FINANCIAL TIMES

الطقس القاسي يجعل نماذج تغير المناخ خارج السياق

الطقس القاسي يجعل نماذج تغير المناخ خارج السياق

مشهد يعكس بجلاء عنف الفيضانات التي ضربت ألمانيا.

حرائق، وفيضانات، وموجات حر، وجفاف. تسبب الطقس المميت الذي تكشف في الأسابيع الأخيرة في إصابة علماء المناخ "بالصدمة" والقلق من وصول الأحداث المفرطة بشكل أسرع مما تنبأت به النماذج.
ففي جنوب ولاية أوريجون الأمريكية، اندلع لأسابيع حريق على مساحة أكبر من حجم مانهاتن 25 مرة، جراء موجة حر حطمت الرقم القياسي. وفي الصين خلفت الفيضانات عشرات القتلى بعد أن هطلت في يوم واحد في مدينة تشنجتشو في وسط البلاد أمطار تعادل تلك التي تهطل في عام، ما تسبب في أضرار بأكثر من عشرة مليارات دولار.
وفي روسيا تم إعلان حالة الطوارئ في ياكوتيا في الشرق الأقصى، حيث تقوم السلطات بإنتاج أمطار اصطناعية عن طريق زرع غيوم باليود الفضي، في محاولة لإخماد أكثر من 200 حريق.
يقول علماء المناخ إن شدة هذه الأحداث هي ببساطة "خارج النطاق" مقارنة بما تنبأت به نماذج الغلاف الجوي - حتى عندما يؤخذ الاحترار العالمي في الحسبان بالكامل.
قال كريس رابلي، أستاذ علوم المناخ في يونيفيرسيتي كوليج لندن: "أعتقد أنني أتحدث نيابة عن العديد من علماء المناخ عندما أقول إننا نشعر بصدمة بعض الشيء مما نشهده. هناك تغيير جذري في وتيرة وقوع الأحداث (الجوية) القاسية."
من الفيضانات المميتة في ألمانيا الأسبوع الماضي، إلى الحرارة الحارقة في كندا، والسيول في منطقة البحر الأسود، كانت وتيرة وحجم الأضرار الكارثية على نحو لا يمكن تصوره تقريبا، حتى بالنسبة للخبراء الذين أمضوا حياتهم في دراستها.
أحد العوامل وراء عديد من هذه الأحداث هو نمط التحول في التيار النفاث، وهو حزام سريع التدفق من الهواء يتحكم في الطقس في نصف الكرة الشمالي. إنه آخذ في التباطؤ والتموج أكثر، خاصة في أشهر الصيف.
عندما يصبح التيار النفاث بطيئا ومتذبذبا، فإن أنظمة الضغط العالي وأنظمة الضغط المنخفض تنمو من حيث الحجم وتعلق في مكانها، كما يوضح مايكل مان، مدير مركز علوم نظام الأرض في جامعة ولاية بنسلفانيا.
هذا يعني أن موجات الحرارة والجفاف (المرتبط بأنظمة الضغط العالي) والفيضانات (المرتبطة بأنظمة الضغط المنخفض) تصبح أكثر ديمومة.
هذه الظاهرة المعروفة باسم "رنين الموجة الكوكبية"، هي السبب وراء الموجة الحارة الأخيرة في أمريكا الشمالية، مثلا، حيث بلغت درجات الحرارة الحارقة في غرب كندا 49 درجة مئوية. كما ساهمت في ارتفاع درجات الحرارة المفرطة في منطقة القطب الشمالي الروسية، حيث تنتج حرائق الغابات الواسعة دخانا ساما غطى مدينة ياكوتسك الساحلية في سيبيريا، المعروفة بأنها واحدة من أبرد المدن في فصل الشتاء على هذا الكوكب. فقد تسببت الحرائق هناك في واحد من أسوأ حالات تلوث الهواء في العالم، ما أدى إلى توليد مستويات خطيرة من الجزيئات الصلبة.
يشعر مان بالقلق من أن النماذج الحالية لا تعيد إنتاج سلوك التيار النفاث بدقة. "هذا يعني أنها تقلل من أهمية تأثير تغير المناخ على الظواهر الجوية القاسية"، مضيفا أن "الاحترار العام للكوكب يتماشى إلى حد كبير مع تنبؤات أنموذج المناخ منذ عقود، بينما الارتفاع في الظواهر الجوية القاسية يتجاوز التوقعات".
ارتفعت درجة حرارة العالم 1.2 درجة مئوية في المتوسط منذ عصور ما قبل الثورة الصناعية، لكن هذا الاحترار موزع بشكل غير متساو، حيث ترتفع درجة حرارة منطقة القطب الشمالي بمعدل أسرع ثلاث مرات من بقية العالم بسبب فقدان الثلوج والجليد إلى حد كبير.
هذا الاحترار في القطب الشمالي له تأثير كبير على التيار النفاث، ولذي يحكمه جزئيا اختلاف درجة الحرارة بين الهواء القطبي البارد والهواء الاستوائي الدافئ.
في ألمانيا وبلجيكا، يعد التيار النفاث الأبطأ أحد العوامل التي ساهمت في الفيضانات هذا الشهر، التي أدت إلى مقتل أكثر من 120 شخصا وتدمير البلدات والقرى.
"كان لدينا حقل ضغط منخفض لم يتحرك فوق وسط أوروبا ، وكان دائما وطويل الأمد". كما قال فريد هاترمان، الباحث في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، مشيرا إلى أن "أنماط الطقس لدينا عادة ما تنتقل من الغرب إلى الشرق".
ويشرح قائلا: "محرك الرياح الغربية لدينا هو التدرج الحراري من خط الاستواء إلى القطب الشمالي". والاحترار في القطب الشمالي يعني أن "هذا المحرك قد ضعف".
ليست كل أحداث الطقس القاسية مرتبطة فقط بالتيار النفاث. فالاحترار العالمي له تأثير مباشر في تكثف البخار وهطول الأمطار، لأن الهواء الأكثر دفئا يمكن أن يحتفظ بمزيد من الرطوبة - نحو 7 في المائة أكثر من الماء لكل درجة مئوية من الاحترار.
هذا جزء من السبب في أن الفيضانات الأخيرة في الهند والصين كانت مدمرة للغاية، مشتملة على دورات الرياح الموسمية بدلا من سلوك التيار النفاث.
وسط الأمطار الغزيرة التي غمرت مقاطعة هينان في وسط الصين الأسبوع الماضي، شهدت عاصمتها تشنجتشو تساقط 20 سنتمتر من المياه في ساعة واحدة.
وبحلول يوم الجمعة، تسببت الفيضانات في مقتل 51 شخصا وأضرار مباشرة قيمتها 65.5 مليار رنمينبي (10 مليارات دولار) في مدينة تشنجتشو وحدها. وتم دفع كميات كبيرة بشكل غير عادي من بخار الماء نحو داخل البلد بسبب الأعاصير على السواحل الجنوبية للصين وتحولت إلى مطر بعد أن هبت فوق سلاسل الجبال في هينان، وفقا لإدارة الأرصاد الجوية الصينية.
أدى الضغط المرتفع المستمر فوق بحر اليابان وشمال غرب الصين إلى ركود السحب المطيرة في دوامة من الضغط المنخفض فوق هينان، لتصبح سلسلة بطيئة الحركة من العواصف الشديدة والمتتالية المعروفة باسم "تأثير القطار"، كما قالت الإدارة لوسائل إعلام حكومية صينية.
قالت السلطات الصينية إن الأحجام تجاوزت أي شيء تم تسجيله على مدار الخمسة آلاف عام الماضية، لتمتد إلى تاريخ البدء الرسمي للحضارة الصينية.
في غضون ذلك، تواصل فرق الإطفاء في شمال شرق روسيا محاربة أكثر من 200 حريق. وشهدت منطقة ياكوتيا بانتظام انخفاضات تصل إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر في بعض الأماكن لكنها سجلت مؤخرا عدة أرقام قياسية جديدة لأعلى درجات الحرارة داخل الدائرة القطبية الشمالية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES