الطاقة- الطاقة المتجددة

أزمة الطاقة تكشف هشاشة عصر الطاقة النظيفة .. وسيظل العالم يعتمد على الوقود الأحفوري

أزمة الطاقة تكشف هشاشة عصر الطاقة النظيفة .. وسيظل العالم يعتمد على الوقود الأحفوري

يمر العالم الآن بأول أزمة طاقة كبرى منذ بدء التحول نحو الطاقة النظيفة والتي لن تكون الأخيرة. فنقص الإمدادات يضرب أسواق الغاز الطبيعي والكهرباء على مستوى العالم من بريطانيا حتى الصين بالتزامن مع  تعافي الطلب العالمي على الطاقة نتيجة انتهاء الجائحة.

المختلف هذه المرة هو أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي تمر فيه الاقتصادات الغنية بواحدة من أكثر مراحل التحول في أنظمة الطاقة طموحا منذ عصر الكهرباء حيث لا توجد طرق سهلة لتخزين الطاقة التي يتم توليدها من المصادر المتجددة.

وبحسب التقرير الذي أعده  ديفيد بيكر وستيفن ستابتسنسكي ودان مورتو وراشيل موريسون ونشرته "بلومبيرج" فإن التحول إلى الطاقة النظيفة يستهدف جعل أنظمة الطاقة في البلاد أكثر وليس أقل مرونة. لكن التحول الفعلي نحو الطاقة النظيفة سيستغرق عدة عقود وخلال هذه العقود سيظل العالم يعتمد على الوقود الأحفوري حتى في الوقت الذي يغير فيه المنتجون الرئيسيون للنفط استراتيجياتهم الإنتاجية  بشكل جذري.

يقول دانيال يرجين أحد أشهر محللي الطاقة ومؤلف كتاب "الخريطة الجديدة : الطاقة والمناخ وصدام الأمم" أزمة الطاقة الحالية تمثل رسالة تحذير من مدى التعقيد الذي سيشهده التحول نحو الطاقة الجديدة. ففي خضم التغييرات الجوهرية أصبح نظام الطاقة العالمي أكثر هشاشة وأشد عرضة للصدمات.

وتشهد أوروبا الآن حالة من الفوضى في سوق الطاقة. ففي الشتاء الماضي الذي كان أبرد من المعتاد تم استنزاف مخزونات الغاز في حين لم تحاول روسيا أكبر مصدر إلى أوروبا تعويض هذا النقص خلال الصيف لترتفع أسعار الكهرباء والغاز لمستويات قياسية مع تزايد الطلب نتيجة تعافي الأنشطة الاقتصادية من تداعيات الجائحة. هذا السيناريو كان سيحدث لو أن العالم تعرض للجائحة قبل 20 عاما. لكن الآن أوروبا تعتمد على مزيج مختلف من مصادر الطاقة.

وقد تراجع الاعتماد على الفحم بدرجة كبيرة لصالح الغاز الأقل تلويثا للهوء. لكن زيادة الطلب العالمي خلال العام الحالي أدى إلى ندرة في إمدادات الغاز. في الوقت نفسه فإن انخفاض إنتاج المصدرين الآخرين للطاقة النظيفة وهما الرياح والمياه بصورة غير معتادة كان نتيجة بطء حركة الرياح وانخفاض الأمطار في مناطق عديدة ومنها النرويج. الضربة المؤلمة التي تعرضت لها أوروبا بمثابة نذير شؤم لنوع الصدمات التي يمكن أن تضرب مناطق أخرى في العالم.

ومع أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تزايدت وأصبحت أرخص بصورة أكبر فإن الكثير من مناطق العالم ستظل تعتمد على  الغاز الطبيعي وغيره من أنواع الوقود الأحفوري كمصادر طاقة بديلة لعقود عديدة قادمة. في الوقت نفسه فإن رغبة المستثمرين والشركات في زيادة الإنتاج من النفط والغاز تتراجع حاليا.

وفي تحليل حديث قال نيكوس تسافوس المحلل الاقتصادي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "الوضع الحالي بمثابة وصفة جيدة لتقلبات الأسواق". وأضاف إن العالم "يتحرك بالتأكيد نحو نظام أكثر هشاشة". والحقيقة أن التحول نفسه وهو أمر حتمي للحفاظ على كوكب الأرض ليس سببا في الأزمة ولكن أي نظام كبير ومعقد يصبح أكثر هشاشة عندما يشهد عملية تغيير كبرى كالتي يشهدها نظام الطاقة في العالم.

يحدث كل هذا في الوقت الذي تتوقع فيه خدمة بلومبيرج لتمويل الطاقة الجديدة نمو الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 60% بحلول 2050 حيث يتخلص العالم من الوقود الأحفوري ويتحول إلى السيارات وأفران الطبخ  وأنظمة التدفئة التي تعمل بالكهرباء. كما أن استمرار نمو السكان والاقتصاد في العالم سيؤدي لارتفاع استهلاك الطاقة. ومع انتقال العالم إلى مزيد من رقمنة جوانب الحياة المختلفة فهذا يعني أن أزمة الطاقة تأتي في الوقت الذي ستزداد فيه حاجة الناس إلى مصادر للطاقة أكثر موثوقية من أي وقت مضى.

وتعني زيادة الطلب على الكهرباء وتقلبات أسعار الوقود أن العالم سيظل يعاني من الصعوبات في مجال الطاقة لعقود قادمة. ومن المحتمل أن تتراوح تداعيات ذلك بين فترات ارتفاع أسعار التضخم بسبب مشكلات الطاقة وتزايد الفجوة في الدخول بين دول العالم وصولا  إلى خطر حدوث انقطاعات واسعة للكهرباء وتوقف النمو الاقتصادي والانتاج.

وبعد أن أصبحت  أنظمة الطاقة على كوكب الأرض مترابطة ومتصلة شعر العالم كله بآثار الأزمة الراهنة ومدى انتشارها. وفي أمريكا تضاعفت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي بالفعل خلال 2021 قبل الوصول إلى ذروة الطلب التي تأتي مع فصل الشتاء.

ولآن أمريكا تعتمد على الغاز الطبيعي في إنتاج 40% من الكهرباء فإن الأسعار المرتفعة ستؤدي حتما إلى ارتفاع فواتير الكهرباء والتدفئة للمستهلكين. وفي الصين ورغم محاولة الحكومة زيادة حصة الطاقة المتجددة فإن الاقتصاد الصناعي مازال يعتمد على الوقود الأحفوري سواء فحم أو نفط أو غاز طبيعي. وعندما استأنفت المصانع نشاطها بكامل طاقتها عقب الجائحة لم تجد الصين وقود كافي لإنتاج الكهرباء التي تحتاجها المصانع. لذلك انكمش الإنتاج الصناعي للصين الشهر الماضي لأول مرة منذ 19 شهرا وهو ما يعني أن ارتفاع أسعار الطاقة أصبح أكبر صدمة تضرب ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ بداية الجائحة.

الأمر نفسه ظهر في بريطانيا التي توالى فيها إفلاس شركات الكهرباء الصغيرة التي عجزت عن استيعاب الارتفاع الحالي في أسعار الغاز الطبيعي. كما رصدت إيطاليا مليارات اليورو للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين. وعقد وزراء مالية دول اليورو اجتماعا يوم الاثنين الماضي لبحث كيفية التعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الطاقة حيث طالبت فرنسا إسبانيا وإيطاليا واليونان بتحرك منسق على مستوى الاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذا الملف.

أخيرا يمكن القول إن أزمة الطاقة الحالية تفرض على العالم قدرا كبيرا من الحذر في التعامل مع ملف التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة النظيفة حتى لا يواجه عواقب يصعب استيعابها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- الطاقة المتجددة