الأزمة العالمية تخلق حافزا جديدا لتأسيس البورصة الخليجية المشتركة
عادت الدعوات العديدة خلال الأيام الماضية لتوحيد البورصات الخليجية. ولكون هذا المطلب تراكم عبر سنوات طويلة، فقد باتت تقف وراءه كثير من المحركات، ليس أولها متطلبات قيام السوق الخليجية المشتركة والتكامل الاقتصادي الخليجي، ولن يكون آخرها الأزمة العالمية الراهنة، وما يستدعي معالجتها خليجيا، من تحشيد للقوى المالية والاستثمارية وفتح قنوات الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية كافة خليجيا أمام المستثمرين ورجال الأعمال والمتعاملين.
ووفقا لتقرير صدر أخيراً، أنهت أسواق الأسهم الخليجية تداولات الربع الأول من العام الجاري بخسائر جماعية أفلتت منها سوق أبو ظبي الرابح الوحيد والأفضل أداء بين أسواق الخليج منذ مطلع العام بارتفاع 4 في المائة. وقادت سوق الدوحة تراجعات أسواق الخليج على مدار الأشهر الثلاثة الماضية وباتت أكبر الخاسرين والأسوأ أداء بنسبة 29 في المائة. ومنيت سوق مسقط بثاني أكبر الخسائر خلال الربع الأول بنسبة 15 في المائة. وحلت بورصة الكويت في المرتبة الثالثة من حيث نسبة الانخفاض الربعية 13.3 في المائة. وجاءت سوق البحرين في المرتبة الرابعة بانخفاض نسبته 11.5 في المائة، وحلت سوق دبي في المرتبة الخامسة كأقل الأسواق خسارة بنسبة 4.1 في المائة.
وتحتل القيمة السوقية للبورصات الخليجية المرتبة الـ 17 من حيث حجم البورصات العالمية بقيمة تقدر بنحو 600 مليار دولار. وتحوز هذه الرسملة نسبة 1.8 في المائة من مجموع القيمة الرأسمالية للبورصات العالمية العضوة في الاتحاد العالمي للبورصات في نهاية عام 2008.
لقد أضافت الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي ضربت بقوة البورصات الخليجية وجعلتها تخسر نسب تراوح ما بين 30 و55 في المائة من قيمتها السوقية خلال عام 2008 حافزا جديدا لتوحيد البورصات الخليجية بغية خلق سوق أكثر عمقا وأكثر تنوعا للمستثمرين مما يسهم في جذب السيولة المحلية والمحافظ الاستثمارية العالمية.
إلا أنه حتى في حالة قيام السوق الخليجية المشتركة، وفقا لخبراء ومتعاملين، فإنها لا تعني، مثلما هو الاتحاد النقدي، تلقائيا توحيد البورصات كما هو واضح من تجربة الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن البورصات هناك هي مؤسسات خاصة تهتم أساسا بتنظيم التداول في السوق بينما توكل قضايا التشريع والرقابة والإصدارات الأولية لهيئة البورصة التي لها كيان مستقل وقوي. لذلك، فإن تلك البورصات - أي الأوروبية - قد لا تتحدث عن توحيد وإنما عن اندماج أو شراء أو غيره من الخطوات الموجهة بعوامل الربح والخسارة. وقد نتوقف هنا قليلا للدعوة إلى فصل الوظيفة الفنية للبورصات الخليجية عن الوظيفة الرقابية والتشريعية، مثلما فعلت عمان في تجربة متقدمة، وقامت بتخصيص البورصة ثم لحقتها دبي وسبقتها بإدراج أسهم البورصة في البورصة نفسها. مثل هذا الفصل يسهل قرارات التوحيد والتنسيق.
إن أسواق الأسهم الخليجية باتت تستوعب جزءا كبيرا من سيولة الأفراد والمؤسسات، كما باتت تمثل قناة مهمة للاستثمار، فعلى صعيد أحجام التداول بلغت التعاملات الأسبوعية للبورصات الخليجية الست ما قيمته 23 مليار دولار أمريكي.
ويؤكد هؤلاء الخبراء والمتعاملين أن أهمية توحيد البورصات الخليجية ترتبط بعملية تشجيع تدفق الاستثمارات البينية بين دول مجلس التعاون وإقامة المشاريع الخليجية المشتركة، إلا أنها تعاني في الوقت الحاضر عديدا من التحديات التي تعرقل عملية التوحيد والاندماج.
فوفقا للقواعد الموحدة لتملك مواطني دول المجلس أسهم شركات المساهمة في الدول الأعضاء وتداولها يسمح لمواطني دول مجلس التعاون بتأسيس الشركات الجديدة والمشاركة في تأسيسها والاكتتاب فيها وتملك وتداول أسهم الشركات المساهمة القائمة التي تعمل في المجالات الاقتصادية والمسموح لمواطني دول المجلس بممارستها استنادا إلى قرارات المجلس الأعلى وأحكام الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون، كما يسمح لهم بتملك وتداول أسهم الشركات المشتركة. ويجوز للدولة التي تؤسس فيها الشركة اشتراط تملك مواطنيها نسبة لا تزيد على 51 في المائة من أسهم هذه الشركات، كما تستثني تلك القواعد شركات التأمين والصرافة والبنوك من حرية الدخول لمواطني دول المجلس.
وعلاوة على الاستثناءات لعدد من القطاعات المهمة، فإن هذه القواعد تبقى على مطلب أن يكون مواطني الدولة عضو المجلس لهم الأغلبية في الشركة الجديدة. وهكذا فإن هذه القواعد تبقى متخلفة حتى عما مضت إلى تطبيقه بعض دول المجلس من حيث السماح لمواطني دول المجلس بتملك الأغلبية في أسهم الشركات المؤسسة حديثا حتى وإن لم يكن ضمنها مواطنوها.
كذلك، يرى هؤلاء الخبراء والمتعاملون أن القواعد تشمل فقط الشركات المؤسسة حديثا وليس الشركات القائمة بالفعل، حيث لا تزال تشريعات بعض دول المجلس تحد من مدى مقدرة مواطني دول المجلس على شراء وتداول أسهم شركاتها القائمة، وهي عقبة رئيسية بوجه تطوير قواعد موحدة للتداول وبالتالي بوجه قيام بورصة خليجية موحدة.
ويضيف هؤلاء أن أسواق الأسهم الخليجية تعاني تركيز التداول على أسهم شركات محدودة دون غيرها، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تنويع الاستثمارات، كما أن هناك محدودية في الأدوات الاستثمارية التي تتركز في أسهم الشركات العامة. كما تعاني أسواق الأسهم الخليجية أيضا محدودية الاستثمار المؤسسي، واعتمادها بصورة أساسية على الاستثمارات الفردية، حيث تظهر دراسات متخصصة أن المستثمرين الأفراد في البورصات الخليجية يشكلون 97 في المائة ما يعني أن 3 في المائة فقط من اللاعبين في السوق هم من الصناديق الاستثمارية.
ويوجد تدن في مستويات الإفصاح والشفافية، وهناك تعامل من الداخل، واحتكار للمعلومات، وعدم التزام الشركات المساهمة العامة بمعايير محاسبية موحدة عند إعداد بياناتها المالية الدورية، حيث تتفاوت جودة هذه التقارير من شركة لأخرى، كما يتأخر موعد صدور هذه التقارير.
كما أن النظام التجاري والاستثماري في هذه الأسواق غير متجانس، خاصة على مستوى حرية الاستثمارات الأجنبية، حيث تتفاوت في نسب وأشكال السماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في أسواقها.
كذلك، وفقا لهؤلاء الخبراء والمتعاملين، تواجه أسواق المال الخليجية عديدا من التحديات العالمية، حيث إن البورصات في الدول الأوروبية وكثير من الدول النامية مملوكة للقطاع الخاص وتدخل في كثير من مشاريع الدمج والشراء والتوسع والمنافسة في استقطاب الشركات، في حين أن بورصاتنا مملوكة للحكومات وقراراتها حكومية وسياسية، في حين بات للشركات المساهمة الخليجية مطلقة الحرية في إدراج أسهمها في أي سوق تشاء وهي ستبحث دون شك عن الأسواق الأكثر سيولة واستقرارا وشفافية وحماية للمستثمر.
ويرى هؤلاء الباحثون والمتعاملون أنه في ضوء تلك التجارب العالمية فإن على المسؤولين عن أجهزة البورصات الخليجية العمل على خلق بيئة ملائمة لتوحيد هذه البورصات من خلال ما يلي:
أولا: توفير البيئة التشريعية والاستثمارية للتقريب بين قوى الأسواق المالية الخليجية من مستثمرين ومتعاملين ووسطاء وصناع السوق، وخلق البيئة الاستثمارية والاقتصادية المحفزة لهذا التقارب، خاصة من خلال توحيد لوائح وأنظمة الاكتتاب والإدراج والتداول والمقاصة والتسويات, وربط البورصات الخليجية إلكترونيا.
ثانيا: العمل على تحديث البورصات وتطويرها من الناحيتين الفنية والتنظيمية بما يساعد على زيادة حجمها وقدرتها الاستيعابية، وتعزيز دورها في اجتذاب رؤوس الأموال، وإعادة تدويرها لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية، وهذا يتطلب استكمال الأطر التشريعية والمؤسسية، والتوسع في توفير المؤسسات المالية المتخصصة وعالية الكفاءة لتسهيل عمليات التداول كالمصارف الاستثمارية وصانعي السوق وبيوت الوساطة، إضافة إلى التوسع في طرح الأدوات الاستثمارية، وتنويعها بما يتناسب واحتياجات المستثمرين.
ثالثا: العمل على تحديث قوانين الشركات، ووضع حوافز لإنشاء شركات مساهمة، وتسهيل عمليات تحويل الشركات المغلقة إلى شركات مساهمة يتم إدراج وتداول أسهمها من خلال البورصة.
رابعا: التسريع في توحيد تشريعات وأنظمة تملك وتداول وإدراج وتسوية الأسهم في أسواق المال الخليجية.
خامسا: تحسين سيولة الأسواق باتباع استراتيجيات تستهدف خفض القيمة السوقية للأوراق المقيدة، وتشجيع إنشاء صناديق الاستثمار.
سادسا: إنشاء مؤسسات صناعة السوق لدورها المهم في امتصاص الخلل في آلية العرض والطلب.
سابعا: تنظيم نشاط الوساطة المالية ورفع كفاءة العاملين فيها وتحسين خدماتها.
ثامنا: نشر المعرفة والوعي السليمين بالاستثمار في الأسهم بين الأفراد ودعم خلق إعلام اقتصادي يهتم بالاستثمار في أسواق المال.