج إلى إنشاء مثيل حديث للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أسست في 1957 لتعزيز التطوير السلمي للتكنولوجيا النووية وردع استخدامها العسكري؟
يمكن للمرء أن يناقش مدى فاعلية منظمة الأمم المتحدة في إنجاز هذه المهمة. فضلا عن تضمن التكنولوجيا النووية مواد مشعة وبنية تحتية ضخمة يسهل اكتشافها ماديا. تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من ناحية أخرى، رخيصة وخفية ومنتشرة ولها حالات استخدام لا حصر لها مقارنة بها. على أقل تقدير، تمثل تحديا رباعي الأبعاد يجب التصدي له بطرائق أكثر مرونة.
البعد الأول هو التمييز. تم تصميم أنظمة التعلم الآلي للتميز، لتحدد الشاذ في الأنماط. هذا مفيد لاكتشاف الخلايا السرطانية في فحوص الأشعة. لكنه سيئ إذا استخدمته أنظمة الصندوق الأسود المدربة على مجموعات البيانات المحرفة لتوظيف العمال وفصلهم أو منح قروض مصرفية. مدخلات متحيزة، مخرجات متحيزة، كما يقولون. إن حظر هذه الأنظمة في المجالات ذات المخاطر العالية وغير المقبولة، كما يقترح قانون الذكاء الاصطناعي الاتحاد الأوروبي المرتقب، يعد نهجا احترازيا صارما. قد يكون إيجاد مدققين مستقلين وخبيرين طريقة أكثر تكيفا.
ثانيا، التضليل. حذر الخبير الأكاديمي جاري ماركوس الكونجرس الأمريكي الأسبوع ما قبل الماضي من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يعرض الديمقراطية ذاتها للخطر. مثل هذه النماذج يمكن أن تولد أكاذيب مقنعة وأناسا مزيفين بسرعة البرق وعلى نطاق ضخم.
يجب أن يقع واجب الإثبات على شركات التكنولوجيا نفسها بوضع علامة مائية تثبت مصدر المحتوى وتقليل المعلومات المضللة، تماما مثلما منعت رسائل البريد العشوائية. إن الفشل في تنفيذ ذلك لن يؤدي إلا إلى تضخيم الدعوات المطالبة بتدخل أشد صرامة. ربما حدثت السابقة في الصين، حيث يضع مشروع قانون مسؤولية إساءة استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي على الشركة المنتجة بدلا من المستخدم.
ثالثا، الاختلال. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بدقة بالتأثير الاقتصادي الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي عموما. لكن من المؤكد جدا، كما يبدو، أن يؤدي إلى "إزالة مهنية" مجموعة من وظائف الياقات البيضاء، كما قالت رائدة الأعمال فيفيان مينج لمهرجان "إف تي ويكند" في واشنطن.
استخدم مبرمجو الحاسب على نطاق واسع الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره أداة لتعزيز الإنتاجية. وعلى النقيض، ربما يكون كتاب السيناريو المضربون في هوليوود أول من يخشى أن تصبح مهاراتهم الأساسية مؤتمتة. هذه القصة الفوضوية مستعصية على الحلول البسيطة. على الدول التكيف مع التحديات المجتمعية بطرائقها الخاصة.
رابعا، الدمار. إن دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، أو الروبوتات القاتلة، احتمال مرعب. المبدأ القائل إن البشر يجب أن يبقوا دائما في حلقة صنع القرار لا يقوم ولا ينفذ إلا من خلال المعاهدات الدولية. ينطبق الأمر نفسه على النقاش حول الذكاء الاصطناعي العام في اليوم "الخيالي المحتمل" الذي يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في كل مجال. يستبعد بعض النشطاء هذا السيناريو باعتباره خيالا يصرف الانتباه عما هو مهم. لكن الأمر يستحق قطعا الاكتراث بهؤلاء الخبراء الذين يحذرون من مخاطر وجودية محتملة ويدعون إلى التعاون البحثي الدولي.
ربما يجادل آخرون بأن محاولة تنظيم الذكاء الاصطناعي بمثل عقم الدعاء ألا تغيب الشمس. القوانين تتقدم تدريجيا فقط في حين يتقدم الذكاء الاصطناعي أضعافا مضاعفة. لكن ماركوس يقول إن إجماع الحزبين على العمل في الكونجرس الأمريكي أثلج صدره. وخوفا من أن يضع المنظمون في الاتحاد الأوروبي قواعد عالمية للذكاء الاصطناعي، كما فعلوا قبل خمسة أعوام مع حماية البيانات، تظهر شركات التكنولوجيا الأمريكية دعمها للتنظيم علنا أيضا.
على قادة مجموعة السبع تشجيع المنافسة على الأفكار المفيدة. وهم الآن بحاجة إلى إثارة سباق تنظيمي نحو القمة، بدلا من قيادة انحدار مخيف إلى القاع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES