FINANCIAL TIMES

الحنين إلى التصنيع لن يجلب وظائف أفضل

الحنين إلى التصنيع لن يجلب وظائف أفضل

الجميع يحب وظائف التصنيع. والشغف بالمصانع في الولايات المتحدة شيء يتشارك فيه الرئيس جو بايدن مع سلفه دونالد ترمب. وقال بايدن في كانون الثاني (يناير) عندما وقع أمرا تنفيذيا للتشجيع على مزيد من مشتريات الحكومة الفيدرالية للسلع الأمريكية الصنع، "لا أصدق لثانية واحدة أن حيوية التصنيع الأمريكي باتت شيئا من الماضي". وفي المملكة المتحدة، يميل حزب المحافظين الحاكم إلى فكرة أن الوظائف المتأتية من المصانع الجديدة في المناطق المتعثرة يمكن أن تقلل من عدم المساواة الجغرافية.
يلخص تقرير جديد صادر عن مركز أبحاث يمين الوسط في المملكة المتحدة "أونوارد"، الجدال كالتالي، التصنيع قطاع عالي الإنتاجية ويوفر وظائف جيدة بأجر كريم للأشخاص الذين لا يحملون الشهادات التعليمية، والذين في الأغلب ما تكون خياراتهم البديلة العمل بأجر منخفض في قطاع الخدمات. ومن المؤكد أن عديدا من الأماكن التي فقدت جلا كبيرا من وظائف التصنيع في العقود الأخيرة قد عانت أضرارا اجتماعية واقتصادية عميقة. لكن هل من المجدي إعادة هذه الوظائف؟
يعد التصنيع في الدول الغنية عالي الإنتاجية، لأن الأتمتة ونقل العمليات التي تتطلب كثافة اليد العاملة إلى الخارج يعني أن القطاع يحتاج الآن إلى عدد أقل من الأشخاص لإنتاج القدر نفسه من السلع. وذات مرة أجريت مقابلة مع شاب ترك وظيفته في مصنع لأحزمة الأمان بسبب الملل. حيث قال، "كان عملي حرفيا عبارة عن مجرد الجلوس على كرسي والضغط كل دقيقتين على زر أو اثنين". إن فكرة "تخفيض التصنيع" في العالم الغني ليست صحيحة تماما، لقد صمد الإنتاج الصناعي في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حتى مع انخفاض العمالة الصناعية.
يقول جيغار كاكاد، الخبير الاقتصادي في معهد توني بلير الذي عمل في اتحاد مصنعي "جاكوار، ولاند روفر، وميك يو كيه"، إن مشاريع التصنيع الجديدة في دول مثل المملكة المتحدة تميل إلى أن تكون مستهلكة لرأس المال دون إيجاد عديد من الوظائف. وتساءل كاكاد "هل ترغب في زيادة الوظائف إذا كانت الوظائف التي سترجع إلينا أقل مهارة وأقل إنتاجية؟". ليجيب، "لا نريد التنافس على تكاليف اليد العاملة، فهذا وضع محفوف بالمخاطر في سلاسل القيم العالمية ولا ينبغي أن يكون هذا طموح العمال".
هناك قوى اقتصادية يمكن أن تدفع الطلب على مزيد من التصنيع في الدول الغنية، من بينها مشاريع الطاقة الخضراء وسلع استهلاكية معينة تستفيد من سلاسل التوريد شديدة النقص. ويمكن لصانعي السياسات "التأرجح وراء" هذه الاتجاهات، كما يقول كاكاد، لكن لا ينبغي أن يتوقعوا منهم إيجاد أعداد كبيرة من الوظائف للأشخاص ذوي المؤهلات المتواضعة، فضلا عن المجالات التي يختارونها تحديدا.
إذا كنت ستستخدم الإعانات أو غيرها من الحوافز لإقناع الشركات بإنشاء مصانع في أماكن معينة، فإن جذورها السطحية تعني أنها عرضة للإغلاق مرة أخرى إذا لم تثبت فاعليتها بدرجة كافية. وداخل الشركات الكبيرة، في الأغلب ما تكون مواقع المصانع المختلفة في تنافس مع بعضها بعضا، حيث يكون العمال على دراية جيدة "بجداول الدوري" الداخلية.
ومن المقرر في غلاسكو إغلاق مصنع "ماكفيتيس" للبسكويت قريبا مؤديا إلى فقدان 500 وظيفة على الرغم من مختلف الجهود المبذولة لإنقاذه. بيد أنه لا يزال هناك طلب على بسكويت "ماكفيتيس"، لكن تقول شركة "بلاديس غلوبال" المالكة له إن لدى المصنع طاقة إنتاجية زائدة في جميع مواقعها السبعة في المملكة المتحدة. ومنحت وكالة "سكوتيش إنتربرايز"، وكالة للتنمية، الشركة مبلغا قدره 808 آلاف جنيه استرليني من أجل "تمويل المساعدة على التدريب" في عام 2014، للسماح بـ"تحسين مهارات الموظفين في تولكروس، ما نتج عنه حماية 485 وظيفة". وقالت وكالة "بلاديس" إنه تم الوفاء بجميع شروط هذه المنحة. ومنحت الوكالة الشركة مبلغا إضافيا قدره 193 ألف جنيه استرليني في عامي 2016/ 2017 لدعم مشروع لجلب العلامة التجارية "نيبيلز" إلى غلاسكو من تركيا
تتمثل استراتيجية أكثر ديمومة لمساعدة العمال ذوي الأجور المنخفضة واقتصاداتهم المحلية، في تحويل العدد المتزايد من "الوظائف السيئة" في قطاعات مثل الرعاية والتخزين إلى "وظائف جيدة". في نهاية المطاف، كانت تعد وظائف التصنيع سيئة في السابق أيضا. ثلاثينيات القرن الماضي وصفت جريدة "أوتو وركرز نيوز" كيف أن الرجال الذين غادروا مصنع سيارات فورد في الولايات المتحدة كانوا منهكين للغاية بسبب الوتيرة العالية لخطوط التجميع لدرجة أنهم كانوا ينامون في غضون دقائق من تحميل عربات القطار، حتى وهم واقفون على أقدامهم. وقد كانت الحوادث الصناعية منتشرة في مركز التصنيع في ديترويت لدرجة أن أطلق عليها الروائي إرسكين كالدويل اسم "مدينة الثمانية أصابع ". أصبحت هذه الوظائف لائقة لأن العمال ناضلوا "وبمساعدة الحكومات الداعمة" من أجل ظروف ومزايا أفضل وحصة أكبر من مكاسب الإنتاج.
من المضلل القول بأن وظائف قطاع الخدمات اليوم تفتقر إلى فرصة نمو الإنتاجية الذي يمكن أن يحافظ على أجور وظروف أفضل. فقبل بضعة أعوام، كان متلقو الطلبيات في مستودعات أمازون يلتقطون نحو 100 غرض في الساعة. أما الآن، ومع قيام الروبوتات بإحضار الأرفف إليهم، أصبح الموظفون يلتقطون ما بين 300 إلى 400 غرض في الساعة الواحدة. الحنين إلى وظائف التصنيع أمر مفهوم، ولكنه غير إبداعي. فإنه ليس بمقدورنا عكس التاريخ، ولكن بإمكاننا التعلم منه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES