FINANCIAL TIMES

ضحايا يخشون إخبار صاحب العمل باعتلال صحتهم العقلية

ضحايا يخشون إخبار صاحب العمل باعتلال صحتهم العقلية

جانب من دورة تدريبية حول الصحة العقلية في مواقع العمل قدمها "سنتر فور مينتال هيلث" لأعضاء اتحاد الرجبي في المملكة المتحدة.

اعتلال الصحة العقلية يكلف أصحاب العمل في المملكة المتحدة نحو 35 مليار جنيه استرليني سنويا، على شكل إنتاجية ضائعة، وغياب مرضي، وتغيير موظفين، وفقا لمركز الصحة العقلية "سنتر فور مينتال هيلث"، وهو جمعية خيرية للأبحاث والسياسات. ووجدت دراسة أخرى أن أكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون مع صحتهم العقلية لم يخبروا أصحاب العمل مطلقا.
وكشفت الدراسة التي أجرتها شركة أوبينيوم على ألفي موظف أن ربعهم فشل في أخذ أي إجازة، لأنهم يخشون ألا يتفهم رؤساؤهم الأمر، وقال الثلث "إن مؤسساتهم لم تقدم أي مساعدة".
هذا هو حجم التحدي الذي يواجه المؤسسات، مثل مينتال هيلث فيرست آيد، التي توفر الأدوات اللازمة لمعالجة المشكلة في البيئة التي نقضي فيها ثلث حياتنا، مكان العمل.
تم تطوير مفهوم مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد في أستراليا عام 2000 قبل أن تصبح حركة عالمية. تهدف دوراتها التدريبية إلى تزويد الموظفين بالمهارات اللازمة للتعرف على زملائهم الذين يعانون مشكلات تتعلق بالصحة العقلية وتوجيههم نحو المساعدة المهنية.
مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا، وهي واحدة من 26 مؤسسة مرخصة من قبل الشركة الأم لتوفير خدمات التدريب والاستشارة، نشرت أخيرا تقريرا بعنوان "إمباكت ريبورت" Impact Report، مستندا إلى عملياتها منذ 12 عاما. وتحث حملتها الحالية "وير إز يور هيد آت" Where’s Your Head At? المؤسسات على التوقيع على بيان يدعو إلى معالجة الصحة العقلية والجسدية بشكل متساو في مكان العمل.
يقول سيمون بليك، الرئيس التنفيذي لمؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا، "إن مؤسسته عملت مع 20 ألف شركة ودربت نصف مليون شخص". هدفها النهائي، عبر تدريب واحد من كل عشرة من السكان، لا يقل عن "تطبيع المواقف تجاه الصحة العقلية وإيجاد اعتقاد ثقافي واسع الانتشار بأن الأمور يجب أن تتغير، وأن الطريقة التي نسير بها ليست جيدة للأفراد أو الاقتصاد أو المجتمع ككل".
خلفية بليك في مؤسسات الحملات بما في ذلك "ستون وول" Stonewall، والنقابة الوطنية للطلاب، وفرت له فكرة عن بعض المجموعات المتأثرة بشكل غير متناسب باعتلال الصحة العقلية.
يقول "نحن نعلم أن كثيرين لا يفصحون عن دواخلهم (...) إذا لم تكن قادرا على أن تكون منفتحا وعلى طبيعتك، فلا يهم ما إذا كان لديك أفضل البرامج حول الرفاهية في العالم. سيظل لديك أشخاص دون المستوى الأمثل لأنهم لا يشعرون بالقدرة على الانفتاح".
إذا تم اعتبار الرفاهية "الإطار المنظم"، كما يقول بليك، يجب تضمين عوامل أخرى، مثل عدم تحديد حد أدنى لساعات العمل، والأمن الوظيفي، والمساواة بين الجنسين، والتنوع في مكان العمل. "يمكنك أن تقدم لي أفضل برنامج في العالم، لكن إذا علمت أنني أتقاضى أجرا أقل بنسبة 30 في المائة على أساس الجنس، فسأشعر بأنني مستلب حقا".
يلاحظ بليك أن الشباب هم أيضا عرضة للخطر بشكل خاص. "هذه المسألة مشتركة بين الأجيال. نحن نعلم أن لدى الشباب وعيا وفهما أكبر بكثير بقضايا الصحة العقلية ولا يحصلون بالضرورة على الدعم".
أحد أهداف مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا هو أن تكون مثالا يحتذى به. يقول بليك "سنعيد استثمار أرباحنا كمشروع اجتماعي في تدريب أولئك الذين يعملون مع الشباب، مع النظر بشكل خاص إلى قطاع الرياضة والترفيه. نحن نعلم أن المدربين الرياضيين، ورجل الحياة البرية، وقائد الكشافة، قد تكون لديهم في الغالب علاقات جيدة حقا خارج إطار المدرسة، لكن قد لا يكون لديهم أي تدريب، وقد يعملون بموجب عقد دون حد أدنى من ساعات العمل، وقد يكونون متطوعين. هذا هو المكان حيث نؤمن أنه يمكننا إيجاد تأثير كبير".
لويزا شاستني، منسقة الإرشاد في قسم الوظائف والمشاريع في جامعة كوين ماري في لندن، هي أحد الأمثلة على شخص استفاد من برنامج مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد.
كانت تعاني قلقا اجتماعيا ونوبات ذعر لأعوام طويلة، وفي هذا الوقت من العام الماضي، كانت على وشك الاستقالة من وظيفتها. تقول "كنت مرتعبة من أنني إذا أخبرت صاحب عملي بشأن مشكلاتي مع الصحة العقلية، فإنهم سيعتقدون أنني ضعيفة، أو عاجزة، أو حتى سيودون التخلص مني. في النهاية، وجدت الشجاعة للتحدث مع مديرتي المباشرة، التي كانت قد أكملت دورة مع مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا لمدة يومين، وكانت داعمة بشكل مذهل".
سمح لها صاحب عملها بحضور جلسات علاج نفسي للسلوك المعرفي كل يوم جمعة لمدة ثلاثة أشهر. ومن ثم واصلت إكمال دورة مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا بنفسها في وقت سابق من هذا العام. تقول "إنني أستمتع بوظيفتي أكثر من أي وقت مضى وأشعر بأنني مدعومة بشكل جيد جدا من مكان عملي، إنه اختلاف كامل عما كنت عليه في هذا الوقت من العام الماضي".
يحذر بعض النقاد، مثل ستيفان بيفان وسالي ويلسون من مؤسسة إيمبلويمنت ستديز، من أنه "قد يتم توجيه الجزء الأكبر من الانتباه تجاه مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد، ما يستبعد الأساليب الأخرى". ويجادلون بأنه لا توجد حلول بسيطة. يقولون "ينبغي أن تأخذ التدخلات في العمل لدعم الأشخاص الذين يعيشون مع الأمراض العقلية طابعا شخصيا وأن تكون مرنة، ولا يمكن لنوع واحد من التدخل أن ينجح مع الجميع أبدا".
يقر بليك بأن مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد ليست "ترياق عالمي"، "إنها جزء واحد من القصة، ويجب أن تكون تلك القصة منهجا كاملا للرفاهية يبدأ في أعلى المراتب (في المؤسسة) ويمضي في الطريق الصحيح خلالها. ويجب أن تكون هناك شبكة دعم واضحة حقا للمؤسسة، وللمسعفين في مجال الصحة العقلية، وينبغي أن يشمل ذلك قدرتهم على التواصل مع مدير كبير أو راع للبرنامج".
غالبا ما تفتقر النظم الصحية في مكان العمل إلى أدلة قوية على فاعليتها كما يقول بيفان. يمكن للمؤسسات قياس عدد الأشخاص الذين يشاركون في البرنامج "لكن لا يمكنهم حقا إخبارك كثيرا عما إذا كان البرنامج قد أحدث فرقا ملموسا في أشياء مهمة مثل الإنتاجية والحضور في موقع العمل على وجه اليقين، نظرا إلى وجود جميع أنواع العوامل التي تؤثر في ذلك".
قال مدير الصحة والسلامة، الجهة التنظيمية المسؤولة عن الصحة في مكان العمل في المملكة المتحدة، "إن هناك دليلا واضحا على أن تدريب مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد زاد من الوعي، لكن هناك أدلة محدودة على أنه أدى إلى تحسن مستدام في قدرة أولئك الذين تلقوا التدريب على مساعدة الزملاء الذين يعانون اعتلال الصحة العقلية". ولا يوجد دليل على أنه قد حسن الإدارة التنظيمية للصحة العقلية.
يعترف بليك بأن "الحديث عن الأدلة مهم حقا". ستستثمر مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا نحو 500 ألف جنيه استرليني على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة في تجربة مراقبة عشوائية مستقلة لفهم التأثير في أولئك الذين يعانون مشكلات على صعيد الصحة العقلية، مع التركيز بشكل ثانوي على التأثير في المؤسسات ككل.
تقول لويز أستون، مديرة الرفاهية في "بيزنس إن ذا كوميونيتي"، وهي مؤسسة خيرية بريطانية تعمل على تعزيز العمل المسؤول، "إن تدريب مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إذا تم أخذه بشكل منفصل يمكن أن يكون نوعا من التمرين المثير للإعجاب. أما فيما يتعلق بالفوائد الدائمة، فستواصل دورتك التدريبية، لكن هل ستتذكرها الشهر المقبل؟".
وتضيف "لدى سياسات الصحة العقلية الرائعة، وبرامج مساعدة الموظفين والتدريب جميعها دور تكتيكي لتلعبه، لكنها لن تحدث التغيير الثقافي التنظيمي بمفردها. يحتاج النقاش حول الصحة العقلية إلى المضي قدما والنظر في المسببات النظامية".
يقول لوري هيسيلدن، مسؤول سياسة الصحة والسلامة في كونجرس النقابات العمالية، المجموعة الجامعة للنقابات العمالية البريطانية، "إن هناك تفهما متناميا لتأثير العمل نفسه في الصحة العقلية. "يجب دمج دورات مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد الفعالة مع عمل ممثلي الصحة والسلامة في مكان العمل، ولجنة السلامة، والنقابات العمالية ـ إن وجدت".
"من المهم التسليم بأن بعض مصادر مشكلات الصحة العقلية، سواء للفرد أو لمجموعة من الناس، يمكن أن تكون متعلقة بالعمل".
وجد تقرير أجرته مؤسسة بيزنس إن ذا كومينتي أن اثنين من كل خمسة موظفين في المملكة المتحدة عانوا مشكلات الصحة العقلية الناجمة عن العمل، ولا سيما ضغوط تحقيق الأهداف. وقال أكثر من ستة من كل عشرة مديرين "إنهم كانوا مجبرين على وضع مصالح مؤسساتهم فوق رفاهية الموظفين"، وإن 13 في المائة فقط حضروا تدريبا محددا حول الصحة العقلية.
تشمل الأسباب الشائعة الأخرى لاعتلال الصحة العقلية أعباء العمل الثقيلة، وغياب المراقبة في تصميم الوظائف، وسوء الإدارة المباشرة، والافتقار إلى إسماع الصوت، والأهداف التنظيمية غير الواضحة والطبيعة غير الآمنة لكثير من وظائف اليوم.
يقول هيسيلدن "نظرا إلى مستوى اعتلال الصحة المسجل في المملكة المتحدة، بما في ذلك حالات الإجهاد المرتبط بالعمل، من الواضح أن أصحاب العمل بشكل عام لا يقومون بما يكفي. من الواضح أن هناك أرباب عمل يتمتعون بالريادة ويستثمرون في هذه القضية، لكن هناك طابورا طويلا من أصحاب العمل الذين ليسوا كذلك، وبالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، يمثل ذلك تحديا". وخص بالذكر نسخة كتاب "أنت مطرود!" الذي تم إنتاجه عن الشركات وعرضته شاشات التلفزيون باعتباره "مدمرا".
من جانبه، يؤكد بليك أن مؤسسة مينتال هيلث فيرست آيد إنجلترا يمكن أن تلعب دورا رئيسا في قيادة التغيير.
يقول "إذا تمكنا من تدريب واحد من كل عشرة أشخاص، فسنوجد هذا التحول الثقافي المطلوب الذي سيبدأ في الانتشار في جميع أماكن العمل والمجتمعات".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES