إصدارات الاقتصادية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

مؤتمرات الملك عبدالعزيز .. ذاكرة الديمقراطية السعودية

ما زال في سيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وتاريخ المملكة، جوانب مشرقة لم تسلط عليها الأضواء، ولم يهتم بها الباحثون، ولم تتركز عليها الدراسات على الرغم من أهميتها الوطنية لارتباطها بالتاريخ السعودي الحديث ودلالتها على ملامح العبقرية السياسية الفذة لمؤسس المملكة وموحد أطرافها، بل صقر الجزيرة العربية وأكبر زعيم عربي مسلم ظهر في القرن الـ20، خاصة أن في سيرته أولويات تاريخية نادرة لا يصح تجاهلها، ومنها ما سنتناوله في هذه الإضمامة التي هي في الحقيقة ملخص لكتاب سينشر قريبا تحت عنوان "المؤتمرات الوطنية في عهد الملك عبدالعزيز"، وننشرها في ذكرى اليوم الوطني المجيد لبعث صفحات التاريخ الغائبة عن ذاكرة الأجيال وإحياء معلومات ظلت حبيسة الوثائق وحق لها أن تطلق لتحلق بأمجاد الوطن وإنجازات القيادة وولاء الشعب في كل مكان وزمان.
مجلس الشورى المفتوح
قد يتحدث الناس عن الديمقراطية الغربية دون وعي بمبادئ الشورى الإسلامية أو استحضار لتاريخنا الوطني الذي يشهد بما يفوق تلك الديمقراطية، وقد تبنى الملك عبدالعزيز سياسة الباب المفتوح والمجالس المفتوحة للتواصل المباشر بين الراعي والرعية، وهو نهج إسلامي مأثور، فمجالسه الخاصة والعامة تعقد يوميا، ومن يريد مقابلته لا يمنع عنه أبدا، وهو ملتزم بمواعيده لاستقبالهم التزاما دقيقا لدرجة أن موظفي ديوانه يضبطون ساعاتهم على حضوره هذه المجالس.
بل إن أمر هذا الاتصال المباشر تعدى المجالس واللقاءات والزيارات إلى درجة الإعلان وتوزيع البلاغات للمواطنين بوجوب رفع شكاواهم ومظالمهم مباشرة إلى الملك ضد أي كائن كان وتحذير الموظفين من محاولة التأثير في مسار الشكوى، حيث جاء في أحد التعاميم: "على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلما وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف في البريد أو البرق أن يتقبل الشكوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد الرعية عن تقديم شكواه مهما كانت قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب، لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد أو عدم نجدة مظلوم أو استخلاص حق مظلوم. ألا قد بلغت اللهم فاشهد".
وكان الملك عبدالعزيز بسيطا في عاداته ومجالسه، بعيدا عن البروتوكولات المتكلفة، صريحا في سياسة حكومته. وكان في استطاعة أي فرد من رعاياه أن يتحدث معه ويصارحه برأيه لا يحول دون ذلك حجاب، كما أن قراراته عموما لا تصدر إلا بعد استشارة وتبصر مع أركان الدولة ومستشاريها المكلفين ومع الخبراء والمتخصصين، إلا أنه كان حريصا على تطبيق مبدأ الشورى خصوصا في إدارة شؤون الدولة المهمة وفي معالجة القضايا الكبيرة، لأنه يرى أن رأي الجماعة أفضل من رأي الفرد، وكان له أساليب مختلفة في تطبيق هذا المبدأ واشتراك المواطنين فيه، فإما أن يتم ذلك عن طريق اجتماع يدعو إليه من يرى من الأعيان وإما عن طريق اجتماع سنوي بمن يفد إليه منهم أو بواسطة المجلس العام اليومي الذي لا ينحصر النظر فيه على مسألة معينة أو عن طريق اجتماع خاص يحضره عدد محدود. على أن هناك - كما يشير إبراهيم العتيبي وغيره من المصادر - تجمعا سنويا في الرياض هو بمنزلة مجلس عام يحضره الأعيان ورؤساء العشائر وأمراء الهجر من جميع أنحاء المملكة لمقابلة الملك وأخذ أعطياتهم السنوية، ويعد هذا التجمع أحد المحافل والمنتديات الإدارية والسياسية التي يتبارى فيه المجتمعون بإبداء آرائهم ويعرضون مطالبهم على الملك ويأخذون منه التوجيه. وشبيه بذلك تلك الجلسات اليومية العامة التي يعقدها الملك، وهي تمثل مجلسا عاما يوميا، لأنها عبارة عن ندوات إدارية يعالج فيها الحاضرون أمورهم وشؤونهم ثم يعرضونها على الملك، ومن خلال طرح تلك الآراء يستشف الملك رغبات واهتمامات أبناء وطنه.
وهكذا نرى أن هذا الاتصال المباشر للملك عبدالعزيز بأفراد شعبه - كما يشير العواجي والتويم في دراستهما عن الإدارة المحلية في عهده - إضافة إلى توثيقه الصلة بين الحاكم والمحكوم، ساعد الملك عبدالعزيز على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية بصفة عامة، كما استفاد منه كأداة فاعلة للرقابة الشعبية على المسؤولين والموظفين، إضافة إلى أنه أتاح الفرصة للنخب للمشاركة في طرح الآراء والأفكار، وشكل هذا الاتصال قنوات أساسية لمدخلات النظام السياسي والاجتماعي، حيث كان وسيلة للتعرف على مطالب المجتمع واحتياجاته، كما كان له أثر فاعل في تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الناس.
أما إذا حدثت حادثة خطيرة أو مسألة تترتب عليها مسؤوليات كبرى، فحينئذ تنعقد المؤتمرات الكبرى التي يطلق عليها عادة مسمى "الجمعية العمومية"، وتأتيها الوفود من أطراف المملكة للتباحث والمناقشة حولها مع الملك عبدالعزيز مباشرة، واتخاذ القرارات التي تصب في المصلحة العامة، ويسعى الملك إلى تنفيذها بحرص واهتمام.
المؤتمرات الوطنية/ الجمعيات العمومية
تشير المصادر الرسمية إلى أن الملك عبدالعزيز اعتاد منذ أن تولى الحكم على أن يدعو أهل الحل والعقد من شعبه لعقد جمعية عمومية تبحث في الأمور المهمة والمشكلات العظيمة، والاطلاع على الرأي العام فيما يجب عمله للبلاد والعباد، وذلك تبعا لكتاب الله وسنة رسوله وجريا على قاعدة السلف الصالح. وهذه الجمعيات تشبه المجالس النيابية التي تعقد في البلاد الأخرى من حيث الغاية والنتيجة وإن كانت تختلف عنها في شكلها، بيد أن الطريقة التي سار عليها جلالة الملك في الدعوة كانت أجدى وأضمن لمصالح البلاد من حيث نتائجها، لأن مقرراتها لا تؤخذ بالآراء كما هو جار في المجالس الأخرى، إنما تقوم مقرراتها على الحجج والبراهين، وهذه الطريقة التي سار عليها الملك عبدالعزيز في عقد الجمعيات العمومية تعد أقرب الطرق التي توصل إلى الغاية، وأي ديمقراطية أعظم من ديمقراطية يقف فيها الملك بين قومه فيخطب فيهم ويطلب منهم أن يحاسبوه على أعماله أو أن "يستقيلهم بيعتهم ويدعوهم للاجتماع لانتخاب ولي أمر لهم يسير بهم حسبما يجمعون عليه أمرهم في الخطة التي يرونها..."، كما حدث في الجمعية العمومية في الرياض عام 1929، ثم تجري المذاكرات في جو هادئ، فيخاطب الواحد منهم الملك باسمه فقط وبحرية تامة، الحقيقة أنه لم ير ولم يسمع في الماضي والحاضر أن مثل ذلك وقع إلا في أيام السلف الصالح. ولا ريب أن هذه المؤتمرات المتعددة وما كان يجري فيها من مباحثات ومذاكرات ومناقشات أظهرت للناس في ذلك الزمان أن الملك كان يحمل بين جنبيه غاية يصبو إلى تحقيقها، فهذه الغاية أن يعمل بكل قواه ما يعود بالخير والرفاهية على بلاده وشعبه، وكذلك تجلت للعالم منذ ذلك الحين عظمة الملك السياسية، وأنه عظيم بأوسع معاني الكلمة بعد أن ثبتت عظمته الحربية والإدارية، كما برهن في هذه المؤتمرات على عقليته الجبارة وذكائه الخارق وصراحته العالية، فهو إذا تكلم فيها تدفق كالسيل، ويقول بما يؤمن وبما يعتقد لا يخشى في الله لومة لائم، بأسلوب سهل ممتنع واستجلاء لما ترمي إليه النفس الكبيرة الفذة وببيان يأخذ بمجامع القلوب وبمعان يجيش بها صدر ذلك البطل الذي يضرب به المثل.
وما يجب بيانه أن هذه المؤتمرات العامة أو الاجتماعات العامة - التي بدأت في نجد قبل عشرينيات القرن الـ20 ثم انتقلت إلى الحجاز لاحقا - لا تنعقد إلا بأمر الملك عبدالعزيز وتخطيطه، إذ رأى ضرورة لعقدها، فيقوم بدعوة الأمراء والعلماء ورؤساء العشائر وأمراء المدن والهجر والوجهاء والأعيان والقادة إلى مكان معين في موعد محدد، وربما ألمح إلى سبب الاجتماع، وبعد انعقاد الاجتماع يشرح لهم موضوعه وأسبابه وأهدافه ويترك لهم حرية النقاش والحوار، وإذا كان الأمر يستدعي فتوى أو رأي شرعي أحالهم للعلماء ليحاوروا المجتمعين ويقنعونهم بالأحكام الشرعية كما وردت في القرآن والسنة، فإذا اتفق المجتمعون أو تقاربت وجهات نظرهم - كما هو المعتاد في مثل هذه الاجتماعات التي هدفها المصلحة العامة، فإن الملك يتخذ قراره ويصدر تعليماته بتنفيذها فورا.
وذكر محمد جلال كشك أن الملك عبدالعزيز أول حاكم عربي عمل بأسلوب المؤتمرات العامة لمناقشة القضايا العامة للدولة والخلافات الداخلية، وقال: "إذا كانت المؤتمرات الحزبية والشعبية قد تفشت من بعده فقد بقي فضله أنه كان يبيح المعارضة والمناقشة فيها، ويطلب من المؤتمرين أن يواجهوه باعتراضاتهم، وما زال الشوط بعيدا حتى نرى ذلك في مؤتمراتنا. وكانت له جمعية عمومية تضم القيادات كافة، يعقدها كلما واجهت الحركة موقفا خطيرا أو أرادت اتخاذ قرار مصيري، وهو إلى جانب هذا يجمع ذوي الحل والعقد في البلاد في قصره في كل مناسبة، ويدعوهم إلى التناصح ومناصرة الضعيف...".
عدد المؤتمرات ومراحلها
لا يمكن الجزم بعدد دقيق محدد للمؤتمرات الوطنية العامة التي عقدت في عهد الملك عبدالعزيز، على أننا بعد مراجعة المصادر التاريخية رصدنا خلال الفترة من 1918 إلى 1942، نحو 18 مؤتمرا وطنيا، وهو عدد كاف للدلالة على أهدافها وآثارها وآليتها، وجاء تقسيمها على ثلاث مراحل من تاريخ المملكة.
ومن أمثلة الاجتماعات التي عقدت في نجد في المرحلة الأولى مؤتمر الرياض عام 1919، الذي عقد لمناقشة خلاف فكري، ومعالجة بعض الشبه التي أدت إثارتها إلى شيء من التشدد والفتنة بين الناس وصدر على أثره فتوى رسمية بمخالفتها تلك للشرع مع تأييد الملك فتوى العلماء ووجوب الرجوع فيما يشكل من الأحكام الشرعية إلى العلماء المعينين للفتوى وعدم الاستماع لغيرهم من مدعي العلم. ومؤتمر الرياض عام 1924، وتم فيه الموافقة على قرار الزحف إلى الحجاز.
أما المرحلة الثانية، فإن المؤتمرات الوطنية العامة لم تعد حصرا على نجد، بل أصبحت تعقد في نجد لأهل نجد، وفي الحجاز لأهل الحجاز، ومن أمثلتها في نجد مؤتمر الرياض عام 1927، الذي نتج عنه إعلان تحويل نجد من سلطنة إلى مملكة، وصدر الأمر الملكي مؤكدا أن القرار جاء: "بناء على ما عرضه علينا أهل الحل والعقد من رعايانا في سلطنة نجد وملحقاتها"، ومؤتمر بريدة عام 1928، ومؤتمر الدوادمي عام 1929، ومن أمثلة مؤتمرات تلك المرحلة في الحجاز الجمعية العمومية في مكة المكرمة عام 1927، والمؤتمر الوطني الأول في مكة المكرمة 1931.
أما مؤتمرات المرحلة الثالثة، فمن أمثلتها مؤتمر الرياض عام 1938، الذي تقرر فيه تأسيس مجلس أعلى للدولة وتكوين قيادة عليا للقوات العسكرية برئاسة ولي العهد. وكذلك الاجتماع الشعبي العام في الطائف عام 1941.
أماكن المؤتمرات
فيما اقتصرت اجتماعات المرحلة الأولى على نجد، فإن الاجتماعات الخمسة التي رصدناها عقدت كلها في الرياض ما عدا مؤتمر واحد عقد في بريدة، أما مؤتمرات المرحلة الثانية التي بلغت تسعة مؤتمرات، فقد عقد ثلاثة منها في الحجاز وضعفها في نجد، فيما توزعت مؤتمرات المرحلة الثالثة مناصفة بين الحجاز ونجد، وقد توزعت المؤتمرات على المدن في المراحل الثلاث.
وأما مقار المؤتمرات فتختلف حسب الظروف والإمكانات المتوافرة، فقد يكون الاجتماع في مخيمات وسرادقات تنصب في إحدى الجهات - كما حدث في المؤتمر الذي عقد في عتيقة جنوب الرياض أو في مؤتمر الدوادمي أو في مؤتمر الشعراء، وقد يقام الاجتماع في إحد القصور في الرياض، مثل قصر الإمام عبدالرحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز، الذي عقد فيه مؤتمر 1924، وقد يقام في إحدى المزارع كما حدث في مؤتمر الطائف 1941، الذي عقد في مزرعة "الحوية"، وقد يقام في أحد القصور الملكية في الرياض أو مكة المكرمة.
المؤتمرات الكبرى

1- مؤتمر الرياض 1919:
بعد مرور أعوام على إنشاء الهجر وتوطين البادية بدأت تظهر بوادر من التشدد الديني نتيجة إثارة بعض الشبه من قبل بعض مدعي العلم والدعاة الذين كانوا يلبسون على الجهلة ويفسرون الآيات والأحاديث على غير ما أنزلت عليه الأمر الذي ولد إشكاليات أدت إلى خلافات، فتدارك الملك عبدالعزيز ذلك بالدعوة إلى عقد مؤتمر لحل هذه المسائل وقطع دابر الخلاف حولها على يد العلماء الراسخين في العلم، والذين أجابوا عن الأسئلة المشكلة التي أحالها إليهم الملك عبدالعزيز، وقرروا أن جميع هذه الأمور مخالفة للشرع ويجب تأديب من يصر على فعلها بعد استتابته. ثم صدر أمر من السلطان بتأييد فتوى العلماء ووجوب الرجوع فيما يشكل من الأحكام الشرعية إلى العلماء المعينين من قبل ولي الأمر وعدم استفتاء غيرهم أو الأخذ بكلام أحد من المدعين، وأن من يخالف ذلك لا يأمن العقوبة. فكان لهذا القرار أثره في كبح جماح الغلو والتطرف.
2 - مؤتمر الرياض 1924:
كانت الخلافات بين سلطان نجد عبدالعزيز، وبين ملك الحجاز الشريف حسين، قد بلغت مداها، خاصة بعد منع الشريف أهل نجد من الحج عدة أعوام، لكن سلطان نجد كان يتحاشى الحل العسكري جنوحا إلى السلم وحقنا للدماء، ولأجل معالجة هذا الوضع السياسي الشائك اجتمع في قصر الإمام عبدالرحمن والد سلطان نجد وملحقاتها في يونيو من عام 1924، جمع من العلماء والأعيان ورؤساء الأجناد، فمن العلماء الشيخ سعد بن عتيق والشيخ محمد بن عبداللطيف والشيخ سليمان بن سحمان والشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف والشيخ صالح بن عبدالعزيز والشيخ عبدالله بن حسن، ومن رؤساء الأجناد والهجر والقبائل سلطان بن بجاد بن حميد وابن ربيعان والدويش وحزام بن هزاع بن عمر وفيصل بن حشر وابن عبود وابن سعيدان وابن نحيت والذويبي والفرم وابن مضيان، وغيرهم. وافتتح الاجتماع الإمام عبدالرحمن موجها كلامه للعلماء والإخوان فقال: "لقد جاءني كتب عديدة من الإخوان يطلبون الغزو والحج، وهذه الكتب قد أرسلتها في حينها إلى ولدنا عبدالعزيز - حفظه الله - وها هو اليوم أمامكم، فاسألوه عن كل ما يبدو لكم". ثم تكلم عبدالعزيز، مؤكدا أنه لم يمنعهم من الغزو إلا حقنا للدماء، ولكن في كل الأحوال للصبر حدود. فتحدث ابن بجاد مبديا رغبة أهل نجد في الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام، ومؤكدا أن مكة حرم الله وليست ملكا لأحد، وأنهم يريدون الحج، فإن منعهم الشريف دخلوا بالقوة، فإن كان ولا بد من تأخير الحج هذا العام فلا بد من غزو الحجاز وتخليصه من يد الشريف. فرد السلطان بأن مسألة الحج يرجع الفصل فيها للعلماء، ليتحدث الشيخ سعد بن عتيق مؤكدا أن الحج ركن من أركان الإسلام، ولكن النظر في المصالح والمفاسد وتقديرها عند السلطان. فأجاب السلطان بأنه سعى من مدة طويلة للسلام مع الأشراف، "لكن الشريف لا يبادلنا الشعور، بل يبث الخلاف بين عشائرنا، ولم يكفه ادعاء الزعامة على العرب، بل لقب نفسه بأمير المؤمنين، أما الحج فلا أراه هذه السنة في مصلحتكم وأنه لا يجيز لهم الاستيلاء على إحدى المدن المقدسة". فأفتى العلماء بتأخير فريضة الحج حتى لا تحدث فتنة في بلد الله الحرام. ولكن ابن بجاد ومن معه طلبوا إباحة الغزو لعشائر الشريف، فقيل لهم إن هذه أشهر حرم اتركوا الغزو فيها حتى تمضي، فإذا مضت فسينظر ما فيه مصلحة، ثم انفض الاجتماع، وسافر كل زعيم إلى هجرته ليخبر قومه بنتائج الاجتماع، وهي النتائج التي أدت في النهاية إلى ضم الحجاز.
3 - مؤتمر الرياض 1927:
بعد اكتمال توحيد الحجاز في عام 1925 ثم مبايعة الملك عبدالعزيز ملكا على الحجاز في عام 1926، أصبح لقبه الرسمي "ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها"، وقد ظل الملك عبدالعزيز مقيما في الحجاز لمتابعة الإصلاحات الحكومية هناك، وبعد استقرار الأوضاع رجع إلى نجد، وبمجرد وصوله إلى الرياض تقاطرت إليه الوفود من سائر الأنحاء، وعقدت هذه الوفود من أهل الحل والعقد مجلسا حافلا ضم ممثلي مقاطعات السلطنة النجدية وملحقاتها كافة في 25 رجب عام 1345هـ، تحت رئاسة الإمام عبدالرحمن الفيصل، وقرر المجتمعون وهم أهل العقد والحل، جعل السلطنة النجدية وملحقاتها مملكة باسم "المملكة النجدية وملحقاتها"، والمناداة بحضرة الملك عبدالعزيز ملكا عليها، ثم رفعوا الأمر إلى الملك عبدالعزيز ملتمسين الموافقة عليه، فوافق الملك على مقرراتهم وأصدر أمرا بذلك وأن يكون لقبه "ملك الحجاز ونجد وملحقاتها"، وقد صدر بلاغ عام بذلك تحت توقيع النائب العام لجلالة الملك في الحجاز في 29 رمضان 1345هـ، وأقيم بهذه المناسبة احتفال رسمي في مكة المكرمة وصدرت لتوثيقه طوابع تذكارية.
4 - مؤتمر الرياض 1927:
كان المؤتمر الذي عقد في أواخر رجب قد اقتصر على قرار إعلان ملكية نجد ثم انفض بسبب قرب رمضان وانشغال الوفود بالعبادة والطاعة، وبعد عيد الفطر أرسل جلالة الملك لرؤساء العشائر النجدية وأمراء الهجر للاجتماع، فبلغ عدد الذين حضروا ثلاثة آلاف شخص، كان في مقدمتهم فيصل الدويش وابن بجاد وجميع مشايخ عتيبة ومطير ورؤسائهم وجميع رؤساء قحطان وشمر وحرب والعجمان وآل مرة وعنزة والدواسر وسبيع والسهول وبني هاجر وبني خالد والعوازم، وغيرهم من رؤساء وقرناء للرؤساء من أهل نجد، وقد عقد الملك لهذا الجمع مجلسا، ولما اكتمل جمعهم تكلم الملك مذكرا بتمسكه بالعقيدة الصحيحة والتزامه بالشريعة، وأنه ربما وقع في خاطر بعضهم إشكال بأنه ترك بعض الأمور لمصلحة دنيوية أو تهاون، وهذا كلام غير صحيح.
فأجابوه متفقين بأن الله قد هداهم للدين الصحيح وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا عدوانا يقتل بعضهم بعضا، بسبب الملك وجهوده، وأنهم باذلو أنفسهم في طاعة الله والرسول ثم طاعة الملك ما زال ملتزما بالشرع، وأنهم ما تغيرت خواطرهم إلا مخافة عليه من الركون لأمور الدنيا وترك أمر الله، لأنه إن هلك هلكوا، وأن تقويم كلمة التوحيد سبب النصر، وأن لهم في رسول الله أسوة حسنة. وأنهم ما اجتمعوا إلا على كلمة الإخلاص وتوحيد الله والنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن رضا الله في تقويم أوامره ولا يريدون غير ذلك. فأجابهم: "نعم كل ما تقولون هو الحق، وهذا الذي حببني فيكم وجعلني أجعلكم حاشيتي وخاصتي، فكونوا آمنين مطمئنين وأعطيكم عهدا أني أقوم أوامر الله وما شرعه، وأنا لم أتغير، ولكن ما معصوم إلا محمد، وأعدكم بثلاث: الأولى لا تأخذني في الله لومة لائم، والثانية أنني لا أغدركم إن شاء الله لا في أمر دينكم ولا في أمر دنياكم، والثالثة أنني أنصح لكم، كبيركم وصغيركم، كبيركم مثل والدي ومتوسطكم مثل أخي وصغيركم مثل ولدي، ولا أدين الله إلا بالنصح لكم في السر والعلانية في أمر دينكم ودنياكم". فتأثروا جميعا وقاموا يعاهدونه عهدا جديدا قائلين: "نعاهدك على كتاب الله وسنة رسوله وما فرضه الله لك علينا ورسوله، وأن نقوم به على الكره والرضا وعلى الجد والعجز، وأننا نسمع ونطيع لك ولمن ولاه الله أمرنا بعدك". فأجابهم الملك: "شكر الله سعيكم، وهذا أملي بالله ثم بكم"، وانفض المجلس على ذلك. وكان لهذه النتيجة أحسن الأثر في سائر أنحاء نجد.
5 - الجمعية العمومية في مكة المكرمة 1927:
لاحظ الملك عبدالعزيز بعد استقرار الأمور أن أوضاع وتشكيلات المحاكم الشرعية والأوقاف والمعارف في الحجاز عموما، وفي مكة المكرمة خصوصا، تحتاج إلى إصلاح شامل، نظرا إلى ارتباطها الوثيق بمصالح العباد والبلاد، ولأنها سبب من أسباب إقامة العدل وترقي المجتمع، ثم رأى بثاقب نظره وسعة أفقه أن معالجة أوضاع هذه الدوائر وحل مشكلاتها يحتاج إلى دراسة عميقة وبحث دقيق يشارك فيه أهل الفضل والمعرفة ممن لهم خبرة أو ممارسة في هذه المسائل لتكون معالجتها على أساس متين. وعلى عادته، لم يشأ أن يبت في هذا الأمر قبل الوقوف على آراء ذوي المكانة والرأي من أهل البلاد، لأنها من المسائل التي لها صلة مباشرة بمصالحهم، فأصدر أمره بدعوة فريق من العلماء وأهل الخبرة والفضل لعقد جمعية عمومية يشترك فيها أيضا أعضاء مجلس الشورى ولجنة التفتيش والإصلاح للبحث والمذاكرة في هذه الأمور. وقد انعقدت الجمعية في صباح السبت 1 صفر 1346هـ في الديوان الملكي في جياد، وحضرها 40 شخصا من العلماء والمفكرين عدا رجال مجلس الشورى ولجنة التفتيش والإصلاح، فافتتح الملك الاجتماع بكلمات مؤثرة دلت على شدة تمسكه بحكم الشورى وقال: "إنني ما زلت أتحين الفرص في كل وقت وحين لأشرك الشعب في الأمور التي له علاقة بها، ولاستشارة ذوي الرأي والاختصاص في كل قضية من القضايا العامة، ليأتي الحكم فيها بالمطلوب، وتجني البلاد من ورائه الفائدة المتوخاة"، ثم شرح لهم سبب الجمعية، وحدد لهم العناصر المطلوب مناقشتها والتقرير حولها، وهي: "النظر في شؤون المحكمة الشرعية وترتيبها على الوجه المطابق للشرع، على أن يكون القضاء غير مقيد بمذهب مخصوص - النظر في حالة الحرم الشريف والعناية بأمره - النظر في تكوين هيئة للنظارة على الأوقاف - توحيد نظام التدريس - وضع نظام عام للتعليم - جمع الكتب الموقوفة في مكتبة واحدة وإصلاحها - النظر في تشكيلات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وضع الملك هذه الأمور للبحث وطلب من الحاضرين مناقشتها وتبيان آرائهم حولها ثم غادر مكان الاجتماع ليترك مجالا للحاضرين للبحث بكل حرية ووضوح، فطالت بين الحاضرين المذاكرة ثم قرروا تشكيل ثلاث لجان فرعية تتولى كل منها درس مسألة محددة من هذه المسائل المهمة لإنجاز العمل بأسرع ما يمكن، ثم تعرض اللجان ما توصلت إليه على الجمعية لمناقشته والبت فيه ثم رفعه إلى الملك، لينفض الاجتماع على أن تعود الجمعية للاجتماع بعد أن تنتهي اللجان من أعمالها. ثم أن الجمعية بعد نحو عشرة أيام عادت لعقد اجتماعاتها للنظر في التقارير التي وضعتها لجانها الفرعية، وقد جرت مناقشات طويلة في هذا الصدد، ثم وضعت نص التقارير المتعلقة بالمحاكم الشرعية والأوقاف والحرم وتوحيد برنامج التعليم، وغيرها من المسائل ورفعتها إلى الملك ليصدر أمرا ملكيا بنظام تشكيلات المحاكم الشرعية في 14 صفر 1346هـ، كتب في ديباجته ما نصه: "نحن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.. بناء على ما عرضته علينا الجمعية العمومية المكلفة بالنظر في أوضاع المحاكم الشرعية والأوقاف والحرم الشريف والمعارف وهيئات الأمر بالمعروف، أصدرنا أمرنا بما هو آت: ..."، كما صدر في التاريخ نفسه وبناء على قرارات الجمعية، صدرت أوامر ملكية أخرى بشأن تشكيل هيئة مراقبة القضاء وتشكيل مجلس إدارة الحرم وتعليمات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشكيلها ونظام توحيد مناهج التعليم ونظام الأوقاف والحرم.

6 - الجمعية العمومية في الرياض 1928:
كان الملك عبدالعزيز قبل سفره من نجد إلى الحجاز في آخر أبريل 1928 قد عمل على تهدئة ثائرة أهل نجد بسبب نقض العراق لبروتوكول العقير ببناء الحصون على أطراف الحدود العراقية - النجدية وتعدي الطائرات البريطانية داخل حدود نجد وقصفها الأبرياء من النساء والأطفال، مؤكدا لرعاياه أولئك سعيه الحثيث إلى معالجة جميع المشكلات عن طريق المفاوضات السياسية، مؤملا حلها من هذا الطريق، وبالفعل فما أن وصل إلى الحجاز حتى بادر إلى الالتقاء بالبعثة البريطانية التي يرأسها جلبرت كلايتون في جدة، وبالفعل بدأت المفاوضات لأجل تسوية تلك المسائل العالقة وجرت المباحثات الجادة بين الطرفين، ولكن بسبب حلول موسم الحج توقفت المفاوضات ثم تم استئنافها بعد نهاية الحج، لكنها لم تسفر عن نتيجة إيجابية، بل إنه بينما كانت المفاوضات جارية قامت الطائرات البريطانية باجتياز الحدود وإلقاء القنابل على القبائل النجدية، وكأن المقصود بهذا الفعل تعكير المفاوضات وعرقلتها! وقد نشرت حكومة نجد والحجاز بلاغا من دائرة المطبوعات يوضح ذلك، مؤكدة أنها ما زالت تسير في معاملتها مع جيرانها حسبما تمليه عليها روح الوفاق طبقا لنصوص المعاهدات المعقودة. ولا شك أن انقطاع المفاوضات دون نتيجة وضع الملك في موقف صعب، وكان القبض على أزمة الأمور على الحدود من المهمات الشاقة جدا. ومع ذلك، توجه الملك عبدالعزيز إلى نجد في هذه الرحلة عازما كل العزم على السعي على منع أي حوادث على الحدود ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وملخصا لحكومة العراق موقفه بأنه إما أن تعد العهود المعقودة نافذة على وجهها فتهدم القصور المشؤومة ويعمل بالعهود كما وردت فيكون في هذه الحال متعهدا ومسؤولا عن كل حادث يقع على العراق ويمنع كل شيء بالقوة، وإما أن يظل من في العراق على استرسالهم في إصرارهم على نقضهم ونكثهم، وفي ذلك يكون في حل من كل عهد ولا يرى نفسه مسؤولا عن أي حادث يقع على العراق بسبب ما ينتج من ذلك النقض والنكث.
لما عاد الملك عبدالعزيز من الحجاز دون تحقيق نتائج ملموسة تنزع فتيل الأزمة مع العراق حول المخافر المقامة على الحدود، كان أول عمل قام به بعد وصوله إلى الرياض هو توجيه دعوة عامة دعا فيها زعماء نجد وأهل العقل والرأي من أهل الحاضرة وسكان الهجر والبادية كافة إلى اجتماع عام ليبسط لهم حقيقة الموقف الحاضر، ليتخذ الجميع بعد ذلك قرارا كاملا في المنهج الذي تسير نجد عليه في سياستها الداخلية والخارجية، ومع أنه قد سبق للملك أن عقد اجتماعات عامة عديدة قبل هذا الاجتماع، إلا أن الدعوات لم تكن تعم هذا الجمع الكبير من الناس، ولم يكن الموقف بهذا الشكل، وقد بدأت الوفود تنحدر من سائر الجهات إلى الرياض، بينما وصل أول أفواجهم في آخر سبتمبر 1928.
على ضوء هذه العوامل، انشغل الملك عبدالعزيز بعد ذلك بالترتيب للاجتماع الكبير الذي أطلق عليه لاحقا اسم "الجمعية العمومية" بعد أن رأى أن الأمور دخلت منعطفات الخطر الذي لا يريد تحمل مسؤولية نتائجه وحده بصفته القائد، بل رأى أن يكون واحدا من أفراد شعبه يتحمل من المسؤولية ما يتحمله أدناهم، لذلك فإن الملك عبدالعزيز في دعوته لأهل نجد للاجتماع صدمهم بإشارته إلى أن هدف الاجتماع الرئيس انتخاب "ولي أمر" لهم يسير بهم حسب ما يجمعون عليه أمرهم وهو واحد منهم! فضجت نجد بذلك الكتاب حزنا وألما، فيما تم تأخير موعد الاجتماع المحدد نحوا من الشهر حتى يتمكن جميع المدعوين من الحضور.
وعندما وصلت الوفود التي بلغت نحو 25 ألفا إلى الرياض، اختير من بين هذه الجموع العلماء والأمراء والرؤساء والقادة، فبلغ عددهم نحو 800، فكان الاجتماع في صباح الإثنين الخامس من نوفمبر 1928، إذ ألقى الملك عبدالعزيز في المجتمعين خطابا مؤثرا، جاء فيه: "إنني لم أجمعكم، اليوم، في هذا المكان، خوفا أو رهبا من أحد منكم، فقد كنت وحدي من قبل، وليس لي مساعد إلا الله، فما باليت بالجموع، والله هو الذي نصرني، وإنما جمعتكم، كما قلت لكم، خوفا من ربي، ومخافة من نفسي أن يصيبها زهو أو استكبار. جمعتكم، هنا، في هذا المكان، لأمر واحد، ولا أجيز لأحد أن يتكلم، هنا، في غيره، ذلك هو النظر في أمر شخصي وحدي. فينبغي أن تجتنبوا، في هذا المجلس، الشذوذ عن هذا الموضوع. ولا أبيح لأحد أن يخاصم، في هذا المجلس، أحدا في رأيه، ولو أخطأ، فالجميع أحرار فيما يتكلمون به في هذا الموضوع. أما الأشياء الخارجة عن هذا، فسأعين لكم اجتماعات، خاصة وعامة، في غير هذا الاجتماع العلني، ننظر فيها بجميع الشؤون، التي ينبغي النظر فيها من سائر شؤوننا، أريد منكم أن تنظروا، أولا، فيمن يتولى أمركم غيري، وهؤلاء أفراد العائلة أمامكم، فاختاروا واحدا منهم. ومن اتفقتم عليه، فأنا أقره وأساعده..."، فأجمعت كلمة المجتمعين بإصرار على رفض هذه الفكرة مطلقا وعدم منازعته في الأمر، مؤكدين أنهم لا يرضون عنه بديلا، وجرت المكاشفة الصريحة في بعض الأمور التي رد الحكم فيها إلى العلماء، وكان أهمها إعلان السخط العام حول بناء الحصون العراقية على الحدود والمطالبة بإزالتها ومسألة الغزو، فطلب الملك انتخاب 50 رجلا لمناقشة هذه القضية في مجلس خاص، ثم قام المجتمعون جماعة جماعة يجددون البيعة لإمامهم على السمع والطاعة، فانصرف الملك بعد انفضاض الجمعية إلى معالجة الأمور بحزم للسيطرة على الأمور المتوترة على الحدود بعد أن استوثق بأن قلوب أهل نجد معه وسيوفهم في يده لاتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة، وما هي إلا خمسة أشهر حتى بلغه وهو في الرياض خبر الاعتداء على بعض رعايا المملكة الذين هم في ذمة الملك وعهدته من قبل بعض سكان الهجر الذين كانوا يصرون على غزو العراق وقبائل الحدود دون إذن الملك، فكان لهذا الخبر وقعه السيء على الملك وعلى أهل نجد، فكانت مقررات الجمعية العمومية الميثاق بينه وبين شعبه للقضاء على الفتنة وحسم فوضى مخالفة الأحكام الشرعية والخروج على طاعة ولي الأمر، فحمل عليهم بقواته، وما هي إلا نصف ساعة حتى انكشف القوم وانتصر الملك وجنوده في معركة السبلة الفاصلة يوم السبت 30 مارس 1929، ويرى كثير من المؤرخين أن لهذه المعركة أثرها الكبير في نزع فتيل الغلو وإطفاء الفتن واستمرار التطور الاجتماعي والبناء الحضاري في جزيرة العرب.
7 - المؤتمر الوطني الأول في مكة المكرمة 1931:
ومن منطلق تحقيق مبدأ الشورى الذي نهجه الملك عبدالعزيز للوقوف على آراء الشعب لإقامة العدل ورفع المظالم ومعرفة احتياجات البلاد معرفة حقيقية وتفقد حالة الرعية تفقدا أكيدا في سبيل ترقية البلاد لتنعم وأهلها بالأمن والطمأنينة وبالرفاهية والسعادة، فقد قرر في مطلع عام 1350هـ عقد مؤتمر وطني في الحجاز، وكان من أهم أهداف هذا المؤتمر البحث أولا في الطريقة الصحيحة لإقامة شعائر الدين وصيانة الأخلاق وإقامة الشريعة. وثانيا، النظر فيما يؤمن العدل والإنصاف بين الناس. وثالثا، النظر في إصلاح حالة البلاد الاقتصادية والعمرانية على أن يعقد هذا المؤتمر في شهر المحرم من كل عام.
وبالفعل، وجهت الدعوة إلى أهل العلم وأصحاب الرأي من أهل الحل والعقد في جميع بلدان الحجاز وملحقاتها لانتخاب عدد معين من كل بلد من غير الموظفين الحكوميين للمشاركة في هذا المؤتمر الوطني الذي يبحث في مصلحة الحجاز وأهله، وأذاعت الحكومة بلاغا عاما في 14 المحرم 1350هـ وزعته على الأهالي لتقديم مقترحاتهم ومعلوماتهم إلى المؤتمر بصورة كتابية وفق شروط حددتها.
وافتتح الملك عبدالعزيز المؤتمر في القاعة الكبرى في القصر الملكي في مكة المكرمة بحضور مندوبي مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع، إضافة إلى أعضاء مجلس الشورى ومندوبي الحكومة في مساء يوم الثلاثاء 15 المحرم 1350 هـ، بخطاب استمر أكثر من ساعة ونصف، ثم أمر سكرتيره الخاص يوسف ياسين بتلاوة برنامج المؤتمر وأعماله، ومن بينها المواضيع التي تقترحها الحكومة للبحث وتتلخص في ترتيبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنظيم القضاء وطرق تأمين سير العدالة وإنجاز معاملات الناس وقضاياهم، والمسائل الاقتصادية وطرق معالجتها بالطرق الحكيمة، ومسائل الحج والمطوفين والوكلاء، فيما كان للمؤتمر الحرية في البحث في كل ما يرى فيه منفعة عامة أو دفعا لضرر. وقد انتخب المؤتمر الشيخ محمد المرزوقي رئيسا وصالح شطا نائبا للرئيس وأحمد الغزاوي سكرتيرا، ثم عقدت الجلسة الأولى للمؤتمر وشكلت خلالها ثلاث لجان للمؤتمر، الأولى: لجنة الأمر بالمعروف وشؤون الحج والمطوفين برئاسة محمد نصيف، والثانية: لجنة القضاء برئاسة محمد المرزوقي، والثالثة: لجنة المسائل العمومية برئاسة عبدالله الشيبي، ليعقد المؤتمر في صباح اليوم التالي جلسته الثانية في بهو ديوان النيابة العامة بدار الحكومة، وقرر بالإجماع رفع شكره للملك على عقد هذا المؤتمر الوطني وإتاحة الفرصة للشعب للمشاركة في قضايا بلاده ومعالجة مشكلاتها، مؤكدا حرص المؤتمر على تنفيذ تعليمات الملك وإنجاز الأعمال لما فيه مصلحة البلاد ورفع النتائج للملك في أسرع وقت. لينتقل مكان المؤتمر بعد ذلك إلى قصر ذوي غالب في أجياد، وشرع في عقد جلستين في كل يوم.
وفي صباح الخميس 24 المحرم 1350 عقدت الجلسة الختامية للمؤتمر، وتم إقرار التقرير في المواضيع والأبحاث التي تناولها المؤتمر، ليقدم التقرير في مساء اليوم نفسه إلى الملك عبدالعزيز، الذي تناوله من رئيس المؤتمر، مثنيا على همة الأعضاء، متمنيا لهم وللأمة التوفيق في خدمة المصالح العامة، واعدا إياهم النظر في مقررات المؤتمر وتنفيذها بتقديم الأهم منها على المهم بعد درسها وفحصها، فيما نشرت الجريدة الرسمية التقرير على صفحاتها ليطلع عليه الجميع.
8 - مؤتمر الرياض 1938:
عقد الملك عبدالعزيز بعد عودته من الحجاز في النصف الأول من عام 1938 مؤتمرا في الرياض حضره أمراء العائلة المالكة والعلماء وكبار القادة وأهل الرأي، وقد رأس الملك عبدالعزيز المؤتمر، فاستعرض أمام الحاضرين الموقف الداخلي والموقف الخارجي، وأبان للجميع وجوب الحذر واليقظة وأخذ العدة التي أمر بها القرآن، وأبدى ضرورة النظر في أمرين لحفظ كيان الدولة في الداخل والخارج:
الأول: تأسيس مجلس أعلى للدولة يؤلف طبق نظام خاص ينظر في الأمور العامة التي لها أساس بكيان الدولة وحفظها.
والآخر: النظر في التشكيلات العسكرية وجعلها في نظام جديد غير نظامها الحاضر، يجعل الفائدة من القوات في نجد أعظم فعلا وأشد تأثيرا في الملمات، وذلك لا يكون إلا بتدريب الجنود تدريبا فنيا في ثكنات خاصة بهم، بحيث يكون تحت التدريب الدائم بضع عشرات من الألوف تتحرك بأمر قائدها الأعلى إلى أي جهة من الجهات تسندها باقي القوات الاحتياطية الأخرى المدخرة في البلاد.
وقد أبدى الملك بأنه لم يمنعه في السابق من إخراج هذا الاقتراح إلى حيز الوجود إلا ما كان يعترض هذا المشروع من العجز المالي في واردات الدولة، ونظرا إلى اعتقاده بانفراج الأزمة بفضل ما ينتظر أن يرد للميزانية من حاصلات الإنتاج الاقتصادي في هذه البلاد، فإنه يرى وجوب المبادرة إلى هذا العمل.
وقد تقبل الجميع بيانات الملك بكثير من الغبطة والسرور، وأيدوا اقتراحاته ووافقوا عليها بالإجماع، ولذلك صدر أمره بعد المؤتمر بإعداد العدة اللازمة لإنفاذ هذين الاقتراحين.
9 - الاجتماع الشعبي العام في الطائف 1941:
أصدر الملك عبدالعزيز أمره على نائبه العام في الحجاز الأمير فيصل بن عبدالعزيز في منتصف عام 1941 تقريبا بعقد اجتماع عام برئاسته وبحضور العلماء والأعيان ورؤساء الموظفين في هذه البلاد، وقد صدع الأمير بالأمر، فوجهت رقاع الدعوة لحضور هذا الاجتماع، وأعدت مزرعة "الحوية" بقرب الطائف لتكون مقرا لهذا الاجتماع، وأعدت السيارات لنقل المدعوين من مكة وجدة والطائف إلى مكان الاجتماع، وما وافى أصيل يوم الجمعة 30 رجب 1360هـ حتى كانت الحوية زاخرة بالوفود، وبعد صلاة العشاء نهضوا بمعية الأمير إلى السرادق المعد لعقد هذا الاجتماع العام، فاستهل الأمير فيصل حديثه بإيضاح الأهداف الإصلاحية السامية التي يرمي إليها الملك ويدعو أمته إلى امتثالها لتنال خيري الدنيا والآخرة، وأفاض الأمير في هذا الموضوع ليوضح الغاية النبيلة التي من أجلها عقد الاجتماع، ألا وهي العناية التامة بالتزام أفراد الشعب بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ثم أمر سموه بتلاوة المنشور الملكي الكريم الذي يتضمن نصائح الملك وإرشاداته لأفراد شعبه، كما تضمن توضيحا لأسباب الاجتماع التي تتمثل في اطلاعهم ومشاورتهم حتى يكونوا على بصيرة، كما تتمثل في مساعدتهم، لأنهم أدرى بمصالحهم. وتضمن المنشور تحقيق ثلاثة أمور طلبها الملك: الأول المبايعة للنائب العام على القيام بنصرة الله وإعلاء كلمته وألا تأخذهم في الحق لومة لائم. الثاني: بذل النصيحة للأقارب والجيران والإخوان، فمن تاب تاب الله عليه ومن أبى تقوم عليه الحجة وينفذ فيه أمر الله. والثالث: اجتماع هيئة من الرجال، أهل الدين والعقل، ويجتمع عندهم العدد الذي يريدون من عسكر وقوة لإنفاذ أمرهم، وتسمى هيئة التمييز. ثم عقب الأمير فيصل بكلمة عبر فيها عن أن محبة الملك لشعبه وحرصه عليهم هو الذي دفعه لبذل النصح الخالص لهم ليكونوا على نهج السلف الصالح. ثم كتب المدعوون جواب السمع والطاعة لأمر الملك بعد تناول كل منهم نسخة من ذلك المنشور وفهموا ما جاء فيه، وانفض الاجتماع والألسن والقلوب تلهج بالدعاء للملك بالنصر والتمكين.
الخاتمة
نلاحظ من خلال ما استعرضناه في هذه الإضمامة وجود معلومات نادرة ربما تثير علامات التعجب لدى كثير من القراء غير المتخصصين، خاصة من جيل الشباب، وليعلموا أنها معلومات تاريخية موثقة من أعلى المصادر التاريخية، ولكن عليهم أن يستشعروا عظمة وطنهم وعظمة حكامهم وتاريخهم المجيد، وليتأكدوا أن الملك الموحد صعد نجمه في زمن كانت حركة التاريخ تجرف العالم العربي باتجاه التقسيم إلى كيانات لا أصل لها في الجغرافيا ولا في التاريخ، ولأنه أعظم شخصية ظهرت في القرن الـ20 قام بتغيير مجرى التاريخ في بلاده باتجاه الوحدة الكاملة، فلم تقربها براثن الاستعمار، وها نحن ننعم بالأمن والرخاء وبحبوحة العيش في ظل دولة آل سعود، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ونحتفل بيوم توحيد بلادنا على يد ذلك الزعيم العظيم في كل عام، بينما يحتفل الآخرون بيوم الاستقلال أو التحرير أو الجلاء، وهذا من فضل الله على كل سعودي. وما زلت أناشد الباحثين بإعادة قراءة تاريخهم ليدركوا عظمة وطنهم، وليدركوا عظمة الملك عبدالعزيز الذي قال عنه ابن بليهد: "وله تاريخ لو سطر لضاقت به صفحات الكتب، ولله في خلقه سر لا يعلمه غيره، ومنه ادخار هذا الملك الفاضل في أصلاب هذا العنصر المبارك إلى هذا الوقت الذي أدركناه حتى فزنا بوجوده".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من إصدارات الاقتصادية