FINANCIAL TIMES

هوس انعدام السيولة يقود التمويل

هوس انعدام السيولة يقود التمويل

تشرع مجموعة "لويدز" المصرفية في الملكية المباشرة لعقارات سكنية للتأجير.

أعلن جون ماينارد كينز في نظريته العامة للتوظيف والفائدة والمال أنه "من مبادئ التمويل الأرثوذكسي، لا شيء بالتأكيد أكثر معاداة للمجتمع من هوس السيولة".
إذا كان الخبير الاقتصادي العظيم موجودا اليوم، فقد يكون قلقا بدلا من ذلك بشأن هوس انعدام السيولة.
كان ضعف النظام المصرفي قبل الأزمة المالية يعزى جزئيا إلى التراجع الكبير في السيولة. في الستينيات من القرن الماضي، كانت المصارف التجارية في المملكة المتحدة ومعظم دول العالم المتقدم تمتلك 25 في المائة أو أكثر من أصولها نقدا وسندات حكومية قصيرة الأجل خالية من مخاطر التخلف عن السداد.
هذا الأمر أزعج المصارف لأن العائد على النقد كان صفرا، في حين أن العائد على الأصول مثل سندات الخزانة كان أعلى بقليل من معدلات سوق المال. لذا خفضت مصارف المقاصة البريطانية السيولة إلى نحو 2 في المائة قبل الأزمة، دون اعتراض من بنك إنجلترا.
هذا التعديل يعني أنها كانت تزيد من تعرضها للأصول الخاصة ذات المخاطر الأعلى عندما صادف أنها كانت تمول أعمالها بشكل متزايد من ودائع الجملة المتقلبة. هذا الأمر جعلها تعتمد على البنك المركزي لتسوية الفوضى في حالة حدوث أي صدمة للنظام. في الواقع، أسندت إدارة السيولة إلى البنك المركزي مع وقوع مخاطر السيولة في نهاية المطاف على عاتق الجهات التي تدفع الضرائب.
بموجب قواعد لجنة بازل للرقابة المصرفية تمت إعادة بناء السيولة منذ ذلك الحين، وإن لم تكن قريبة من مستويات الستينيات. مع ذلك، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه. فرضت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية ضغطا شديدا على أرباح المصارف. ووفقا لتقرير صدر أخيرا عن مجلس المخاطر النظامية الأوروبي التابع للاتحاد الأوروبي، فقد أجبر هذا المصارف على إجراء عملية جديدة للبحث عن العائد، وقادها إلى توجيه تكوين أصولها نحو قطاعات السوق ذات المخاطر الأعلى مثل العقارات التجارية. كما أنها زادت من تعرضها لمخاطر أسعار الفائدة من خلال منح قروض بسعر فائدة ثابت ذات آجال استحقاق أطول.
الآن هناك تحرك أعمق في مجال العقارات جار على قدم وساق. أعلنت مجموعة "لويدز" المصرفية أخيرا، أنها تشرع في الملكية المباشرة لعقارات سكنية للتأجير، وفي بعض الحالات كانت تحمل على عاتقها مخاطر التطوير. كان ذلك عندما لم تكن العقارات المملوكة مباشرة مناسبة للميزانيات العمومية للمصارف لأن العقارات غير سائلة نسبيا، خاصة في فترة الانكماش. زاد من حدة الوضع استحواذ "لويدز" المدمر في 2009 على "إتش بي أو إس"، الذي تسبب في عمليات شطب كبيرة في أراضيها السكنية المملوكة مباشرة وعمليات بناء المنازل التابعة لها في الأزمة.
شهد النظام المالي الأوسع تراجعا مماثلا من السيولة. تظهر دراسة أصول المعاشات التقاعدية العالمية الأخيرة الصادرة عن شركة "ويليس تاورز واتسون" الاستشارية أن توزيع أصول صناديق التقاعد على الأصول الخاصة بما في ذلك الأسهم الخاصة والعقارات والبنية التحتية قد ارتفع من 7 في المائة إلى 26 في المائة على مدار الـ20 عاما الماضية. سعت هذه الصناديق إلى الحصول على علاوة مخاطر عدم السيولة، والعائد الإضافي أعلى من العائد على الأسهم المدرجة.
من المقرر أن يستمر هذا الاتجاه - وسنشهد قرار صندوق المعلمين في أونتاريو الذي تبلغ قيمته 221 مليار دولار كندي لاستثمار 70 مليار دولار كندي في الأسواق الخاصة على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
إن التمكين المالي للصناديق الخاصة الذي سيترتب على ذلك كله يشير إلى مزيد من الانكماش في إجمالي مجموعة الأسهم حيث تعمل الأسهم الخاصة على إعادة تسييل السوق تحت سيطرة الشركات. يشير تقرير جديد صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول حوكمة الشركات وأسواق رأس المال بعد أزمة كوفيد -19 إلى أنه منذ 2005 شطبت أكثر من 30 ألف شركة من أسواق الأسهم على مستوى العالم. عمليات الشطب هذه لم تقابلها عمليات إدراج جديدة، لذلك كانت هناك خسارة صافية كبيرة للشركات المدرجة في البورصة.
لا يمثل ذلك عمل الأسهم الخاصة كله. إنه يعكس، من بين أمور أخرى، سهولة الحصول على الديون الرخيصة للغاية ذات الامتيازات الضريبية ومتطلبات رأس المال المنخفض لشركات التكنولوجيا. ما يثير الاهتمام أن تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يشير إلى أن 23 في المائة من جميع رؤوس الأموال السهمية التي تم جمعها في الولايات المتحدة بين عامي 2010
و2019 ذهبت إلى شركات التكنولوجيا. يبدو هذا الرقم المرتفع غير منطقي حتى تدرك أن جزءا كبيرا من هذا الرقم يتعلق بشركات التكنولوجيا الزائفة مثل "أوبر" و"ليفت"، التي تعتمد على المراجحة التنظيمية لسوق العمل لاستخراج الأرباح من الشركات البسيطة التي تلعب فيها التكنولوجيا دورا ثانويا بحتا.
وظيفة سوق الأسهم الأساسية، على نحو متزايد، تمويل الخسائر التشغيلية حتى تحقق هذه الشركات الربحية "أو لا تحققها، حسب الحالة". كما أن هيكل أسواق رأس المال بشكل عام تمليه، على نحو متزايد، سياسة نقدية فضفاضة للغاية. العبرة، مرة أخرى، أن الاندفاع في البحث عن العائد يؤدي حتما إلى سوء تقدير المخاطر بشكل غير عادي. علاوة المخاطرة في الأسواق الخاصة تتضاءل، بل وقد تكون وهمية في بعض المناطق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES