FINANCIAL TIMES

ماذا يخبرنا التاريخ عن انهيار البنوك؟

ماذا يخبرنا التاريخ عن انهيار البنوك؟

ما تداعيات الانهيار السريع لبنك سيليكون فالي؟ يمكن القول الآن إن هذا هو السؤال الأكثر أهمية في التمويل العالمي. ما الذي يمكن أن يخبرنا به التاريخ المالي عما قد يحدث بعد ذلك؟
أولا، كان بنك سيليكون فالي مختلفا بشكل كبير في عديد من الأبعاد، تضاعفت الودائع لديه ثلاث مرات منذ الربع الأخير من 2019 لتصل إلى 189 مليار دولار في نهاية 2021، مقارنة بنمو الصناعة 37 في المائة خلال الفترة نفسها، وفقا لشركة أوتونومس ريسيرش.
كان لدى بنك سيليكون فالي أيضا اعتماد كبير على نحو غير عادي على تمويل الشركات ورأس المال المغامر. وكان نحو 95 في المائة من ودائعه غير مؤمنة في نهاية العام الماضي، مقارنة بالثلث في عينة من البنوك الأمريكية الكبرى. وتذكرنا عملية تهافت المودعين لسحب أرصدتهم من البنك بصناديق التحوط، التي هربت من وسطائها الرئيسين في 2008.
ومما لا شك فيه أن البنك راهن بشكل كبير، وغير متحوط له بشكل صادم، على السندات طويلة الأجل عندما كانت أسعارها في الذروة. وأدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى سحق التداول تاركا البنك يتكبد خسارة غير محققة تقترب من 16 مليار دولار - أكثر من قاعدة أسهمه. ثم بدأ سحب الودائع يبلور ذلك إلى خسارة محققة.
ونظرا لقاعدة الودائع شديدة الخصوصية، التي تميل إلى صناعة التكنولوجيا والمعدلات الضخمة للتداول، فقد لا يثبت انهيار بنك سيليكون فالي أنه نظامي. جادل ديفيد سيرا، مستثمر ومحلل بنوك سابق، بأن "تفاحة واحدة مضروبة لا تفسد المجموعة كلها".
لكن لدى الفشل بعض الأشياء المهمة ليقولها عن السوق المصرفية الأوسع وتداعياتها على الاحتياطي الفيدرالي.
يشترك انهيار بنك سيليكون فالي في بعض السمات المميزة لفشل بنك كونتيننتال إلينوي في 1984 - كان آنذاك أكبر فشل في تاريخ البنوك الأمريكية. كانت لديه قاعدة غير مستقرة للغاية من المودعين غير المؤمنين - مع انحراف كبير إلى ودائع الشركات الدولية - وكان لديه أيضا محفظة قروض شديدة التركيز. اختار بول فولكر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الوقت، البراجماتية ونظم عملية إنقاذ يعمل فيها البنك المركزي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع معا.
ربما تفاجأ صانعو السياسة الحاليون بوتيرة تهافت المودعين لسحب أرصدتهم من أحد البنوك الرقمية، لكن استجابة السياسة الفورية ستكون محورية في وقف هذا الذعر. ينبغي إعطاء الأولوية لإيجاد طريقة لإبقاء المودعين غير المؤمن عليهم سالمين - وهو أمر دعمه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالي، جاي بأول، خلال عملية إنقاذ بنك نيو إنجلاند في 1991.
يشير التاريخ أيضا إلى بعض الدروس الأخرى للمستثمرين. أولا، ستكون البنوك أكثر حساسية بكثير لخطر هروب الودائع والدفع مقابل التمويل، ما يؤدي إلى تشديد الشروط المالية. وهذه المنافسة يجب أن تدفع إلى أعلى بشكل حاد ما يسمى "بيتا الودائع لأسعار الفائدة الصادرة عن البنوك المركزية" - مقدار الزيادة في أسعار الفائدة، الذي تمرره البنوك. لقد افترض الإجماع أن الإصدار التجريبي التراكمي لدورة التشديد هذه سيكون 40 في المائة فقط - لكن يمكنه بسهولة تجاوز الدورات السابقة التي كانت نسبة التشديد فيها 55-65 في المائة، رغم أن أقوى البنوك لن تحتاج إلى دفع هذا المبلغ. سيتقلص صافي دخل الفوائد للبنوك. ومن المحتمل أن تصبح أقل استعدادا للإقراض، بما في ذلك لأجزاء من صناعة التكنولوجيا، على الأقل مؤقتا.
سيقوم المستثمرون بغربلة أي انكشافات كبيرة أخرى وقواعد ودائع ضعيفة. على الرغم من كونه البنك الـ16 من حيث الحجم في الولايات المتحدة، إلا أن بنك سيليكون فالي، للأسف، لم يخضع لاختبارات الجهد من قبل الاحتياطي الفيدرالي، ولا لقواعد بازل المصرفية الدولية بشأن السيولة. الهروب إلى الجودة يعني أن صانعي السياسات سيحتاجون إلى التصرف بسرعة واتخاذ إجراءات موثوق بها لإيقاف تدفقات الودائع الخارجة من المؤسسات الأخرى التي ينظر إليها الآن على أنها ضعيفة.
بعد ذلك، قد ينذر زوال بنك سيليكون فالي بتحول في النظام الكلي في اقتصاد محصن. فبعد إنقاذ بنك كونتيننتال إلينوي، أخبر فولكر لجنة الأسواق المفتوحة التابعة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، قوله: "خلاصتي هي أنه لم يتبق لدينا في الوقت الحالي مجال لأي تشديد، بالنظر إلى هذا الوضع". في غضون ستة أشهر، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 0.50 نقطة مئوية. ولأن السياسة النقدية تعاني "بطئا طويلا ومتغيرا"، فمن المرجح أن يتوخى الاحتياطي الفيدرالي الحذر هذه المرة، لكن قد يختار إيقاف رفع أسعار الفائدة مؤقتا أو العودة إلى رفعها بواقع 0.25 نقطة مئوية في المرة الواحدة.
أخيرا، قد يكون هناك بعض الدروس الصعبة لمزودي ما يسمى العملات الرقمية، بما فيها العملات المستقرة المربوطة بالعملات الورقية، تتمثل في الحاجة إلى الاستعداد لعمليات استرداد العملاء المفاجئة. وقد يتم أيضا تأجيل طرح خطط العملات الرقمية للبنوك المركزية بشكل متعمد.
لقد بذل محافظو البنوك المركزية جهودا مضنية ليخبرونا بأن نقلق بشأن القطاع غير المصرفي بسبب التجمعات الخفية للمديونية. لكن ما أوقفنا هو ما يقع دائما في قلب الأزمة المصرفية - الانكشاف الضخم لفئة الأصول الكبيرة التي تعد منخفضة المخاطر، في هذه الحالة، خطر الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية. كان التراجع عن الإجراءات المصرفية المركزية غير التقليدية دائما صعبا للغاية. وبنك سيليكون فالي جعل الأمر أكثر صعوبة.
* نائب رئيس مجلس إدارة شركة أوليفر وايمان الاستشارية والرئيس العالمي السابق لأبحاث البنوك في مورجان ستانلي

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES