FINANCIAL TIMES

جزر البهاما تترنح إثر انهيار بورصة إف تي إكس

جزر البهاما تترنح إثر انهيار بورصة إف تي إكس

اختار سام بانكمان فرايد قطعا من العقارات الرئيسة في جزر الباهاما لبناء المقر الرئيس الجديد لبورصة العملات المشفرة سريعة النمو "إف تي إكس" التي يملكها، كما رأينا في صورة فوتوغرافية التقطت له وهو يحمل مجرفة إلى جانب رئيس وزراء الدولة الكاريبية، في احتضان مشترك للإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها الأصول الرقمية.
بعد سبعة أشهر فقط من تلك اللحظة، تسبب الانهيار المذهل لبورصة إف تي إكس في توجيه موجة من الصدمات للصناعة التي وعدت بإحداث ثورة في عالم المال، وحطمت مصداقية جزر البهاما - التي وضعت طفرة العملات المشفرة في جوهر استراتيجيتها الاقتصادية - باعتبارها ولاية قضائية تراقب شركات الأصول الرقمية جيدا.
قال ستيفن ديليفو، من منظمة كاريبيان بلوكتشاين ألايانس، من مطعم على الواجهة البحرية في العاصمة ناسو "كانت العملات المشفرة هي طريقنا للخروج، لأنها كانت ستمكننا من التفاعل مع الاقتصاد العالمي بطريقة لم نكن قادرين عليها من قبل"، أضاف "تدمر جزء كبير من عملي، وكله بسبب سام بانكمان فرايد".
تسبب انهيار شركة إف تي إكس، التي بلغت قيمتها في وقت من الأوقات 32 مليار دولار، في خسائر كبيرة تكبدتها شركات رأس المال المغامر ومنها شركة سيكويا كابيتال، إلى جانب خسارة أكثر من مليون دائن تقريبا. كثير منهم كانوا مستثمرين عاديين، أغرتهم الفرصة لتحقيق أرباح سريعة. أصبح الموقع على ساحل البحر الذي كان يفترض أن يصبح المقر الرئيس لشركة إف تي إكس الآن مهجورا، حيث تناثرت حوله الأنقاض والأسيجة العشبية العالية النمو.
كانت شركة إف تي إكس من القادمين أخيرا إلى جزر الباهاما، التي تعتبر من أغنى الدول الكاريبية، حيث بدأ تأسيسها هناك قبل أكثر من عام وذلك بعد انتقالها من هونج كونج. وقد كان هذا الانتقال جوهريا للآمال التي وضعتها جزر البهاما على العملات المشفرة حيث كانت تسعى بذلك إلى التنويع بعيدا عن الخدمات المصرفية الخارجية، التي اجتثت من جذورها إلى حد كبير لمصلحة الولايات القضائية المنافسة مثل جزر كايمان.
قال جاك بلوم، محامي الدفاع الذي يعمل كمستشار أول لمجموعة تاكس جاستيس نيتوورك، وهي مجموعة مناصرة، "إن جزر البهاما كانت تبحث عن خيارات أخرى، وهكذا جاءت فكرة شركات العملات المشفرة".
أثبتت شركات العملات المشفرة نجاحها، حيث قدمت المساعدة إلى قيادة الجزيرة في الدفع نحو الاستثمار في الأصول الرقمية على نطاق أوسع. وقبل أيام فقط من انهيار شركة إف تي إكس، أعلنت بورصة أوه كيه إكس المنافسة أن جزر البهاما ستصبح المركز الإقليمي الجديد لها بعد أن أمنت تسجيل الشركة من الجهات التنظيمية فيها.
وفي الشهر نفسه الذي بدأ فيه مؤسس إف تي إكس العمل مع فيليب ديفيس رئيس الوزراء، استضافت الشركة في منتجع باها مار في البلاد تجمعا حول مجال العملات المشفرة اتسم بالبذخ. وكانت قائمة الضيوف تضم أسماء "لشخصيات مهمة" ساعدت على دفع بانكمان فرايد ليتبوأ مكانته كحامل لراية العملات المشفرة، ومن تلك الشخصيات بيل كلينتون وتوني بلير، إضافة إلى كاتي بيري نجمة البوب وتوم برادي أسطورة كرة القدم الأمريكية.
قال ديليفو مستذكرا "أقيمت مؤتمرات كبيرة من قبل، لكن هذا كان أضخمها"، حيث أشار إلى أن جمهور العملات المشفرة كان يضم "الأشخاص المفضلين" للبلاد، وقال "كل ما قاموا به كان يبدو احترافيا بشكل فائق".
لكن في ناسو، العاصمة التي تقع في جزيرة نيو بروفيدينس، حيث يتوافد الممولون مع السياح في السفن السياحية الكثيرة، في مشهد كان واعدا للعملات المشفرة، الذي بالكاد ترك خلفه أثرا محسوسا. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن بانكمان فرايد ورفاقه كانوا يديرون منصة إف تي إكس من شقته العلوية الواقعة في ألباني، وهو منتجع فاخر وحصري في الجنوب الغربي المعزول من الجزيرة.
أدى انهيار شركة إف تي إكس إلى تسليط الضوء بشدة على جزر الباهاما، وكل من في السلطة الذين سعوا لإبعاد أنفسهم عن التداعيات. دافع ديفيس الأسبوع الماضي عن لجنة الأوراق المالية في جزر الباهاما، وهي الهيئة الرئيسة للرقابة في البلاد، في خطاب أمام البرلمان، قائلا "إنه لم يجد أي أوجه قصور في النهج التنظيمي الذي تتبعه الدولة الجزيرة".
مع ذلك، قال جون راي الثالث خليفة بانكمان فرايد في شركة إف تي إكس، "إنه لم ير أبدا مثل هذا الإخفاق الكامل في ضوابط الشركات والغياب التام للمعلومات المالية المعتمدة". سام ترابوكو، الذي كان رئيسا تنفيذيا مشاركا لشركة ألاميدا للأبحاث، وهي الشركة الشقيقة لشركة إف تي إكس، وصف الظروف في الشقة العلوية في ألباني، حيث كان العمل والترفيه يختلطان هناك دون ضوابط، بأنها "سامة".
قام بانكمان فرايد، الذي أصبح بسرعة الآن شخصية الشرير الرئيسة في الصناعة، بمحاولات متكررة على وسائل التواصل الاجتماعي لشرح نفسه، لكنه بقي بعيدا عن أعين الجمهور. ولم يرد على طلب لإجراء مقابلة معه من قبل "فاينانشيال تايمز".
تسبب التحول السريع للأحداث في جعل سكان جزر البهاما العاديين يترنحون. حيث قال أحد السكان المحليين الذي عمل في منتجع باها مار "إنه ما زال يحاول فهم كيف يمكن لشيء كان يسير على ما يرام أن ينهار بهذه السرعة".
أما جون كريستنسن، الخبير الاقتصادي والمتخصص في الشؤون المالية الخارجية، فكان ينتقد بشدة، حسب رأيه، الطريقة التي منحت بها شركة إف تي إكس، حرية العمل هناك.
قال "قامت السلطات بغض الطرف عن هذه المسائل، لأن الشركة كانت في وضع جيد، ويبدو أن كل شيء كان يسير بسلاسة إلى أن حدث العكس. إذا لم يستطع رئيس الوزراء أن يرى الفشل الذريع الذي حدث أثناء فترة توليه للأمور، فذلك يعني أنه فشل في تأدية واجبه".
يبدو أن الرغبة في حماية سمعتها قد انتشر في انحاء مجتمعات جزر البهاما المتماسكة، إذ قال مايكل بينتارد، زعيم الحركة الوطنية الحرة، وهي المعارضة الرئيسة هناك، "إنه من السابق لأوانه تماما تحديد التأثير الذي قد يحدث في التنظيم في جزر البهاما تجاه العملات المشفرة".
عديد من مسؤولي إنفاذ القانون في جزر البهاما رفضوا التعليق على شركة إف تي إكس أو مؤسسها. بينما رفضت لجنة الأوراق المالية في جزر البهاما طلبا تقدمنا به لإجراء مقابلة.
قال أحد مواطني جزر البهاما، الذي تم الضغط عليه للحصول على آراء حول انهيار "إف تي إكس"، "إن هناك رغبة قليلة في الدولة الجزيرة لانتقاد السلطات علنا. قد تقوم بإزعاج الشخص الخطأ وقد لا تدرك حتى كيف سيكون تأثير ذلك فيك وفي عملك".
وأضاف كريستنسن "إذا كان ينظر إلى الجهة التنظيمية على أنها تتدخل بنشاط كبير في محاولة فهم نماذج الأعمال، والنظر في المخاطر، فإن ذلك ينظر إليه على أنه مناهض للأعمال".
لكن كليمنت ستانلي، الذي يعمل سائق سيارة أجرة في العاصمة، اعترض على الذين يديرون جزر الباهاما، لعدم حمايتهم سمعة البلاد، وقال "إن مجموعة الجزر هي الجوهرة على تاج الدول الكاريبية (...) علينا أن نحمي هذه السمعة بأي ثمن. لقد تعلمنا ذلك منذ الطفولة".
ما كان يشغل باله هو سكان جزر البهاما العاديون، الذين لم تمنح لهم أبدا فرصة عادلة لتحقيق النجاح على عكس بانكمان فرايد. وأشار إلى أن السلطات تبذل كثيرا من البحث والتقصي عندما يتعلق الأمر بالأشخاص العاديين، لكنها تمارسه بدرجة أقل بكثير تجاه الوافدين الجدد من شركات العملات المشفرة. "أتمنى أن يمنحوا الفرصة أشخاصا مثلي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES