FINANCIAL TIMES

المستثمرون المحنكون يتزاحمون للدخول في الصناعة باستخدام العملات الجديدة

المستثمرون المحنكون يتزاحمون للدخول في الصناعة باستخدام العملات الجديدة

باتت العملات المشفرة تجذب جحافل المحتالين.

المستثمرون المحنكون يتزاحمون للدخول في الصناعة باستخدام العملات الجديدة

الملياردير مايك نوفوغراتز.

قد يكون بعض الفوائد المأمولة من الاستثمار في العملات المشفرة غير متوقعة البتة. وبالنسبة إلى الممول الملياردير مايك نوفوغراتز، فقد كانت فرصته في إلقاء خطاب حول الفن الرقمي في إحدى دور المزادات المرموقة - سببا لتصفية أحد الحسابات القديمة.
يقول المتداول السابق في سوق المال البالغ من العمر 56 عاما، "لقد كنت أفكر إنه: لو أمكن لمعلمتي للفن في الصف الثالث أن تراني الآن". وأكمل بقوله "لم تكن تعتقد أني كنت جيدا جدا ولكن ها أنا ذا هنا، أتحدث على المنصة في دار كريستيز".
قد لا يكون هذا أكبر منجزاته، لكنه أمر يضيف إلى السعادة التي يقول إنه يجدها في مشروعه الحالي، وهي شركة جالكسي ديجيتال المتخصصة في الخدمات المالية وإدارة الاستثمارات في العملات المشفرة. وبالنسبة إليه، فإن الشعور بالإثارة بسبب طفرة العملات المشفرة يناظره أكبر انتصاراته المهنية، وهو تعويم فورتريس عام 2007، الذي يعد أول صندوق تحوط يطرح للاكتتاب العام.
يقول نوفوغراتز في إشارة منه إلى الخسائر التي أصابت صناديق التحوط حينذاك "لقد كان ذلك وقتا عصيبا، لكننا بالطبع تأثرنا بالأزمة المالية في 2008 بشكل مباشر وتعلمنا دروسنا". وأكمل بالقول "كانت العملات المشفرة حينها أكثر متعة بطريقة ما... إنها تجارة خاصة باليافعين ومن المستحيل تقريبا مواكبة كل المستجدات في الوقت الحالي".
نوفوغراتس هو واحد من عشرات الشخصيات الثرية الذين يستثمرون ليس فقط في العملات المشفرة، بل أيضا في الصناعة التي تدعمها - وهي البورصات، وشركات إدارة الأصول ومقدمي الحلول التكنولوجية. إن الأغلبية من الأمريكيين كثيرا ما يستثمرون الأموال في العملات المشفرة باستخدام الأموال التي حققوها في مشاريع سابقة، إلى جانب خبراتهم التي يمكن أن تساعد على تحويل الكم الهائل والفوضوي من النشاط إلى قطاع مالي مستدام.
ولكن في حين أن هناك كثيرا من المعجبين بتكنولوجيا البلوكتشاين التي تدعم إصدار وتداول العملات المشفرة، هناك أيضا عديد من الناقدين الذين يتساءلون كيف يمكن لمثل هذه الكمية المتمردة من الشركات الجديدة أن تتفوق على المستثمرين أو المنظمين العاديين.
يمكن للمستثمرين من أمثال نوفوغراتز أن يحدثوا فرقا. على عكس عديد من المستثمرين في العملات المشفرة، فهو يتمتع بخلفية مالية قوية، حيث عمل لمدة عقد من الزمان في جولدمان ساكس قبل أعوام الزهو في فورتريس. وقد استثمر لأول مرة في عملة البيتكوين في عام 2012 بقيمة سبعة ملايين دولار عندما كانت متداولة بسعر 95 دولارا. وفي ظل الاضطرابات التي شهدتها الأسواق المالية العالمية، خاصة في أوروبا، تراءى له أن البيتكوين ستكون العملة البديلة، كما يقول "وكان رهانا مثيرا للاهتمام حقا". وبعد ثلاثة أعوام، اشترى 500 ألف عملة إيثيريوم مقابل 0.99 دولار لكل منها من المبتكر المشارك للعملة، وهو فيتاليك بوتيرين.
حقق الرهان أرباحا كثيرة، الأمر الذي دفع نوفوغراتس لإعلان نيته إنشاء شركة مثيلة لجولدمان ساكس لكنها متخصصة في أسواق العملات الرقمية. ثم قام بإطلاق جالكسي ديجيتال في عام 2018، حيث استوحى الاسم من أفلام ستار وورز، ووضع محفظته للعملات المشفرة، وقيمتها 302 مليون دولار كلها في الشركة. ولدى الشركة الآن ما قيمته أكثر من تسعة مليارات دولار من الأصول.
يعتقد نوفوغريتس أن الحجج الخاصة بالعملات المشفرة الآن هي أكثر إقناعا، حيث تهدد الأموال الرخيصة مصداقية التمويل التقليدي. ويقول نوفو كما يعرف في الأسواق "ما يحدث اليوم في الأسواق يجعل التيسير الكمي لعام 2012 يبدو كأنه قطرة في بحر". ويضيف "إن لثورة البلوكتشاين هدف، وهو أننا سنقوم بإعادة بناء البنية التحتية المالية وسنلاحق محصلي الإيجارات".
إن هذه الفكرة ليست بجديدة. فلطالما ادعى المعجبون أن التكنولوجيا يمكن أن تجعل المدفوعات مجانية، وتوفر حلولا لمن لا يتعاملون مع البنوك، وتسهل على الأفراد امتلاك بياناتهم الخاصة وإنهاء التزوير. ويقول المنتقدون إن تقنية البلوكتشاين، أو الدفتر الموزع، تدمر البيئة "بسبب الكمية الهائلة التي تستهلكها من الكهرباء، وإنها عديمة الجدوى، وإنها حل يبحث بيأس عن مشكلة.
قبل عقد من الزمن، كان نظام البلوكتشاين مرادفا لعملة البيتكوين. واليوم، تعمل دفاتر الموزع الجديدة مثل منصة إثيريوم على تشغيل أسواق جديدة، بما في ذلك التمويل اللامركزي والرموز غير القابلة للاستبدال. وفي الوقت نفسه، تعد وحدات أوروبورو، وهي نوع جديد من تقنية البلوكتشاين، أسرع وأكثر كفاءة وصديقة للبيئة من دفتر الموزع الأصلي الذي يشغل نظام البلوكتشاين.
مثل نوفوغريتس، فإن تشارلز هوسكينسون ومقره وايومنغ يؤمن بقدرة البلوكتشاين على التغيير. حيث يعد إحدى الشخصيات الرئيسة في عالم العملات المشفرة، وهو المخترع المشارك لـنظام إثيريوم بلوكتشاين، ومنصة كاردانو بلوكتشاين، والرئيس التنفيذي لمنظمة الأبحاث في البلوكتشاين آي أوه إتش كيه.
يقول هوسكينسون، البالغ 33 عاما، الذي درس نظرية الأعداد التحليلية في الجامعة "إني حقا لا أتمتع بإجازات نهاية الأسبوع - فأنا دائما منشغل في أحد المشاريع". وعندما يكون لديه بعض وقت الفراغ، فإنه يذهب للاصطياد بالنسور في منغوليا، ويصوم لمدة أسبوع ويقول إنه "مستخدم شغوف للغرف المبردة". ومرة، لعب كرة القدم مع فيل.
إن هوسكينسون الذي تحدث العام الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عن قدرة البلوكتشاين على تعزيز التغيير الاجتماعي، يشبه البيتكوين بالمحرك البخاري أولي الصنع، إنه شيء أثبت أنه ذو قيمة كبيرة، ولكن فقط كنقطة للانطلاق. ويقول "إن هناك نحو نصف دزينة من العملات المشفرة من الجيل الثالث تقوم بما تقوم به عملة البيتكوين وأكثر من ذلك بكثير، ولكنها لا تستهلك القدر نفسه من الطاقة". ويقول "سيسمح هذا التقدم للبلوكتشاين بالانتشار إلى ما أبعد من التمويل وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي."
إن تقنية البلوكتشاين تتسرب إلى مجالات أخرى خارج نطاق التمويل، بما في ذلك التطبيقات الجديدة في الفن والممتلكات والمقتنيات على شكل الرموز غير قابلة للاستبدال. والعملات المستقرة - وهي أصول رقمية خاصة تربط العملات المشفرة بالنقود المدعومة من البنوك المركزية - لها رأس مال سوقي يقارب 115 مليار دولار، وفقا لموقع بيانات العملة المشفرة كوين ماركيت كاب. حتى إن مشجعي كرة القدم الذين اشتروا تذاكر بطولة أوروبا 2020 الأخيرة كانوا يستخدمون نظاما يعتمد على تقنية الدفتر الموزع.
لكن العقبات ما زالت قائمة. فقد جذب النمو السريع للعملات المشفرة أعين المنظمين، بمن فيهم الموجودون في الصين والولايات المتحدة، والذين يشعرون بالقلق إزاء كمية الأموال التي تم نقلها إلى هذه السوق المتقلبة. حيث أدى هذا إلى تهدئة الجنون في تداول العملات المشفرة الذي استحوذ على المستثمرين في الأشهر الأولى من جائحة كوفيد -19.
وتقف هذه الصناعة على مفترق طرق، فهي إما أن تتجه نحو الانهيار وإما ظهور دليل واضح على أن هذه التكنولوجيا قد وجدت لتبقى. ويقول نوفوغراتس، "يمكنني في الوقت الحالي أن أجتذب الأفضل والأذكى من جميع الجامعات، ولكن إذا حدث شيء ما وهدأ كل شيء لمدة أربعة أعوام، فإنهم لن يأتوا إلى مجال العملات المشفرة". ويضيف "إن العبء التنظيمي حقيقي، والتراجع بسبب الصين حقيقي، وستكون هذه الأحداث اختبارا حقيقيا".
إن المخاطر جمة. والمنظمون الذين يخشون فقدان السيطرة، يكرهون العملات المشفرة الخاصة والجهود المبذولة لتحويل الأصول التقليدية إلى رموز مبنية على أنظمة البلوكتشاين. وباتت العملات المشفرة تجذب جحافل المحتالين، ففي عام 2020 وحده، كلفت عمليات الاحتيال المستثمرين في العملات المشفرة 1.9 مليار دولار، وذلك وفقا لشركة تحليلات العملات المشفرة سايفر تريس.
وقد كتب جاري بي جورتون، أستاذ المالية في كلية ييل للإدارة في ورقة بحثية، "بالاستناد إلى الدروس المستفادة من التاريخ، فإننا نخلص إلى أن الأموال المنتجة بشكل خاص هي ليست وسيلة فعالة للتبادل لأنها لا تقبل دائما على أساس المساواة ولأنها عرضة للمتغيرات".
لكن هذا لا يمنع المستثمرين الملتزمين أمثال ويليام كويجلي. ففي تسعينيات القرن الماضي، ساعد هذا الملياردير البالغ من العمر 56 عاما على إنشاء سوق للأصول الافتراضية في ألعاب الفيديو، حيث يقوم اللاعبون بشراء عناصر ألعاب إضافية. واليوم، تبلغ قيمة القطاع 200 مليار دولار سنويا. وقد شارك كويجلي في تأسيس آيديا لابز كابيتال بارتنرز، التي تعد أول شركة رأس مال مغامر تركز على الشركات الناشئة المختصة بالإنترنت، التي قدمت الدعم لمجموعة المدفوعات باي بال.
وفي مجال العملات المشفرة، كويجلي هو أحد مؤسسي تيثر، التي تعد أول عملة مستقرة في العالم، وأحد الثنائي الذي طور أول مشتقات العملات المشفرة. وهو أيضا الرئيس التنفيذي لشركة ورلد وايد أسيت إكستشينج، وهي أكبر منصة للرموز غير القابلة للاستبدال. يمكن لهذه الأجزاء من التعليمات البرمجية للحاسوب تخزين الفيديو أو محتوى الوسائط المتعددة وحمايتها من التزوير. وهي تسمح "بترميز" الأعمال الفنية، أو تجزئتها إلى أجزاء وبيع حقوق امتلاكها لمئات العملاء ثم تداولها في الأسواق الثانوية.
بدأت علاقة كويجلي بالفن الرقمي بارتباطه مصادفة مع فنان يحمل الاسم نفسه هو ويليام كويجلي، الذي عرض أعماله الفنية جنبا إلى جنب مع أعمال آندي وورهول. وقام رائد الأعمال بالاتصال مع الفنان، وبقيا على اتصال وتعاونا أخيرا لإصدار مجموعة من الرموز غير القابلة للتبديل، وموضوعها لعبة البيسبول، التي بيعت في غضون دقائق.
وعلى الرغم من ذلك، لم يقتنع عديد من المستخدمين الأوائل لنظام البلوكتشاين بالرموز غير القابلة للاستبدال. يتذكر كويغلي عندما ألقى محاضرة في عام 2017. يقول، "أتذكر أنني قدمت شريحة من عرضي التقديمي وقلت يمكن أن يصل سعر هذه الأجزاء إلى 50 ألف دولار، ثم قال أحد الحضور، من سيدفع 50 ألف دولار مقابل شيء غير مدعوم بأي شيء آخر؟ لذلك كان علي أن أذكرهم بأن هذا صحيح بالنسبة إلى عالم العملات المشفرة بأسره".
في الوقت الحاضر، إن الرموز غير القابلة للاستبدال هي الأكثر رواجا. ففي الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وصلت مبيعاتها إلى 2.5 مليار دولار، مقارنة بأقل من 14 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. وفي شهر آذار (مارس) الماضي، دفع مستثمر تشفير معروف باسم ميتاكوفان مبلغا قياسيا قدره 69 مليون دولار مقابل رمز غير قابل للاستبدال للفنان الرقمي بيبل.
إن خلفية كويجلي الاستثمارية على الويب جعلت منه مرشحا مثاليا للعملات المشفرة، على الرغم من كونه مترددا في البداية بسبب الخسائر التي تكبدها خلال أزمة طفرة الإنترنت. ويقول، "كان لدي علامة فارقة كرأسمالي مغامر عندما أخبرني صديقي عن البيتكوين في عام 2010.
ولكن بعد عام، وعلى الرغم من حذره، شعر كويجلي بوجود سوق للعناصر الافتراضية. ويقول، "قررت التركيز بشكل كامل على البلوكتشاين لأنها ذكرتني بعام 1994 عندما تم إطلاق أول متصفح تجاري للإنترنت [نيت سكيب نافيجيتور]. لقد كان لدي معرفة حول الكيفية التي من المحتمل أن يتطور بها الفضاء الإلكتروني في الوقت الذي لم يتطور فيه الآخرون."
يقول كويجلي إن الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن أن تقضي على التقليد - سواء أكان للأوراق النقدية أو الفن أو دمى ديزني. ويقول، "ستسمح المنتجات الاستهلاكية ذات الرمز المميز الذي يعمل بمنزلة توأم رقمي للمشترين بالتحقق على الفور مما إذا كانت أصلية، ومن عدد المنتجات التي تم تصنيعها ومن أين أتت، وهو أمر يصعب تنفيذه بعملة الدولار أو أوقية الذهب".
وفي هذه الأثناء، تهافت المستثمرون هذا العام للمراهنة على أنظمة المعاملات "المالية، ولكن في المستقبل لأي عملية بيع"، حيث تستبعد تقنية بلوكتشاين الوسطاء وتستبدلهم بخوارزميات مبرمجة مسبقا.
وقد ازداد الاهتمام بهذا النوع من التمويل اللامركزي منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، حيث تبلغ قيمة السوق الإجمالية الآن 53 مليار دولار، حيث ارتفعت من 15 مليار دولار في بداية العام، وفقا لشركة البيانات والتحليلات المتخصصة ديفاي بالس. إن نوفوغراتس هو من بين الداعمين للتكنولوجيا المالية. فهو يساعد من خلال شركة جالكسي ديجيتال في تمويل بوليش جلوبال، وهي منصة تداول لشركات التكنولوجيا المالية التي بلغت قيمتها في صفقة مالية أخيرا تسعة مليارات دولار. يقول نوفوغراتس، "لم تكن الأزمة المالية العالمية لتحدث لو كان لدينا نظام تكنولوجيا مالية آنذاك، لأنه نظام شفاف بشكل كلي. إنه نظام يخيف المنظمين الآن لأنه ينمو بسرعة كبيرة، لكنني أعتقد أنه سيتم حسم ذلك في الأشهر الستة أو الثمانية المقبلة."
إن نوفوغراتس يدعم التنظيم. ويقول، "إنني أواصل إخبار رجال التكنولوجيا المالية: أيها الأصحاب، إذا استمريتم في عدم الاكتراث لحكومة الولايات المتحدة، فستكتشفون أن ذراع القانون الأمريكي الطويلة مخيفة للغاية. نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر نضجا بشأن كيفية تعاملنا مع التنظيم لأن البلوكتشاين هو النظام الأفضل بالفعل."
لكن البلوكتشاين تحتفظ ببنية قوية ضد المؤسسات الحكومية. ويقول هوسكينسون، "في نهاية الأمر، نعتقد أن تقنية بلوكتشاين هي نظام بديل للحكومة"، ويجادل الأخير بأن خيبة الأمل من السلطة منتشرة على نطاق واسع، كما يتضح من نجاح دونالد ترمب في أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة، وحركة حياة السود مهمة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمظاهرات المساندة للبيئية. "نحن نطلق على هذا الأمر 'إعادة الضبط العظيمة' وهناك جدال عالمي في الوقت الحالي، ولكن ماذا يعني ذلك؟ ما الذي سنفعله بالفعل؟ ليس من الكافي أن تغضب... عليك أن تخطو خطوة إلى الوراء وتقول، ماذا سنفعل؟ ما هو الحل؟".
ولكن قبل أن تتمكن من تغيير العالم، بجميع الأحوال، تواجه تقنية بلوكتشاين تحديا هائلا، وهو إظهار أنه بإمكانها أن تحصل على القبول والثقة من نطاق أوسع بكثير من الناس. وجلب الربح للمستثمرين الذين يستثمرون أموالهم فيها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES