FINANCIAL TIMES

معضلة الهند .. الاقتصاد ينمو والوظائف تقل

معضلة الهند .. الاقتصاد ينمو والوظائف تقل

كان كيران في بي، البالغ من العمر 29 عاما الذي يقيم في بنجالور عاصمة التكنولوجيا في الهند، يأمل أن يعمل في مصنع بعد إنهائه المرحلة الثانوية. لكنه عانى لإيجاد وظيفة وبدأ العمل كسائق، وكان يدخر لأكثر من عقد لشراء سيارة أجرة خاصة به في النهاية.
"السوق صعبة للغاية، يجلس الجميع في منازلهم"، كما قال واصفا وضع أقربائه الذين لديهم شهادات في الهندسة أو إدارة الأعمال ولم ينجحوا في إيجاد وظائف جيدة أيضا. "حتى الأشخاص الذين تخرجوا من الجامعة لا يجدون فرص عمل، بل يبيعون أشياء أو يوصلونها أو يوصلون أشخاصا".
تشير قصته إلى مشكلة متجذرة في الهند وتحد متزايد أمام حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الوقت الذي تسعى فيه إلى إعادة انتخابها بعد ما يزيد قليلا على عام: اقتصاد الدولة سريع النمو يفشل في إيجاد وظائف كافية، خاصة للشباب، ما يترك كثيرا منهم بلا وظائف أو يكدحون في أعمال لا تتناسب مع مهاراتهم.
يتوقع صندوق النقد الدولي أن اقتصاد الهند سيتوسع 6.1 في المائة هذا العام – أحد أسرع معدلات أي اقتصاد رئيس – و6.8 في المائة في 2024.
لكن أعداد العاطلين عن العمل تستمر في الازدياد. كانت البطالة في شباط (فبراير) تبلغ 7.45 في المائة، ارتفاعا من 7.14 في المائة الشهر السابق، وفقا لبيانات "مركز مراقبة الاقتصاد الهندي".
قال بروناب سين، اقتصادي وكبير المستشارين سابقا في لجنة التخطيط الهندية، "النمو الذي نحققه مدفوع أساسا بنمو الشركات، والشركات الهندية لا توظف هذا العدد الكبير من الأشخاص لكل وحدة إنتاج".
"من جهة، ترى الشباب لا يحصلون على وظائف. من جهة أخرى، ترى الشركات تشتكي عدم إيجادها أشخاصا ذوي مهارات".
الوظائف الحكومية، المرغوبة لأنها وسيلة للعمل على المدى الطويل، قليلة مقارنة بعدد سكان الهند الذي يبلغ 1.4 مليار تقريبا، كما قال سين. توافر المهارات يعد مشكلة أخرى: تفضل كثير من الشركات توظيف المتقدمين الأكبر سنا الذين طوروا مهارات مطلوبة.
"كثير من النمو في الهند مدفوع بالتمويل، والتأمين، والعقار، وتعهيد العمليات التجارية، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات"، بحسب ما قال أميت باسول، أستاذ الاقتصاد في جامعة أزيم بريمجي في بنجالور. "هذه هي قطاعات النمو السريع، لكنها لا تولد وظائف".
ستكون معرفة كيفية تحقيق نمو أكبر في الوظائف، خاصة للشباب، ضرورية إذا أرادت الهند الاستفادة من الفوائد الديموغرافية والجيوسياسية. يوجد في البلاد عدد من الشباب من المتوقع أن يتجاوز الصين هذا العام كأكبر عدد في العالم. تتطلع مزيد من الشركات إلى إعادة توجيه سلاسل التوريد والمبيعات بعيدا عن الاعتماد على الموردين والمستهلكين الصينيين.
تتعهد حكومة الهند وولايات مثل كارناتاكا، عاصمتها بنجالور، بمليارات الدولارات من الحوافز لجذب المستثمرين من قطاعات التصنيع مثل الإلكترونيات وإنتاج البطاريات المتقدم كجزء من حملة "صنع في الهند" لحكومة مودي.
كما خففت الدولة أخيرا قوانين العمل للاقتداء بممارسات العمل في الصين بعد الضغط من الشركات التي من ضمنها "أبل" وشريكتها التصنيعية "فوكسكون"، التي تخطط لإنتاج أجهزة آيفون في كارناتاكا.
مع ذلك، الإنتاج الصناعي ينمو بشكل أبطأ من القطاعات الأخرى، ما يجعل من غير المرجح أن يكون القطاع مولد لفرص العمل قريبا. يوظف القطاع نحو 35 مليون موظف فقط، بينما تشكل تكنولوجيا المعلومات عددا ضئيلا يبلغ مليونين من القوى العاملة الرسمية في الهند التي يبلغ عددها نحو 410 مليون، وفقا لآخر مسح للأسر أجراه "مركز مراقبة الاقتصاد الهندي" من كانون الثاني (يناير) إلى شباط (فبراير) 2023.
وفقا لمسؤول كبير في كارناتاكا، يتقدم الأشخاص ذوي المهارات العالية الحاصلين على درجات جامعية للعمل كأفراد شرطة.
أظهرت حكومة مودي علامات على انتباهها لهذه المشكلة. في تشرين الأول (أكتوبر)، ترأس رئيس الوزراء حملة توظيف، "روزجار ميلا"، حيث سلم خطابات تعيين لـ75ألف شاب، بهدف إظهار التزام حكومته بإيجاد فرص عمل و"تدريب شباب الهند من أجل مستقبل أكثر إشراقا".
لكن بعض شخصيات المعارضة سخرت من هذه البادرة. قال ماليكارجون كارجي، رئيس حزب المؤتمر الوطني الهندي، إن التعيينات كانت "قليلة للغاية". ووصف سياسي آخر المعرض بأنه "مزحة قاسية للشباب العاطلين عن العمل".
أشار راهول جاندي، سليل الأسرة التي تقف خلف حزب المؤتمر، إلى أنه ينوي جعل البطالة نقطة هجوم للانتخابات المقبلة، حيث مودي في طريقه للفوز بفترة ولاية ثالثة.
قال جاندي في جلسة أسئلة وأجوبة في معهد تشاتام هاوس في لندن الشهر الماضي، "المشكلة الحقيقية هي مشكلة البطالة، وهذا يولد كثيرا من الغضب وكثيرا من الخوف".
أضاف: "لا أعتقد أن دولة مثل الهند يمكنها توظيف كل شعبها في الخدمات".
استحضر أشوكا مودي، اقتصادي في جامعة برينستون، كلمة timepass، مصطلح عامي هندي يعني قضاء الوقت بشكل غير منتج، لشرح ظاهرة أخرى تعانيها سوق العمل: البطالة المقنعة للأشخاص الموظفين في أعمال لا تناسب مهاراتهم.
قال مودي، مؤلف "الهند محطمة"، كتاب جديد ينتقد السياسات الاقتصادية للحكومات الهندية المتعاقبة منذ الاستقلال، "هناك مئات الملايين من الهنود الشباب الذين يقضون وقتهم دون إنتاجية. كثير منهم يفعلون ذلك بعد الحصول على درجات علمية كثيرة ودخول كليات عدة".
هاجر ديلدار سيخ، البالغ من العمر 21 عاما، إلى بنجالور بعد إكماله برنامج في المدرسة الثانوية في برمجة الحاسوب في كولكاتا.
بعد خسارته في المنافسة الشديدة على وظيفة حكومية، انتهى به الأمر بالعمل في مطار بنجالور مع شركة خدمات تساعد الركاب الذين يستخدمون الكراسي المتحركة، ويتقاضى عن ذلك نحو 13 ألف روبية (159 دولار) شهريا.
قال سيخ، الذي يحلم بتوفير ما يكفي من المال لشراء هاتف آيفون وأخذ والديه في رحلة بطائرة هليكوبتر، "العمل جيد، لكن الراتب ليس جيدا"
"لا يوجد مكان جيد للشباب"، كما أضاف. "الأشخاص الذين لديهم مال وعلاقات سيصمدون، أما بقيتنا فعلينا الاستمرار بالعمل ثم الموت".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES