ثقافة وفنون

«ميجان» ينقل أفلام الرعب من التقليدية إلى الجيل التالي

«ميجان» ينقل أفلام الرعب من التقليدية إلى الجيل التالي

مشهد من العمل.

«ميجان» ينقل أفلام الرعب من التقليدية إلى الجيل التالي

بوستر الفيلم.

تشغل أفلام الرعب حيزا كبيرا من اهتمام عشاق السينما، وغالبا ما تتناول موضوع قوى شيطانية وأحداثا خارقة للطبيعة وأشباحا وتفاصيل لا نعيشها في حياتنا اليومية، وجرت العادة أن يتمحور فيلم الرعب حول شخصية شريرة تتفنن في صناعة الشر ونشر الخوف، وتتحكم فيها مؤثرات صوتية وبصرية خاصة، تجعل من المشاهد المصورة كأنها حقيقة، أما في فيلم الرعب الجديد "ميجان" M3GAN فالبطل الشرير هذه المرة عبارة عن دمية متحركة، ناطقة بلسان البشر، وتقوم بأعمالهم، وكان لا بد من هذا التحول في صناعة السينما، ولا سيما مع الفوضى التي يشهدها العالم بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى دخول أفلام الرعب متاهة التكنولوجيا، ووجد صناع هذه النوعية من الأفلام أنفسهم أمام حقيقة يجب تناولها في أعمالهم، تتمحور حول مدى تأثير التكنولوجيا في الجيل الجديد، وكيف أصبح التفاعل على منصات مواقع التواصل الاجتماعي هو المحرك الأساسي لعديد من الظواهر المجتمعية المحيطة بنا، حتى إنه بات يشكل جزءا من التربية المنزلية، وينسج بخيوطه الوهمية أسس العلاقة التي يجب أن تجمع الأهل بأولادهم.

عنوان حديث
قبل الغوص في مضمون الفيلم والقصة وما يطرحانه، لا بد من التوقف عند العنوان الذي كتب بطريقة تتداخل فيها الأحرف مع الأرقام، وهذه الظاهرة تشكل أبجدية الكتابة الجديدة التي عززتها ظاهرة "الواتساب"، حتى بتنا بحاجة إلى معجم يترجم قراءة الأرقام إلى حروف لنفهم المقصود من الرسالة.
وقد يكون اعتماد هذا الأسلوب من قبل صناع العمل، الذي بات شائعا لدى الأجيال الجديدة لتسهيل تبادل الرسائل، في محاولة لمخاطبة المراهقين والشباب. فالفيلم بالكامل جزء من حركة هوليوودية جديدة ترغب في سحب البساط من المنصات الإلكترونية وإرجاع جيلي "زد" و"ألفا" إلى صالات السينما، لكن باستخدام هذه المنصات. هذا ويصنف صناع الفن السابع خاصة أفلام الرعب، مشاهدي هذه النوعية إلى فئتين، جيل "زد" وهم من مواليد بداية الألفية الثالثة حتى عام 2010، وجيل "ألفا" الذين ولدوا بعد عام 2010، ما زالوا أطفالا، لكنهم أصبحوا قوة اقتصادية محركة في عالم الترفيه، لهذا كان لا بد من إيجاد نقطة تلاق بين هذه الأجيال فكان "ميجان".
حاضنة مبرمجة
"ميجان" تؤدي صوتها النجمة وجينا ديفيس، وهي أعجوبة من الذكاء الاصطناعي، دمية مبرمجة لتكون أعظم رفيق للطفل، يتم استخدامها لتقوم بدور الحاضنة لفتاة تفقد والديها في سن الثامنة. تدور أحداث الفيلم في إطار من الرعب والإثارة والخيال العلمي، فبعد أن تفقد كاندي، تؤدي صوتها الطفلة فييوليت ماكجروا، والديها، وبسبب ضغوط الحياة والعمل، تجد خالتها جيما، التي تعمل كمهندسة روبوتات في شركة ألعاب إلكترونية، أنها أمام واقع يحتاج إلى مساعدة وعون، لهذا تختار أن تهدي ابنة شقيقتها "ميجان"، وهي دمية آلية تشبه البشر، تعمل بـ"الأندرويد" تم تصميمها وبرمجتها بواسطة جيما، لتحل مكانها في القيام برعاية ابنة شقيقتها اليتيمة. "ميجان" يمكنها الاستماع والمشاهدة والتعلم، إضافة إلى أنها تعد صديقة، معلمة وراعية للطفل الذي ترافقه. تستعين جيما بالدمية "ميجان" لتوفر الحماية والرعاية اللتين تحتاج إليهما الطفلة، لكن هذه المساعدة سريعا ما تصبح خطرة وذات ذكاء خاص يهدد كل من حولها.
ميجان دمية الجيل الجديد
إذا كان "تشاكي" نموذج أفلام الرعب التي سيطرت على الجيل السابق، فإن "ميجان" ستكون لفترة دمية الرعب للجيل الجديد بكل ما تحمله من تطور تكنولوجي يتماشى وطبيعة هذا الجيل، إذ تتعامل الدمية "ميجان" على وجه التحديد مع فئة نشأت على قيود وقت الشاشة، وأجهزة الآيباد، ورقصات "تيك توك" وأشهر صيحاته، ويقدم هذا الفيلم تلخيصا لسلوكهم والطريقة التي يرون بها العالم، جيل يرى الرعب من زاوية مختلفة، فلم تعد صورة الجماجم والدماء المنتشرة والدمى المكسورة والمشوهة هي التي تبث الرعب في نفوس جمهور هذه النوعية من الأفلام، حان الوقت للأطفال ليكون لهم دور في صياغة كوابيسهم، حتى لو كانت وسيلتهم في التعبير عن ذلك الفيديوهات القصيرة على "تيك توك"، جيل بات يطالب بأفلام رعب تتحكم فيها التكنولوجيا التي تشكل عنصرا أساسيا في تسيير أمور حياته اليومية، وحتى في ملاذه الفني المتمثل في عشقه لهذه النوعية من الأفلام.
ثورة الإدمان على التكنولوجيا
يحمل فيلم "ميجان" في باطنه رسالة تربوية أسرية لها أبعاد كبيرة تتعلق بالتفكك الأسري وعلاقة الأهل بالأبناء. فبعد انتشار فكرة الحاضنات والخدم لرعاية وتربية الأطفال، وتماشيا مع الثورة التكنولوجية التي نعيشها، جاءت فكرة الاستعانة بروبوت أو دمية للقيام بمهام وظيفية هي من مسؤولية الأهل أولا وأخيرا، وفي هذا المضمون رسالة واضحة لتخلي الآباء عن دورهم في الرعاية ومدى خطورة وضع مفاتيح التربية الصحيحة في أياد قد لا تكون أمينة، كما يطرح الفيلم فكرة تعلق الشباب بالتكنولوجيا التي قد تصبح قاتلة، لتصبح الدمية الرقمية التي تعمل بنظام الأندرويد مجازا على الآيباد والهواتف المحمولة التي تلغي التفاعلات البشرية لمصلحة الاهتمام بعدد علامات الإعجاب على حساب مواقع التواصل.
التسويق والإيرادات
"ميجان" دمية قاتلة بطول أربع أقدام فقط، لكن بالنسبة إلى منتجي الفيلم الذي حمل اسمها، فقد جلبت لهم إيرادات قاربت مائة مليون دولار، أمام ميزانية تبلغ 12 مليونا فقط، وسريعا ما أصبحت "ميجان" هذه أحدث الإضافات إلى عالم الرعب، إنها دمية جيل الآيباد، أيقونة رعب جديدة مختلفة عما خاف منه من قبل جيل الآباء.
ولا شك أن استخدام مواقع التواصل من خلال نشر مقاطع وفيديوهات عن الفيلم قبل بدء عرضه كان له الدور الأبرز في الترويج له، وظهور مقاطع قصيرة منه على "تيك توك" و"إنستجرام" و"فيسبوك" مع تفاعل عال، تستعرض لقطات مميزة وسريعة الانتشار، أسهم في كسب الرهان الذي وضعته شركات التسويق ونجح في جذب عدد كبير من المشاهدين والمتحمسين للفكرة شكلا ومضمونا، ما حقق إيرادات عالية ونسبة مشاهدة تخطت المعقول.
تصنيف مغاير
من العلامات المميزة التي لا بد من التوقف عندها تصنيف الفيلم، فقد جرت العادة أن تسبق بداية أفلام الرعب عبارة ينصح بها "لمن هم فوق الـ18"، لكن هذه المرة سبقت الفيلم عبارة "يسمح لمن هم فوق الـ13"، وفي هذا إشارة واضحة إلى مدى قدرة جيل المراهقين كشريحة اقتصادية على التحكم في الأعمال الفنية، وأن قواعد الماضي تغيرت مع دخول التكنولوجيا في تفاصيل كثيرة خاصة في مجال السينما والأفلام.
كذلك بالنسبة إلى الموسيقى التي جاءت أقرب إلى الجيل الجديد، فهي لم تعتمد على التصوير الموسيقي المخيف الذي يضفي على الجو العام رعبا إضافيا، بل جاءت موسيقى بسيطة تشبه ما يحبه مراهقو هذا العصر وأبطاله، لتشعر للحظة وكأن الفيلم قد صمم ونفذ لهذه الفئة، خلع عنه كل ما يربطه بالماضي، وقدم نموذجا غير نمطي لأفلام رعب ستأخذ حيزا كبيرا من اهتمام جيل يبحث عن كل ما هو جديد وغريب، وله علاقة بالتكنولوجيا التي تحكم عالمه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون