أرصدة الحسابات الجارية في خضم الحرب والجائحة «2 من 2»

لا تزال تدفقات رأس المال منقطعة عن الأسواق الصاعدة حتى الوقت الحالي من 2022، على أثر زيادة الاتجاه نحو تجنب المخاطر جراء الحرب، مع زيادة التدفقات الخارجة في ظل تغير التوقعات بشأن تسارع وتيرة التشديد النقدي في الاقتصادات المتقدمة. وكانت التدفقات الخارجة من الأسواق الصاعدة كبيرة للغاية على أساس تراكمي، إذ اقتربت من 50 مليار دولار، وهو حجم مشابه للتدفقات الخارجة أثناء آذار (مارس) 2020 وإن كانت الوتيرة أبطأ.
وتشير نظرتنا المستقبلية للعام المقبل وما بعده إلى انخفاض مطرد في أرصدة الحسابات الجارية العالمية مع تراجع تأثيرات الجائحة والحرب، وإن كان هذا التوقع محفوفا بقدر كبير من عدم اليقين. فمن الممكن أن يستمر توسع أرصدة الحسابات الجارية العالمية إذا استغرق الضبط المالي في الدول التي تسجل عجزا في الحساب الجاري وقتا أطول من المتوقع. وإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلى توسيع عجز الحساب الجاري الأمريكي وزيادة أرصدة الحسابات الجارية العالمية.
ومن بين العوامل الأخرى التي قد تتسبب في توسع هذه الأرصدة، طول أمد الحرب الذي يؤدي إلى إطالة أمد ارتفاع أسعار السلع الأولية، وتفاوت مستويات رفع أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية، واحتدام التوتر الجغرافي ـ السياسي بما يسببه من تشتت اقتصادي، ما يفضي إلى انقطاعات في سلاسل الإمداد، وربما يؤدي إلى إعادة ترتيب النظام النقدي الدولي.
ومن الممكن أن تؤدي زيادة تفتت النظام التجاري إما إلى زيادة الأرصدة العالمية أو نقصانها، تبعا لصورة التكتلات التجارية بعد إعادة تشكيلها. وأيا ما كان الحال، فإن من شأن ذلك أن يحد من عمليات نقل التكنولوجيا، ويقلص إمكانيات النمو بقيادة الصادرات في الدول منخفضة الدخل، ومن ثم يحدث تآكلا واضحا في مكتسبات الرخاء التي حققتها العولمة.
وبشأن أولويات السياسات، فإن الحرب في أوكرانيا أضافت تعقيدات على المفاضلات القائمة التي يتعين على صناع السياسات الاختيار بينها، بما في ذلك الاختيار بين مكافحة التضخم وحماية التعافي الاقتصادي، وبين تقديم الدعم للمتضررين وإعادة بناء هوامش الأمان المالية. ويمثل التعاون متعدد الأطراف عاملا أساسيا في التعامل مع تحديات السياسات الناجمة عن الجائحة والحرب، بما في ذلك معالجة الأزمة الإنسانية.
وتختلف سياسات استعادة التوازن الخارجي باختلاف مركز كل اقتصاد واحتياجاته. فبالنسبة إلى الاقتصادات التي تسجل حساباتها الجارية عجوزات أكبر من المستوى المبرر تعكس النقص الكبير في موارد ماليتها العامة، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، من الضروري تخفيض العجوزات الحكومية عن طريق الجمع بين زيادة الإيرادات وتخفيض الإنفاق.
وتختلف مسألة استعادة التوازن بالنسبة إلى الدول ذات الفوائض المفرطة، مثل ألمانيا وهولندا، التي يمكن تخفيضها بتكثيف الإصلاحات المشجعة للاستثمار العام والخاص والمثبطة للادخار الخاص الزائد، بما في ذلك عن طريق التوسع في شبكات الأمان الاجتماعي في بعض الأسواق الصاعدة.

المزيد من الرأي