FINANCIAL TIMES

ديمقراطية مكان العمل .. موظف عادي في مجلس الإدارة

ديمقراطية مكان العمل .. موظف عادي في مجلس الإدارة

من يدير الشركات؟ بعد محاولتهم دون جدوى إعادة الموظفين إلى مكاتبهم منذ أن خفت حدة الجائحة، يشعر كثير من المسؤولين التنفيذيين أن الإجابة هي: ليسوا هم. يتذمر الرؤساء اليوم من أنهم مضطرون للانصياع لمطالب الموظفين بتبني العمل المرن، والدفاع عن القيم الليبرالية، وتخصيص موارد للصحة العقلية والظروف الشخصية. لا يتوقع جيل الألفية وجيل زد أقل من هذا.
لكن بالنسبة إلى دانيال تشاندلر، فإن هذه القصص - التي عادة ما تأتي من أصحاب الياقات البيضاء ذوي الأجور الجيدة - مضللة. حيث تكمن القوة في معظم أماكن العمل البريطانية بالكامل تقريبا عند ذوي المقامات العالية. في ألمانيا، وفرنسا وأماكن أخرى، لدى كثير من الموظفين رأي رسمي في كيفية عمل أصحاب عملهم. لكن في المملكة المتحدة، تعد الفكرة غريبة. إذ ليس لدى العمال مقاعد في مجالس الإدارة، وليست لديهم "مجالس عمل" للتأثير في الظروف اليومية، ولا يدركون حتى إن مثل هذه الأمور ممكنة.
في كتابه الجديد، "أحرار ومتساوون" يجادل تشاندلر، طالب الدكتوراه البالغ من العمر 37 عاما في كلية لندن للاقتصاد، بأن مكان العمل، بالنسبة إلى الكثيرين، "مساحة من التبعية والعجز لا تشبه أي مجال آخر في المجتمع الديمقراطي الحديث". معظم الشركات البريطانية "ديكتاتوريات خيرة"، لكن عددا منها يتخلى عن الجزء الخيري - يخشى العمال الفصل غير المشروع والوقوع ضحية ويشعرون بقلق مزمن.
يريد تشاندلر بدء نقاش حول القوة داخل الشركات. في كتاب أحرار ومتساوون، يسعى إلى إعادة صياغة الليبرالية - التي لطخها حزبا اليسار واليمين أخيرا باعتبارها أمرا قديما وساذجا - باعتبارها عقيدة راديكالية وذات صلة. يأتي الكتاب بتأييد من الاقتصاديين توماس بيكيتي، وأمارتيا سين والسير أنجوس ديتون. ويتميز بمقترحاته للديمقراطية في مكان العمل.
"لقد أصبح نقاشنا السياسي شديد التركيز على توزيع الأموال كمفتاح للإنصاف والعدالة. "هناك" إهمال لأسئلة أخرى مثل ربط العمل بالكرامة، والمعنى، واحترام الذات (...) وبالنسبة إلى كثير من الناس، هناك غياب لفرص المعنى والوفاء التي قد تأتي من العمل. ثم هناك ظروف عمل سيئة بحق".
إن تقاسم القوة في مكان العمل لن يفيد العمال فحسب، بل الشركات والديمقراطية نفسها. "جزء من نجاح الحركات الشعبوية اليمينية هو أنها تتحدث عن رغبة في الحصول على الاحترام والكرامة". إذا كان الليبراليون قادرين على تمكين العمال ذوي المهارات المتدنية في حياتهم اليومية، فربما تمكنوا من جذبهم بعيدا عن الشعبويين.
كان تشاندلر، وهو ابن وكيل مسرحي وممثل، يدرس التاريخ في جامعة كامبريدج عندما قرأ لأول مرة كتاب الفيلسوف السياسي جون راولز الكلاسيكي "نظرية العدالة" في 1971. يفترض راولز أنه إذا لم يعرف الناس مكانهم في المجتمع، فسيوافقون على مبدأين. أولا، ينبغي احترام الحريات الفردية. ثانيا، ينبغي إدارة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بطريقة تحقق أقصى فائدة لمن هم في القاع.
اجتاح راولز الأوساط الأكاديمية، لكن ليست السياسة. كان ينظر إلى مبادئه على أنها مجردة للغاية أو باعتبارها دفاعات عن الوضع الرأسمالي الراهن. ونظرا إلى أن تشاندلر عمل في وظائف تتعلق بالسياسات، بما في ذلك في معهد الدراسات المالية في المملكة المتحدة، شعر أن كثيرا من المناقشات كانت عبثية. بدأ الدكتوراه، وراجع كتب راولز وأصبح مقتنعا بأن راديكالية الفيلسوف الأمريكي قد تم التقليل من شأنها. "يتمحور الافتراض العام في أنه كان يقدم فقط تبريرا لدولة رفاهية. لم يكن هذا ما قاله راولز حقا في أعماله اللاحقة".
في كتاب "أحرار ومتساوون"، يستخدم تشاندلر مبادئ راولزية "نسبة إلى راولز" لتحليل النقاشات السياسية الحديثة. وهذا يشمل إمالة الميزان نحو حرية التعبير "وليس قوانين خطاب الكراهية"، والحد من التبرعات المالية الضخمة للأحزاب السياسية "وملء الفجوة بتمويل الدولة"، ودعم الدخل الأساسي الشامل "رغم أن رولز نفسه كان متشككا من هذا". كما أنه يطبق مبدأ راولز الثاني - أنه ينبغي إدارة عدم المساواة في القوة لإفادة من هم في القاع - على التسلسل الهرمي في مكان العمل.
يقول تشاندلر، "يجب تبرير الطريقة التي نوزع بها القوة في الشركات. يمتلك المساهمون كل القوة. لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو". قد يكون أمرا مفهوما لو كان لتقليل قوة العمال فوائد اقتصادية حقيقية. لكن وجود عمال في مجالس الإدارة، مثلا، لا يبدو أنه أضر بأرباح الشركات الألمانية أو استمراريتها. بل زاد من إنتاجيتها واستثماراتها في الواقع. "من المرجح أن تكون التكاليف بالنسبة إلى الشركات صغيرة، ومن المرجح أن تكون إيجابية بقدر ما هي سلبية".
ما الفوائد؟ ينبغي أن يؤدي تعيين العاملين في مجالس الإدارة إلى تسهيل تدفق المعلومات داخل الشركة، وإعطاء العمال شعورا أكبر بالملكية. ويستشهد تشاندلر بدراسات تشير إلى أن نهج "الإدارة المشتركة" في ألمانيا يعني أن الشركات كانت أقل عرضة لفصل العمال خلال فترة الركود في 2008-2009، وإيجاد طرق بديلة لخفض التكاليف. على نقيض الحدس، لا تؤثر الإدارة المشتركة بشكل كبير في الأجور.
لكن تشاندلر يقول إن العمال الذين تم تمكينهم يمكنهم التفاوض على ترتيبات عمل مرنة وتغييرات في كيفية تنظيم وظائفهم. ويستشهد بمثال سوما، وهي جمعية تعاونية للأطعمة الكاملة، باعتبارها استثناء حيث يقوم الموظفون بتناوب المناصب "من قيادة الشاحنات أو الطبخ إلى الحسابات". "تحتل التعاونيات مكانة رئيسة في رغبته في زعزعة الرأسمالية، إذ يريد أن يكون للموظفين الحق في الشروع في عمليات الشراء الشامل، وربما بقروض مدعومة".
إلى أي مدى يمكن للشركات البريطانية أن تتغير؟ يتمثل اقتراح تشاندلر في أن جميع الشركات البريطانية ينبغي أن تخصص في النهاية نصف المقاعد في مجلس إدارتها لممثلي العمال. سيخضع هذا لعتبة الحجم، حتى لا يردع رواد الأعمال. كما يحق للموظفين إنشاء مجلس أعمال. "وهذا من شأنه أن يؤدي إلى علاقة أكثر تعاونا بين العمال وأصحاب العمل".
سيكون "نسخة كاملة عن النموذج الألماني". وسيتم تقديمه تدريجيا. تعمل الديمقراطية الألمانية في مكان العمل في سياق المساومة على الأجور، نظرا إلى أن المسائل المتعلقة بالأجور يتم تحديدها جزئيا على مستوى القطاع بأكمله، يمكن أن تركز المناقشات على مستوى الشركة على المسائل الأقل إثارة للجدل. يقول تشاندلر إنه ينبغي على المملكة المتحدة "على الأرجح" أن تقدم مفاوضة على مستوى القطاع قبل ديمقراطية مكان العمل. "لا أعتقد أنه سيكون من المعقول القفز من حيث نحن الآن إلى منح العمال نصف المقاعد في كل مجلس إدارة".
لقد تلاعبت المملكة المتحدة في تمكين العمال. تحدثت حكومة ديفيد كاميرون كثيرا عن الشركات المملوكة للعمال، مثل شركة جون لويس بارتنرشيب. ووعدت تيريزا ماي بوضع العمال في مجالس الإدارة، حتى أعاقها وزير الخزانة آنذاك فيليب هاموند. وفي 2018، تم تحديث قانون حوكمة الشركات بشكل متواضع ليقول إن على الشركات تعيين مدير لقسم الموظفين، أو إنشاء لجنة استشارية للقوى العاملة، أو تعيين مدير غير تنفيذي، أو توضيح سبب عدم قيامها بأي من ذلك.
لم يقم سوى عدد قليل من الشركات، مثل كابيتا، بتعيين مدير واحد للموظفين. ويقول تشاندلر، "لا أعتقد أننا ينبغي أن نترك الأمر للنيات الحسنة لأصحاب العمل المستنيرين لمنح هذا لعمالهم"، ويضيف أن ماي فشلت في "جعل هذه الأفكار مثيرة للناس".
لكن إذا كانت الديمقراطية في مكان العمل هي الحل، فلماذا يهتم عدد قليل جدا من الموظفين بالآليات الموجودة لديهم، مثل النقابات المهنية؟ يلقي تشاندلر باللوم على فكرة أن النقابات لديها القليل من القوة. يقول، "يرغب أغلبية العمال في مزيد من النفوذ في العمل".
ثمة شكوك أخرى. كيف تقوم الشركات التي لديها قوى عاملة عالمية بتطبيق تمثيل الموظفين؟ وكيف يتلاءم ذلك مع مطالب الجهات التنظيمية بأن تتمتع مجالس الإدارة في صناعات معينة بخبرة أكبر؟ وإذا كان للعمال نفوذ أكبر، فإن المساهمين سيكون لديهم مرونة أقل. تخسر بورصة لندن بالفعل لمصلحة الولايات المتحدة، ألا يؤدي تقييد قوة المساهمين إلى تفاقم المشكلة؟
شركة موندراجون الإسبانية، وهي إحدى أكبر الجمعيات التعاونية في العالم، استبعدت الموظفين الأجانب من التمثيل في مكان العمل. ولمعالجة ذلك، يفضل تشاندلر القوانين التي تحد من توظيف العمال الذين ليس لديهم حصص ملكية. ويؤيد القوانين التي تحد من إغراء تقاسم الغنائم بين العمال بشكل غير مستدام وتشجع التعاونيات على الاستثمار أكثر على المدى الطويل.
يضيف كتاب "أحرار ومتساوون" إلى موجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي يغذيها أولئك الذين يجادلون بأن المملكة المتحدة ينبغي أن تنظر إلى الديمقراطية الاجتماعية القارية. لكن فرنسا وألمانيا ليستا محصنتين ضد الشعبوية أو الاضطرابات العمالية. نموذج الإدارة الألماني المشترك، مثلا، تعرض للتدقيق بسبب فضيحة الديزل لشركة فولكس فاجن. بعد الالحاح عليه، يعترف تشاندلر أنه ليس خبيرا في أي من البلدين. ويشير إلى أن نموذجيهما "غير مكتملين"، لكنهما مع ذلك تجنبا مستويات عدم المساواة في الولايات المتحدة.
إن عامل الجذب المحتمل لأفكار تشاندلر هو أنها تأتي في وقت يتهم فيه اليسار بالافتقار إلى الرؤية. مثل كاتبي يسار الوسط أنتوني جيدينز وويل هوتون في التسعينيات، فهو يمزج بين الجرأة والبراغماتية.
إن أفكاره بديل للتأميم، الطريق الذي كان يفضله زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين. "النموذج الاشتراكي التقليدي للملكية العامة ليس حلا، لأنه ينقل القوة من مجموعة صغيرة من المالكين إلى مجموعة صغيرة من البيروقراطيين. لا يمكن للدولة أن تدخل وتعيد تصميم الوظائف، لأنها لا تعرف ما يكفي عن كيفية عمل الشركات الفردية أو ما يريده العمال".
تشاندلر - ثرثار لكن ليس مغرورا - يدرك القلق بشأن الهجرة، وعلى عكس كثير من اليسار، لا يرغب في إلغاء الرسوم الدراسية الجامعية.
تتضمن مقترحاته الأكثر جرأة معالجة أزمات المناخ والطبيعة، حتى لو تطلب ذلك "خفض مستوى معيشتنا المادي"، وإلغاء المدارس الخاصة. وهو يقدر أن تبني مختلف التزاماته للإنفاق سيتطلب ضرائب تصل إلى 45-50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "من 37 في المائة الآن".
إلى أي مدى يبعد حزب العمل الذي يرأسه السير كير ستارمر عن مخطط تشاندلر؟ "من الناحية الفكرية، ليس بعيدا جدا. لكن فيما يتعلق بالسياسات، فإنهم بعيدون جدا في الوقت الحالي". يصر تشاندلر على أن كتابه، مع دعواته لمخطط الدخل الأساسي والديمقراطية في مكان العمل، ليس "مخططا للانتخابات المقبلة" لكنه مشروع طويل الأمد.
من السهل أن يغريك حديث تشاندلر عن الكرامة في العمل، ومن الصعب تخيل كيفية قياس مثل هذا الشيء. في الوقت الذي كنا مجتمعين فيه، كان لدى كثير من العمال مخاوف أكثر واقعية. فالبعض مضربون من أجل الحصول على أجور أعلى، وكثير منهم قلقون من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيأخذ وظائفهم. يصر تشاندلر على أنه يمكن التعامل مع آثار الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل إذا تمت إدارة الشركات بشكل مشترك إضافة إلى اللوائح التنظيمية. أما بالنسبة إلى الإضرابات، فهي "تعكس المدى الذي ابتعدنا فيه عن هدف الرخاء المشترك".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES