تقارير و تحليلات

صناعة السلع الفاخرة في مرحلة تحول .. كلمة الفصل عند «ميتافيرس»

صناعة السلع الفاخرة في مرحلة تحول .. كلمة الفصل عند «ميتافيرس»

صناعة السلع الفاخرة في مرحلة تحول .. كلمة الفصل عند «ميتافيرس»

قد يكون من الصعب تعريف مصطلح الرفاهية، لكن ليس من الصعب تحديد ما سلع الرفاهية أو ما يعرف بالسلع أو المنتجات الفاخرة، ساعات رولكس، حقائب جوتشي ولوي فيتون، نظارات شانيل الشمسية، مجوهرات تيفاني، وسيارات بنتلي، تلك المجموعة من الأسماء ليست أكثر من نماذج محدودة لسلع فاخرة أغلبنا على دراية بها حتى إن لم يمتلكها.
المؤكد أن أول ما يميز السلع الفاخرة ثمنها الباهظ، لكن أيضا جودتها ومتانتها وتراثها وندرتها إلى حد ما، وتوجد تلك التوليفة من العوامل رغبة للجميع في أن يقتنيها إلا أن ذلك لا يكون غالبا إلا من نصيب الأثرياء.
مع هذا، فإن "التفرد" ربما يكون أبرز ملامح السلع الفاخرة، وربما يلعب هذا العامل دورا شديد الأهمية في الجاذبية التي تتمتع بها تلك النوعية من السلع، فالعلامات التجارية الفاخرة لا ترمي أو ترغب أو تهدف إلى خدمة الجماهير، إنها وجدت لخدمة مجموعات محدودة من الأشخاص، هذه الندرة هي التي تضفي على تلك المنتجات الجاذبية، التي تتمتع بها، كما أن "التفرد" يرتبط في جزء كبير منه بالمكانة الاجتماعية والثراء المالي، فإذا كان المنتج حصريا، فإنه يعكس المكانة الاجتماعية لمالكه وقدرته المالية.
تتفاوت التقديرات حول القيمة الإجمالية لمبيعات سوق السلع الفاخرة في العالم حاليا، إذ قدرت المبيعات بنحو 252 مليار دولار أمريكي في 2020، لتقفز إلى 429 مليار دولار هذا العام، بينما تشير تقديرات أخرى إلى إجمالي مبيعات بقيمة 349 مليار دولار هذا العام، لكن أكثر التقديرات واقعية فإنها تصل بالقيمة الإجمالية لمبيعات سوق السلع الفاخرة إلى 310 مليارات دولار العام الماضي، على أن يبلغ 355.5 مليار دولار بحلول 2027، ويعتقد ام. مايكل الباحث في اتحاد الصناعة البريطاني أن صناعة السلع الفاخرة العالمية في مرحلة تحول وأن الطلب العالمي سيزداد عليها مستقبلا.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا: "عوامل مثل التطورات الرقمية والتقنيات الجديدة وزيادة ثروة الأفراد وتغيير استراتيجيات التسويق لدى اللاعبين الأساسيين، والتأثير المتزايد لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وثورة الإنترنت، والشعبية المتزايدة لمنصات التجارة الإلكترونية المخصصة لشراء السلع الفاخرة، التي تحفز نمو هذا القطاع، كل تلك العوامل ستدفع الطلب للأمام".
ويشير الخبراء إلى أن أحد العوامل، التي تعزز أسواق السلع الفاخرة هو النمو المتواصل للطبقة المتوسطة على مستوى العالم، خاصة المستويات العليا من الطبقة المتوسطة، التي أظهرت ميلا كبيرا للاستهلاك عامة واستهلاك السلع الفاخرة على وجه الخصوص، بهدف التباهي وتعزيز المكانة الاجتماعية، ومن المتوقع وصول الطبقة المتوسطة عالميا لنحو 5.5 مليار نسمة بحلول 2030، مقارنة بـ 3.75 مليار شخص 2021، ويعزز ذلك من توسع قاعدة عملاء السلع الفاخرة، ومن المرجح أن يتركز هذا النمو في منطقة آسيا، حيث من المقرر أن ينضم أكثر من مليار شخص إلى الطبقة المتوسطة بداية العقد الثالث من القرن الحالي.
ويشير بيتر ماكس، أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة لندن لـ"الاقتصادية" قائلا: "نمو الطبقة المتوسطة والمستهلكون الأصغر سنا أمر بالغ الأهمية في صناعة السلع الفاخرة، لأنهم يميلون إلى الإنفاق على المنتجات الفاخرة أكثر من الأجيال السابقة، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية الخاصة بهذا النوع من السلع دورا مهما في زيادة الطلب على السلع الفاخرة، خاصة مع وجود نحو 30 تريليون دولار من الثروة سيتم تناقلها بين الأجيال في العقود المقبلة، وهذا سيكون له تأثير كبير في سوق العلامات التجارية الفاخرة".
ويوضح ماكس إلى أن جيل الألفية سيمثل 40 في المائة من سوق السلع الشخصية الفاخرة العالمية بحلول 2025، لكنه يوضح أن طلب الطبقة المتوسط والأجيال الشابة على السلع الفاخرة ينصب في الأساس ولأسباب مالية بحتة على "أول السلم من السلع الفاخرة" حيث الأسعار لا تكون باهظة الثمن بشدة، ومن ثم، فإن تأثيرهم على اتجاهات ومسار سوق السلع الفاخرة يأتي في الأساس من كونهم يمثلون قوة شرائية كبيرة العدد، وليس من المقدرة المالية القوية، كما هو الحال في الطبقات الثرية.
ويعتقد الخبراء أن سوق السلع الفاخرة بصفة عامة تتسم بمميزات اقتصادية تغيب عن سوق السلع الكمالية، فالعلامة التجارية المهيمنة في سوق السلع الفاخرة تعني أيضا قوة في التسعير، على عكس الشركات التي تبيع السلع الضرورية، إذ يمكن لشركات السلع الفاخرة أن ترفع أسعارها، لأنها واثقة من أن عملاءها الأثرياء سيواصلون الشراء. فاقتناء السلع الفاخرة لا يتعلق بالجوانب الجمالية فقط أو يعكس الذوق المميز لصاحبها وإنما يتضمن أيضا رسائل اجتماعية تتعلق بالقدرة المالية لصاحبها ومدى ثرائه وتعزز من مكانته الاجتماعية، وهو ما يجعل بعض المنتمين إلى الطبقة المتوسطة إلى اقتنائها حتى إن مثل ذلك ضغطا ماليا عليهم.
فعلى سبيل المثال، قامت شركة رولكس للساعات بزيادة أسعار عديد من ساعاتها المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصداء بنسبة 10 في المائة أو أكثر في أوائل العام الحالي، وربما يكون هذا الولاء "للماركة" أو العلامة التجارية سببا إيجابيا في الجاذبية الاستثمارية للشركات المنتجة للسلع الفاخرة، لأنه يمثل في كثير من الأحيان ضمانه بأنها لن تتعرض للخسارة وتقلص الطلب مع رفع الأسعار.
ولـ"لاقتصادية" يضيف الدكتور ناريش بانديت، أستاذ محاسبة الشركات في مدرسة لندن للتجارة قائلا: "العلامات التجارية القوية تميل إلى تحقيق هوامش تشغيل وعوائد أعلى من المتوسط على رأس المال، ودور الأزياء البريطانية الشهيرة "بربري" مثال جيد على ذلك، فبين عامي 2017 و2021 بلغ متوسط هامش التشغيل لدى الشركة 15 في المائة ومتوسط العائد على رأس المال نحو 19.5 في المائة على النقيض من ذلك بلغ متوسط الهامش التشغيلي والعائد على رأس المال عبر مؤشر فوتسي 100 البريطاني خلال ذات الفترة 14 و14.4 في المائة على التوالي".
يضاف لذلك بالطبع تمتع الشركات التي تبيع السلع الفاخرة بدرجة عالية من المرونة، ويتضح هذا من حقيقية أنه في 2020 ورغم الإغلاق نتيجة وباء كورونا، فإن نحو نصف أكبر 100 شركة للسلع الفاخرة على مستوى العالم حققت أرباحا، وعلى الرغم من أن الطلب على بعض أنواع السلع الفاخرة ينخفض عندما تتدهور الظروف الاقتصادية، إلا أنه مقارنة بالمجالات الأخرى في صناعة البيع بالتجزئة، تميل المبيعات في السلع الفاخرة إلى الصمود بشكل جيد، وربما يعود السبب في أن تأثر الأفراد الأثرياء بالانكماش الاقتصادي أقل من نظرائهم في الطبقة المتوسطة، ويرى الدكتور ناريش بانديت بأنه نتيجة المزايا التنافسية التي تتمتع بها السلع الفاخرة، ومستوياتها العالية من الربحية، والمرونة، فإنها تحقق عوائد قوية للمستثمرين، ووفقا لأداء مؤشر الرفاهية العالمية S&P فإن الأعوام العشرة، التي سبقت 31 آذار (مارس) 2021 حقق المؤشر عائدا إجماليا 12.2 في المائة، متفوقا بشكل مريح على مؤشر "إم إس سي أي" الذي حقق 10.9 في المائة سنويا، بل إن بعض الأسهم في شركات السلع الفاخرة حققت عائدا على السهم بلغ 17.3 في المائة سنويا وتضيف الدكتورة لورين مارك الخبيرة في مجال التسويق الإلكتروني، أن تفشي وباء كورونا على مستوى العالم مثل لحظة فارقة بالنسبة لشركات السلع الفاخرة، وأسهم في إحداث تغير نوعي في مجال الطلب العالمي المستقبلي عليها.
وتقول لـ"الاقتصادية" "قبل جائحة كورونا كان عديد من العلامات التجارية الفاخرة مترددة في بيع سلعها عبر الإنترنت بسبب مخاوف من أن البيع عبر الإنترنت يمكن أن يضر بعلاماتها التجارية، ولكن عندما أجبرت المحال التجارية الفاخرة في جميع أنحاء العام على الإغلاق خلال الجائحة، كان عليها التكيف مع الأوضاع الجديدة".
وأشارت إلى أن النتيجة كانت إيجابية للغاية، إذ ارتفعت حصة المشتريات، التي تتم عبر الإنترنت للسلع الفاخرة لتصل إلى 23 في المائة من إجمالي المبيعات 2020 مقابل 12 في المائة فقط في 2019".
ويعني هذا باختصار أن التجارة الإلكترونية ستمثل قوة دفع لعجلة النمو في الطلب على السلع الفاخرة. بدورها توضح الخبيرة الاستثمارية مارينا هايدي لـ"الاقتصادية" "لا تعد التجارة الإلكترونية المجال الوحيد للتكنولوجيا، الذي يمكن أن يؤثر في سوق السلع الفاخرة في الأعوام المقبلة، ميتافيرس ستلعب دورا مميزا في هذا السياق، فعديد من العلامات التجارية الفاخرة تتبنى ميتافيرس، ومن المعتقد أنه بحلول 2030 ستمثل العوالم الرقمية المرتبطة بميتافيرس و"ان إف تي" نحو 10 في المائة من سوق السلع الفاخرة وتحقق إيرادات تبلغ 50 مليار يورو، وأرباح بنحو 25 في المائة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات