FINANCIAL TIMES

التوطين .. شعار مستقبل تجارة التجزئة

التوطين .. شعار مستقبل تجارة التجزئة

عندما غطيت البيع بالتجزئة لـ"فاينانشيال تايمز" في أوائل التسعينيات، غالبا ما كان رؤساء الصناعة يرددون أسرار نجاحهم الثلاثة: الموقع، والموقع، والموقع. في ذلك الوقت، كان البيع بالتجزئة لعبة عقارية إلى حد كبير. تبذل الشركات جهودا ضخمة لتحليل التركيبة السكانية والاقتصاد والبنية التحتية المحلية لتقدير الإقبال المحتمل وإنفاق ثروات صغيرة للحصول على أكثر المواقع الواعدة. ابن متاجرك في المكان المناسب وسيقع العملاء في شباكك، تماما مثل العناكب التي تصطاد الذباب.
أنموذج البيع بالتجزئة هذا، الذي يفضل بوضوح الشركات الغنية برأس المال، قد مزقه انطلاق الإنترنت. بالنسبة إلى معظم المعاملات الرقمية، أصبح موقع المتجر غير مهم. مع عدم وجود مبان لمنافذ البيع حينها، سلمت أمازون البضائع مباشرة إلى باب المنزل. تم إعادة تعريف سر نجاح البيع بالتجزئة على أنه الخدمات اللوجستية، والخدمات اللوجستية، والخدمات اللوجستية.
جاء التطور التالي عندما اختارت شركات العلامات التجارية الاستهلاكية والتجار الأصغر تجاوز منافذ البيع بالتجزئة التقليدية ومنصات التجارة الإلكترونية والتوجه مباشرة إلى المستهلكين أنفسهم. أدى ذلك إلى جنون التوجه المباشر إلى المستهلك، الذي عززته "شوبفاي"، الشركة الكندية الابتكارية. ينظر إلى "شوبفاي" على نطاق واسع على أنها مناهضة لأمازون، حيث توفر الخدمات اللوجستية والمدفوعات والبنية التحتية للتوصيل للمكاتب الخلفية التي لا يستطيع التجار المستقلون الصغار تحمل تكاليف بنائها بأنفسهم.
ضخ المستثمرون الأموال في شركات البيع المباشر للمستهلك مثل واربي باركر للنظارات وشركة بيلتون للدراجات الرياضية وخدمة الملابس ستيتش فيكس. كانت الاستراتيجية هي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبناء الوعي بالعلامة التجارية وجذب المستهلكين والشحن إليهم مباشرة. لفترة من الوقت، كانت خطة العمل مرضية وطرحت كثير من شركات البيع المباشر للمستهلك في سوق الأسهم بتقييمات مذهلة. لكن يبدو الآن أن المستثمرين قد توصلوا إلى أن أنموذج البيع المباشر للمستهلك هذا معرض للخطر بشدة، إن لم يتأذ بشدة، وأنه خفض قيمة القطاع بشكل كبير. سعر سهم "شوبفاي" انخفض 73 في المائة خلال العام الماضي أيضا. في الأسبوع الماضي، أعلنت الشركة أنها ستخفض 10 في المائة من قوتها العاملة. ما الذي يخبئه الزمن للبيع بالتجزئة؟
جادل توبي لوتكي، الرئيس التنفيذي لـ"شوبفاي"، بأن انكماش شركته هو مجرد نتيجة للتوسع المفرط في وقت سابق. افترضت الشركة أن التجارة الإلكترونية ستقفز من خمسة إلى عشرة أعوام للأمام نتيجة لوباء كوفيد وتوسعت بسرعة كبيرة تحسبا لارتفاع الطلب. كتب لوتكي في ملاحظة تحسر للموظفين: "من الواضح الآن أن الرهان لم يؤت ثماره".
لكن تفاؤل الشركة المبتهج بشأن آفاقها على المدى الطويل يخفي بعض العيوب الأعمق في أنموذج البيع المباشر للمستهلك. مثل تجار التجزئة وشركات السلع الاستهلاكية الأخرى، تكافح شركات البيع المباشر للمستهلك ارتفاع تضخم التكلفة وارتفاع أسعار الفائدة وضعف الطلب من المستهلكين. إضافة إلى ذلك، تحاول كثير منها التعامل مع تكاليف الشحن المرتفعة، واضطرابات سلسلة التوريد، واعتمادها المفرط على قاعدة تصنيع صينية متقلبة بشكل متزايد.
لكنها تواجه أيضا ضغوطا خاصة بها. ارتفعت تكلفة اكتساب العملاء بشكل كبير مع زيادة أسعار إعلانات فيسبوك. أصبح تحديد الجمهور المستهدف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر صعوبة بعد قرار أبل بالسماح للمستخدمين بإلغاء الاشتراك في خدمات تتبع التطبيقات. علاوة على ذلك، تواجه شركات البيع المباشر للمستهلك أحيانا منافسة شديدة من التجار المقلدين.
لقد تعلم تجار التجزئة التقليديون وشركات السلع الاستهلاكية، بما في ذلك "وول مارت" و"هاينز" و"نايكي"، حيل التجارة المباشرة إلى المستهلك وأصبحوا على نحو متزايد مشغلين لقنوات متعددة بينما توسع أمازون شبكتها من المتاجر الفعلية. على الرغم من أن أمازون كانت تعاني أيضا ظروفا اقتصادية قاسية، فإنها تظل مشغلا مهيمنا للتجارة الإلكترونية في معظم أسواقها. من الأسهل على المستهلكين استخدام منصة غير احتكاكية بدلا من التعامل مع مواقع مختلفة لعلامات تجارية مختلفة. دون تدخل تنظيمي حاسم لفصل سوق الطرف الثالث عن عمليات البيع والتسليم الخاصة بها، من الصعب أن نرى كيف يمكن للمنافسين الاستيلاء على عرش عملاق التجارة الإلكترونية. لكن في عالم الأعمال، كما هو الحال في السياسة أو الرياضة، غالبا ما يكون ظهور القوة التي لا تقهر هو لحظة الضعف القصوى. الكل يريد أن يزيحك عن العرش.
إحدى التجارب التي تستحق المراقبة من كثب هي في الهند، حيث تم إطلاق مبادرة رائعة في 100 مدينة لتوفير بنية تحتية رقمية مدعومة لتجارة التجزئة. تهدف الشبكة المفتوحة للتجارة الرقمية إلى إنشاء شبكة جماعية قابلة للتشغيل البيني للتجارة الإلكترونية بدلا من منصة خاصة مغلقة، ما يتيح لملايين التجار الصغار التواصل مع الموردين والعملاء وشركات التوصيل. تتمثل طموحاتها في جلب 30 مليون بائع و300 مليون متسوق إلى شبكتها بحلول نهاية 2024. لم يستهن بها أحد، فقد وصفها ناندان نايلكاني، أحد مؤسسي شركة تكنولوجيا المعلومات "إنفوسيس" ومهندس مجموعة التكنولوجيا العامة في الهند بأنها "التحول التجاري الأكثر إثارة في العالم".
لطالما دافعت الهند عن البنية التحتية الرقمية العامة. نظام الهوية الرقمية "آدهار" يستخدمه الآن 1.3 مليار شخص، بينما مكنت واجهة المدفوعات يو بي آي 6.3 مليار معاملة عبر الإنترنت الشهر الماضي. تتمثل رؤية الشبكة المفتوحة للتجارة الرقمية في تمكين الملايين من تجار الأحياء الصغيرة من مواجهة أمازون وفليب كارت المملوكة لشركة وول مارت. إذا نجحت التجربة، فقد يكون شعار الحقبة التالية في البيع بالتجزئة هو التوطين والتوطين والتوطين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES