FINANCIAL TIMES

المنافسة الكبرى لتلبية حقوق العمال تعوق بريطانيا

المنافسة الكبرى لتلبية حقوق العمال تعوق بريطانيا

ألا توجد مشكلة، هذه الأيام، لا يمكن أن تحلها الدولة؟ عندما تعلو المطالب "لم لا يفعل أحد ما شيئا حيال ذلك؟"، هذا الأحد هو في معظم الأحيان الحكومة.
تبدو خطة حزب العمال لمنح الموظفين "الحق في قطع الاتصال"، لمنع الرؤساء من الاتصال بهم خارج ساعات العمل، كأنها مثال نموذجي لهذا النوع. الاحتراق الوظيفي حقيقي. لكن أحد الأسباب التي جعلت الحياة المنزلية والعملية ضبابية جدا هو أن كثيرا منا اختار العمل من المنزل. لست متأكدة كيف يمكن للسياسيين الذين يدعمون "العمل المرن" أنفسهم أن يخمنوا يوم عملنا في الآن ذاته. إذا أخذت طفلي من المدرسة بعد الظهر، ثم عدت إلى مكتبي مساء، ألا يجب ألا أرسل أي رسائل بريدية؟ ماذا لو كنت أتواصل مع زملائي في منطقة زمنية أخرى أو أعمل على صفقة للشركة؟
وجود نوع من الإذن الرسمي لقطع الاتصال بالعمل يبدو جذابا. تصفح رسائل البريد الإلكتروني قبل النوم مباشرة يمكن أن يرفع ضغط الدم. لقد بدأت أخيرا في استخدام خاصية "جدولة الإرسال"، بحيث لا تصل رسائل البريد الإلكتروني التي أكتبها في وقت متأخر من الليل إلا الساعة التاسعة صباح اليوم التالي. وقد لاحظت أن كثيرا من الناس يذيلون رسائلهم مؤكدين لي أن رسالتهم ليست عاجلة.
لكن هذا دليل على أن المنظمات تتكيف بالفعل. لقد قيل كثير عن حقيقة أن فرنسا وإسبانيا قد طبقتا الحق في قطع الاتصال بالعمل. لكن فرنسا لديها بالفعل 35 ساعة عمل في الأسبوع، سياسة أوجبت استثناءات من أجل التكيف مع العالم الحقيقي. لعل إحدى القواعد العملية لصنع السياسات هي: لا تمرر قانونا يتجاهله كل من الموظفين والرؤساء لأنهم يرونه هراء.
من ناحية أخرى، في إسبانيا العام الماضي، استقبلت مكاتب شركات برايس ووترهاوس كوبرز وكي بي إم جي وإي واي وديلويت زيارات مفاجئة من مفتشين حكوميين للتحقق مما إذا كان الموظفون قد عملوا عملا إضافيا غير معترف به. لو كانت هذه مستودعات "أمازون"، التي يضغطون فيها على العمال المنهكين للاستمرار في ترتيب الرفوف، لربما كان هذا منطقيا. لكن في شركات المحاسبة الكبرى، يتنافس على الوظائف آلاف من المتقدمين، ومعظمهم يدركون تماما أن المقايضة هي رواتب عالية مقابل ساعات طويلة. أسواق العمل الضيقة مكنت الموظفين بالفعل، إذ يمكنهم الاستقالة.
إذا كنت تعمل في استقبال فندق ما، أو في مركز اتصال، فإن مشكلتك الأكبر ليست رئيسك الذي يراسلك يوم إجازتك. بل التضخم وانعدام الأمن وتهديد الأتمتة. في دراسة بشأن السياسات "الخطة الجديدة للعمال"، يعد حزب العمال، إذا فاز في الانتخابات، بتعزيز حقوق العمال من خلال حظر عقود ساعات العمل غير المحددة، ورفع الحد الأدنى للأجور، واستحقاق العمال لإجازة مرضية مدفوعة الأجر، واستحقاق إجازة أبوة من اليوم الأول. كل هذه التغييرات ستجعل حياة العاملين في اقتصاد العمل المؤقت أقل خطورة. لكنه يتضمن أيضا مجموعة من المقترحات الأخرى: إجازة الأمومة والأبوة الممتدة، والحق في إجازة العزاء، والتفاوض الجماعي الأقوى، وإعطاء جميع العمال الحق في العمل بمرونة من اليوم الأول، "بالقدر المعقول".
تجادل الوثيقة بأن العمل العادل والآمن يحسن الإنتاجية، لأن الموظفين أكثر سعادة. توجد مزية فيها، لكنها قوانين جديدة كثيرة ستعزز صناعة القانون والامتثال المزدهرة. عندما يتحدث الساسة عن "النمو"، لا أعتقد أن هذا هو النوع الذي يقصدونه.
المحافظون لديهم نموذج في هذه المسألة أيضا. أدخلوا الإبلاغ عن الفجوة في الأجور بين الجنسين، وإجازة مدفوعة الأجر تصل إلى 12 أسبوعا للآباء والأمهات الذين يحتاج أطفالهم إلى رعاية المواليد، و"الحق في طلب" العمل المرن من اليوم الأول، بدلا من استحقاقه بعد 26 أسبوعا من مزاولة الوظيفة. التغييرات التي أجروها على قانون "العمل لحساب الموظف الخاص"، الذي يلزم أصحاب العمل بتحديد الوضع الضريبي للعاملين لحسابهم الخاص، جعلت الشركات مضطرة إلى طلب المشورة القانونية المكلفة وأجبرت عاملين متعاقدين كثرا على دفع ضرائب باعتبارهم موظفين دون حصولهم على أي حقوق في المقابل. من جهة أخرى، مشروع قانون إجازة مقدم الرعاية، الذي قدمه الديمقراطيون الليبراليون لكن بدعم من جميع الأحزاب الرئيسة، سيمنح أكثر من مليوني شخص حقا قانونيا في أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر خمسة أيام في العام.
من الذي قد يعترض على مساعدة أحد يحتاج طفله الجديد إلى رعاية متخصصة، أو من يوفق بين عمله ورعايته لقريب مسن؟ على حدة، تبدو هذه التغييرات غير قابلة للاعتراض. مجتمعة، هذه التغييرات منطقية. يدعي صانعو السياسات أنهم يهتمون بالإنتاجية لكنهم لا يسألون أبدا عن نسبة مسؤولي الامتثال ومحامي التوظيف ومديري التدريب إلى الموظفين الذين يؤدون مهام "حقيقية".
في النهاية، بعض وظائف الامتثال هي نوع من "وظائف الهراء" التي حددها ديفيد جرايبر عالم الأنثروبولوجيا، الذي أظهر أن العمل الذي لا طائل من ورائه مثل سوء عدم العمل على الإطلاق تقريبا. لا تملك الشركات الصغيرة حتى رفاهية تعيين مسؤول امتثال. بل هو صاحب العمل، الذي يعمل حتى وقت متأخر من الليل لملء جميع النماذج الإضافية. كيف يساعد ذلك على التوازن بين العمل والحياة، لا أدري.
إجازة الأمومة، والإجازات مدفوعة الأجر، والإجازة المرضية مدفوعة الأجر، وتشريعات المساواة، كلها حماية أساسية للعمال تم استحقاقها بشق الأنفس. لكن الإصدار اللانهائي لقوانين العمل الجديدة من الساسة الذين تندر إدارتهم لأي شيء يشير إلى أنه لا يمكن الوثوق بأصحاب العمل. سيوجد دائما بعض الذين ينجزون أعمالهم بأرخص السبل وأسرعها. لكن معظم الرؤساء التنفيذيين والمديرين يبذلون جهودا ضخمة للإدارة في ظل قواعد بعد الجائحة والقلق بشأن الصحة العقلية لموظفيهم. أخبرني أحدهم بأن استحداث حق العمل من المنزل سيحبط الجهود المبذولة لمعاملة الجميع بإنصاف، إذ يجب على نصف موظفيه الحضور لخدمة العملاء. عندما يمر عالم العمل بمثل هذا التحول، سيكون من الحكمة ترك مثل هذه القرارات لأصحاب العمل.
في 2018، أمرت محكمة فرنسية شركة رينتوكيل بدفع 60 ألف يورو لموظف سابق بعد أن قضت بانتهاك الشركة حقه في قطع الاتصال بالعمل. كان الرجل مديرا طلب منه إبقاء هاتفه مفتوحا في حال حدوث أمر طارئ. عندما نكون في أمس الحاجة إلى استثمار أجنبي داخلي، وعندما تكون المالية العامة ثقبا أسود هائلا، أجرؤ أن أقول إن مساعدة الموظفين على قطع الاتصال بالعمل تبدو تافهة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES