المسجد وحدة مميزة لا بد أن يمتلك خاصية هيكلة النسيج العمراني

المسجد وحدة مميزة لا بد أن يمتلك خاصية هيكلة النسيج العمراني

أوضح المهندس المعماري تومي إسماعيل أن التركيب العمراني داخل النسيج الحضري خاضع في عمومه إلى المبدأ العمراني الشامل المتمثل في مبدأ التواصل العمراني, وهو في خصوصه يستجيب إلى قاعدتين حددتهما السنة النبوية الطاهرة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم:"فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد", وقوله أيضا: "خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق", ففي الحديث الأول نجد أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قد رغب في إنشاء البيوت بحيث تكون قريبة من المساجد وفضلها على البيوت البعيدة كفضل المحارب في سبيل الله على القاعد, وهذا بعكس ما هو متعارف عليه الآن, فالأماكن القريبة من المرافق والأسواق تكون ذات قيمة عقارية مرتفعة, وتكون وتيرة أعمارها جد متسارعة, في حين ـ وعلى حسب ما أوردناه من السنة ـ الإسقاط العمراني خاضع إلى مبدأ روحي محض . فكلما كان البيت قريبا من المسجد كان فضله أكبر, وكان البيت بعيدا عن السوق كان فضله أعظم. فروح المضاربة والتنافس على الإعمار ها هنا عملية شريفة يرتقي معها الإنسان والعمران إلى مستوى التكريم والتكليف الذي خص الله ـ سبحانه وتعالى ـ بهما بني آدم ألا وهما حمل الأمانة وخلافة الأرض وإعمارها .
وقال: إن روح التفضيل بين البيت والبيت الآخر هو ذاته بين الإنسان وأخيه في المجتمع الإسلامي القائم على تقوى الله والعمل الصالح , أي التقرب منه ـ سبحانه وتعالى, وهو مثال حي لتلاحم وتشابك المقومات الروحية والمقومات الفيزيائية أو المادية على أرض الواقع.
وتسير السنة أيضا إلى التفضيل بين المساجد ودور العبادة والطهارة وبين الأسواق حيث إن الأولى تصفو النفوس فيها إلى عبادة الواحد الأحد, بينما الثانية على أهميتها في كسب العيش فإنها أماكن تنتزع الإنسان فيها هواجس عدة فيكون فيها أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب.
وعليه إذا كانت الأسواق رمزا للدنيا وبهرجتها فإن المساجد رمز للآخرة وأزليتها, وما على الإنسان إلا أن يأخذ من دنياه ما يعينه على آخرته.
ويرى أن الإسقاط العمراني داخل المدينة انعكاس لمقومات الإنسان المسلم على أرضية الواقع بحيث تكون الماديات مطابقة في كنهها للمعنويات ومترابطة معها في تشكيل الفضاء الإسلامي المميز للمجتمع المسلم.
وأبان أن المسجد كان في صدر الإسلام زيادة على العبادة التي اختص بها, جامعا لمهام أخرى كالتدريس, وإدارة الحكم والقضاء, وجمع أموال الصدقات والزكاة وتوزيعها على المحتاجين, فكان مركز القرار ومنبع الانطلاق.
واكتسبت المساجد أهمية كبرى في تمييز الحياة لدى المسلمين فتفننوا في عمارتها وزخرفتها حتى أضحت المعالم الرئيسة في دراسة العمارة والعمران لدى الشعوب والحقب الإسلامية المتعاقبة وكان من أبرز خصائصها, إضافة إلى كون المسجد وحدة معمارية مميزة, فإنه يمتلك خاصية هيكلة النسيج العمراني, وهذا نظرا لقيمته العقارية المستمدة من قيمته العقائدية التي نلمسها في فضل البيوت والمساكن القريبة منه, كما ورد في حديث النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: "فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد".
حيث يشكل وحدة قطب اجتذاب لها تأثير مباشر في حركة السير داخل النسيج العمراني. فإلى جانب وظيفته الرئيسة والمتمثلة في عبادة الله ـ سبحانه وتعالى.
إلى جانب خاصية الاجتذاب هناك خاصية عكسية وهي الاطراد, وهذا ليكون التأثير في دينامكية المدينة أو القرية بصفة متواصلة ومستمرة.
العملية مشابهة لعملية القلب في جسم الإنسان, فالأذين يمتص الدم والبطين يدفعه في ديناميكية مستمرة تمنح القدرة على مواصلة الحياة.
ونلمس هذه الخاصية في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة الجمعة:
"فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله"
فبعد تجميع الناس لعبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما ورد في قوله "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" هناك خاصية لتفريقهم وطردهم لتحقيق الغاية الثانية, وهي عمارة الأرض.
وإلى جانب كون هاتين الخاصيتين ظاهرة فلكية نلاحظها في حركة الأرض حول نفسها وتأثير القمر في المحيطات من حيث المد والجزر فهي كذلك بيولوجية في جسم الإنسان, وهي كذلك ظاهرة عمرانية تكتسبها الأقطاب المهيكلة للنسيج العمراني.
مركزية المسجد عمرانيا بحيث تحفه البيوت هو تعبير مادي, أو تزكية ودعما لتلك الوحدة المقدسة التي تربط المسلمين ببعضهم البعض مصداقا لقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".
فمما تقدم فإن الفشل الواضح في خلق فضاء عمراني متناسق يتلاءم وطبيعة شخصية الفرد المسلم مرده إلى تغييب دور المسجد من الحياة العامة وفقده خصائصه العمرانية.

الأكثر قراءة