إصدارات الاقتصادية

السعودية .. تاريخ مجيد في احتضان الأفكار والأحرار

السعودية .. تاريخ مجيد في احتضان الأفكار والأحرار

السعودية .. تاريخ مجيد في احتضان الأفكار والأحرار

تحتفل الشعوب والأمم بالمناسبات الوطنية من أجل إنعاش ذاكرة المجتمع، لا سيما جيل الشباب والناشئة، بصفحات من الكفاح من أجل الوطن، فمبدأ "البقاء للأقوى" شكل باستمرار قاعدة حاسمة في الدول والشعوب والأمم، على مر التاريخ. استحضار المواقف البطولية للأسلاف، يعزز الإحساس بالانتماء للوطن، ويعمق في النفوس التشبث بهوية، بدل الأوائل الغالي والنفيس من أجل الذود عنها.
ذكرى اليوم الوطني فرصة لاستحضار صفحات مشرقة من تاريخ مملكة عريقة، نجحت في مناكفة قوى إمبراطورية، بغية فرض ذاتها في المشهد العالمي، بداية القرن الماضي. أكثر من ذلك، ذاد السعوديون عن حوزة بلدهم، فلم يقع شبر من الأرض تحت وطأة أي نفوذ استعماري. فكتبت بذلك اسمها في قائمة الدول المستقلة التي كسرت شوكة الاستعمار على أعتابها، في أوج تمدد القوى الاستعمارية "بريطانيا، فرنسا، روسيا، هولندا، ألمانيا، إيطاليا..." في الجهات الأربع للعالم.
وحتى عند رغبتهم في دخول الجزيرة العربية، بداية القرن الـ19 مع الدولة السعودية الأولى، فقد افتقدوا الشكيمة والشوكة، فأوكلوا المهمة إلى الإمبراطورية العثمانية التي أسندتها بدورها إلى والي مصر محمد علي، الذي كلف ابنه إبراهيم باشا بقيادة حملة "1816-1818" نجحت في كل شيء، ما عدا إخضاع السعوديين، مؤكدا بذلك صحة توقعات مؤلف كتاب "تاريخ مصر في عهد محمد علي"، المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان حين قال: "لكن ذلك البلد... يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال .. ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، فما زال هناك أساس خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد".
كان مانجان صادقا في قراءته، فتلك الروح الخصبة مكنت أهل السعودية من تأسيس دولتهم الأولى، عام 1727، نحو نصف قرن، قبل إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1776. وقبل ولادة الجمهورية الفرنسية بستة عقود ونيف "1789". بذلك تكون الدولة السعودية بالمفهوم الحديث للدولة أقدم من فرنسا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية من حيث النشأة وأسبقية الظهور.
لا غرابة في الأمر، فالمصادر التاريخية تجمع على طبائع يتفرد بها سكان المنطقة، جعلت بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، تراجع حساباتها بشأن فكرة الغزو بعدما أحيطت علما بأنهم أسوأ عدو يمكن أن يقف بوجه التاج البريطاني، فالسعوديون أصحاب قدرات ومهارات في القتال، فضلا عن منسوب الوفاء للأسرة أو القائد. تساعد هذه المعطيات، على كشف سر النجاح وراء تحويل أراض شاسعة عبارة عن صحراء قاحلة إلى حضارة وتمدن وعطاء.
خصال عربية أصيلة لازمت مواطني المملكة قديما وحديثا، لدرجة تحولت معها البلاد إلى أرض لكل عربي، حتى قيل إن أصحاب الأرض أحرار ولا يقبلون سوى الأحرار. فاحتضنت مبكرا التيارات الفكرية في الوطن العربي، وكانت البداية مع أفكار القومية العربية الطامحة إلى الاستقلال، سعيا وراء حلم وطن عربي واحد. فلجأت أسماء من طينة المفكر اللبناني شكيب أرسلان إلى المملكة التي منحته الجنسية بعد دخولها، في عشرينيات القرن الماضي، ونقل عنه قوله: "منذ اللحظة التي وقفت فيها في أرض ميناء جدة، شعرت إنني عربي حر، في أرض عربية حرة غير خاضعة للأجنبي".
وتجاوزت المملكة مسألة احتضان الأفكار نحو الأشخاص من أقطار عربية مختلفة، في سابقة من نوعها، تكشف طينة ومعدن السعوديين قيادة وشعبا. فكانت قائمة من الأسماء أمثال: السوري خير الدين الزركلي الوزير والدبلوماسي ومندوب المملكة في جامعة الدول العربية. ذات السيناريو تكرر مع زميله، يوسف ياسين الذي تدرج بدوره في السلك الدبلوماسي. وأيضا المصري حافظ وهبة الذي تولى شؤون السلك الدبلوماسي بين المملكتين السعودية والبريطانية أيام الحرب العالمية الثانية.
محطات ومواقف من تاريخ مشرق لا ينبغي أبدا التفريط فيها، لا بل يلزم الحرص على التذكير بها باستمرار، وبنظيرتها، ما يزخر به سجل المملكة العربية السعودية العريقة، تقديرا وإجلالا لكل من أسهم، بقليل أو كثير، حتى تتحول الفكرة إلى حقيقة على الأرض السعودية. وتحفيزا لنفوس وإيقاظا للهمم، عند الشباب بالدرجة الأولى، قصد تفجير الطاقات الخامدة، بحثا عن موقع ودور تشارك من خلاله في استكمال فسيفساء لوحة وطن عزيز وغال.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من إصدارات الاقتصادية