FINANCIAL TIMES

خطة جيريمي هانت.. هل حقا تحررت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

خطة جيريمي هانت.. هل حقا تحررت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

إذا كنت تعتقد أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يحررها للقيام بالأشياء بشكل مختلف عن جيرانها في القارة، فكر في هذا، على جانبي القناة، تجد الحكومات بشكل متزايد أن خياراتها المتعلقة بالضريبة والإنفاق مؤطرة بالقواعد المالية.
في دول الاتحاد الأوروبي، كانت هذه القواعد جزءا من إدارتها الرشيدة منذ معاهدة ماستريخت وكانت بارزة خصوصا في التعافي من أزمات الديون في 2008 إلى 2012 "الانتعاش الذي قوضته". تم تعليقها منذ الجائحة، لكن من المفترض أن تتم إعادة تنشيطها بدءا من نهاية العام المقبل. بحلول ذلك الوقت، نأمل أن يتم إصلاحها بشكل كبير - طرحت المفوضية أفكارها هذا الشهر.
في غضون ذلك، في المملكة المتحدة، كانت الخطة المؤلمة للضبط المالي التي قدمها وزير المالية جيريمي هانت الخميس مدفوعة بقاعدته المالية التي تنص على أن الدين العام ينبغي أن ينخفض كحصة من الناتج المحلي الإجمالي بعد خمسة أعوام من الآن. كما أضاف قاعدة أخرى، حدا شبيها جدا بمعاهدة ماستريخت للعجز العام بـ3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الأفق نفسها. إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي متعلقا بالحرية، فأي حرية هذه؟
بالطبع هناك اختلافات. إذا قرر الاتحاد الأوروبي الإصلاح وفقا لخطوط بروكسل المقترحة، فإن القواعد ستفرض مسار الإنفاق العام السنوي لتحقيق ديون وعجز مستدامين، بدلا من استهداف الأخير بشكل مباشر. سيكون أفق الميزانية أربعة أعوام، ويمكن تمديدها إلى سبعة أعوام عندما يقترن بالإصلاحات الهيكلية والاستثمارات التي تعزز النمو أو تسهم في الأهداف المشتركة للاتحاد الأوروبي.
هذا يعني أن القواعد لن تطبق بعد الآن على الكميات المالية الإجمالية فقط - كما فعلت في الماضي وكما تفعل قواعد هانت - لكنها ستشكل التكوين والمحتوى الجوهري للضرائب والإنفاق. وينبغي أن يشجع ذلك على سياسة اقتصادية أفضل.
مع ذلك، فإن التباين الأكبر هو أن أعضاء الاتحاد الأوروبي يواجهون قواعد مفروضة من الخارج. فخيارات السياسات الوطنية مقيدة بالتزامات المعاهدة، ويتم التدقيق فيها من قبل بيروقراطية عابرة للحدود، ويتم التشكيك فيها من قبل الحكومات النظيرة، وفي العقوبات المالية المتطرفة.
كل هذا يتباين بشدة مع بعض وجهات النظر حول التقاليد الدستورية في المملكة المتحدة والسيادة - كلا الرأيين متمسك بهما بقوة في حزب محافظ بذل جهودا ملحوظة لإضعاف القيود الخارجية على السلطة التنفيذية.
لذا فمن غير المستغرب في السياق البريطاني أن "القواعد" أمر مختلف تماما. حيث يتم وضع القواعد المالية لحكومة المملكة المتحدة محليا، ويمكن "كما أظهر هانت" أن تتغير بمجرد إلقاء وزير المالية لخطاب. ويتم تحديدها على أساس "متجدد" - دائما ما ينتقل التاريخ الذي ينبغي أن تتحقق فيه الأهداف إلى المستقبل. وبالتالي، فإن الامتثال ليس مسألة فعل ما قاله المرء، بل الإعلان كل عام أنه سيتم القيام بما يكفي لمدة خمسة أعوام تالية.
ينبغي عدم اعتبار هذه القواعد قواعد على الإطلاق. إنها في أحسن الأحوال مبادئ - وإذا لم تكن الأسواق، أو الناخبون أو نواب الحزب الحاكم مع هذه المبادئ، فيمكن للوزراء بالتأكيد العثور على مبادئ أخرى.
في المقابل، سترسي قواعد الاتحاد الأوروبي المقترحة مسارا ثابتا. حيث تلمح بروكسل إلى أن البرامج المالية يمكن أن تتوافق مع الدورات الانتخابية للدول الأعضاء. ومن شأن ذلك أن يحسن الترسيخ الديمقراطي للقرارات الصعبة ويقلل من مشكلة المصداقية في إلزام الوزراء المستقبليين بإجراءات لا ترغب الحكومة في اتخاذها اليوم. كلاهما يلوح في الأفق بالنسبة إلى المستشار البريطاني الجديد ورئيس الوزراء، مع بقاء عامين كحد أقصى من هذا التفويض كما هو الحال بالنسبة إليهم.
هنا المفارقة الأكبر. ففي سياسة الموازنة، تتمتع المملكة المتحدة بقدر أكبر من الحرية مما كانت عليه كعضو في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن اليورو. لكن هل بريطانيا أو أعضاء هاتين الكتلتين هم الذين يتعرضون لضغوط شديدة من أجل تجفيف مواردهم المالية العامة؟ إن أسعار الفائدة وزيادة أسعار الطاقة تزيد من صعوبة الأمور على الجميع، لكن المملكة المتحدة هي التي فقدت ثقة المستثمرين هذا الخريف.
في حين كان الناس يشعرون بالقلق منذ فترة طويلة بشأن أزمات التمويل التي تحقق ذاتها لحكومات منطقة اليورو ذات الديون المرتفعة، فإن السندات السيادية البريطانية هي التي عانت عمليات بيع غير منظمة هذه المرة. من المفترض أن تكون حرية بنك إنجلترا أعلى من حرية البنك المركزي الأوروبي المقيدة. لكن أداة البنك المركزي الأوروبي ضد تحركات سوق السندات غير المنتظمة قد تم تلقيها حتى الآن بتوتر أقل في الأسواق من معاناة بنك إنجلترا لتفسير سبب رغبته في شراء وبيع سندات الحكومة في الوقت ذاته.
حتى الآن، فإن حوكمة الاتحاد الأوروبي توفر له مجالا للمناورة. وتختبر بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نقاشا فلسفيا قديما حول ما يشكل الحرية، عدم وجود قيود أو التنظيم الذاتي الأكثر فاعلية لعواطف المرء.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES