ثقافة وفنون

«مكان هادئ 2» .. رعب «سبيلبرج» بنكهة جديدة

«مكان هادئ 2» .. رعب «سبيلبرج» بنكهة جديدة

بوستر الفيلم.

«مكان هادئ 2» .. رعب «سبيلبرج» بنكهة جديدة

مشهد من العمل.

إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وإن أردت أن تنجو بحياتك فما عليك إلا أن تلوذ بالصمت، فالكلام كالدواء إذا أنقصت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل، إذا أردت أن تظل على قيد الحياة، فعليك أن تلتزم الصمت.. ليس هذا تهديدا أو وعيدا، إنما هو خلاصة فيلم الرعب 2 A Quiet Place الذي نجح، فور طرحه في صالات العرض، في خطف الأنظار والاستحواذ على اهتمام عشاق سينما الرعب.
على وقع انخفاض حصيلة حالات الإصابة بفيروس كورونا تحت وطأة تقدم حملات التلقيح في معظم الدول حول العالم، ومع ارتفاع وتيرة العودة الآمنة إلى الحياة الطبيعية، بدأت تلوح في الأفق علامات التعافي لعدد من القطاعات الاقتصادية ومنها قطاع صناعة السينما، وترافق ذلك مع إصدارات أجزاء جديدة لعدد من الأفلام، التي كونت في السابق قاعدة جماهيرية كبيرة حول العالم، محققة نجاحا منقطع النظير، ومنها فيلم "كويت بليس".
إحياء الآمال لسينما ما بعد كورونا
تمكن صناع السينما العالمية من تحريك المياه الراكدة في عصر الركود السينمائي الذي سببته الجائحة على نسب الأرباح والإيرادات، أولا نتيجة لإقفال الصالات السينمائية لفترة طويلة، وثانيا بسبب الطاقة الاستيعابية لصالات العرض، من خلال ضخهم منسوبا لا بأس به من أجزاء جديدة لأفلام، طالما أسرت قلوب عشاق السينما، وذلك بعد تأجيلها لشهور عدة. فشهدنا منذ منتصف آذار (مارس) الماضي حتى الآن عرض عدد من الأفلام من هذه النوعية، ولعل أبرزها فيلم السرعة "فاست آند فيوريس" بجزئه التاسع، وجزء جديد من فيلم SAW والجزء الثالث من فيلم الشعوذة "كونجورينج"، وحققت هذه النوعية من الأفلام انتعاشة قوية في السينما العالمية، متحدية الفيروس المستجد، حاصدة أعلى الإيرادات في زمن كورونا.
وفي هذا السياق، نجح الجزء الثاني من فيلم "مكان هادئ" في إعادة الأمل من جديد لصناعة السينما، بعد تحقيقه 100 مليون دولار خلال 15 يوما من بدء عرضه داخل صالات السينما في الولايات المتحدة، ليتربع على المركز الأول في الإيرادات فترة تفشي الفيروس القاتل.
فبعد أن حقق جزؤه الأول الذي عرض عام 2018، نجاحا غير مسبوق، محققا إيرادات قاربت 300 مليون دولار عالميا، رغم ميزانيته المتواضعة للغاية، عاود فيلم الإثارة والرعب 2 A Quiet Place – حصد النجاح، وهو من تأليف سكوت بك وجون كراسينسكي، وﺇﺧﺮاﺝ جون كراسينسكي، وبطولة إيميلي بلانت وكيليان مورفي وميليسنت سيموندز نواه وجوب لورين وأشلي كارتر، إذ تستكمل العائلة رحلتها في العالم المروع، حيث يعيش الجميع في صمت، خوفا على حياتهم من كائنات غريبة.
صراع البقاء ومواجهة الغزاةيتناول الفيلم قصة عائلة تصارع للبقاء على قيد الحياة، خوفا من كائنات فضائية دموية تعيش على الأرض، بعد تسببها في إنهاء الحضارة الإنسانية بشكلها المعهود، وفي سبيل النجاة تلجأ العائلة إلى الصمت كسلاح رادع للكائنات الفضائية ذات السمع الحساس.
يستكمل الجزء الجديد قصة تلك العائلة المكونة من خمسة أفراد، الأم وأولادها الثلاثة بعد فقدان الأب، ويستمر مسلسل الصمت والهمس الذي يخيم على مشاهده. يتضح من الأحداث المتتابعة أن على الأسرة والناس جميعا الالتزام بالصمت لأن كائنات غريبة تنجذب إلى الأصوات، ويبدو أنها قضت على جميع سكان البلدة ولم يتبق سوى أعداد قليلة.
تبدأ مشاهد الجزء الجديد من الفيلم بهجوم المخلوقات الفضائية، وهو ما لم نشاهده في الجزء السابق، ثم ينتقل إلى حيث انتهى الجزء الأول من الفيلم، يتعرض بيت عائلة أبوت للدمار، وتهرب العائلة للبحث عن ملجأ، قدم إيفيلين "إيميلي بلنت" مضمدة، ويتعرض ابنها ماركوس "نوا جوب" لمصيدة تجرح قدمه بشدة في تكرار/‏ انعكاس mirroring لأحداث الفيلم الأول، عندما داست إيفيلين على مسمار.
يصلون إلى ملجأ إيميت "كيليان مورفي" صديق العائلة، ومعهم ريجن "ميليسنت سيموندز"، وهي ممثلة صماء في الحقيقة وتتحدث بالنسخة الأمريكية من لغة الإشارة في الفيلمين.
وهذه الشخصية التي اكتشفت نقطة ضعف الوحوش، التي لا تتحمل صوت الطنين الحاد الصادر من سماعة أذن ريجن، خصوصا عندما تضع الأخيرة سماعة أذنها على مكبر صوت، ويسبب الطنين الحاد حالة شلل للمخلوقات.
يكشف الجزء الثاني أيضا عن العالم قبل أن تمحو المخلوقات المخيفة معظم البشر، مع لقطات فلاش باك تعرض بعض أكبر لحظات الأكشن والمؤثرات البصرية في الفيلم التي تذكرنا بفيلم War of the Worlds للنجم توم كروز الذي صدر عام 2005. وبفضل المهارة العالية التي يتمتع بها كراسينسكي في صنع تلك المشاهد المليئة بالتشويق واللحظات المرعبة الشبيهة إلى حد كبير بمشاهد المخرج العالمي ستيفن سبيلبرج، فإن فهمه للشخصيات والأداء هو ما يجعل الفيلم الأصلي وهذا الجزء الثاني واقعيين ومؤثرين. تبدو هذه الشخصيات حقيقية، وبالتالي ينطبق الأمر أيضا على المخلوقات المرعبة التي يواجهونها.
لحظات مرعبة للغاية تجعلك تقفز من مقعدكفي حين ارتكز الجزء الأول على قاعدة "اهرب، اختبئ، والتزم الصمت لكي تنجو"، اعتمد الجزء الثاني على نهج قصص متعددة تستنفد صبر المشاهد وهو يبحر مع الرحلات المؤثرة لكل من ريجن وماركوس متأملا نهاية مثالية للشخصيتين، إلا أن النهاية في حد ذاتها تبدو مفاجئة وغير متوقعة ولا تمنح الشعور بالارتياح المنشود.
لقد نجح الفيلم في تقديم كثير من المشاهد المثيرة والمخيفة، ليترك الجمهور منغمسا، بفضل تركيزه على الشخصيات والأداء المؤثر من طاقم الممثلين العائدين والإضافة الجديدة للنجم كيليان مورفي. ويعمد المخرج جون كراسينسكي، إلى توسيع ملعبه وتصوير مشاهد فيلم في عالم أكبر هذه المرة، فيتوسع بزووم كاميراته، مصورا تفاصيل هذا العالم المدمر، متعاملا ببراعة مع التوقعات والصيغ التي أنشأها عديد من الأفلام والمسلسلات الأخرى التي تتمحور حول نهاية العالم.
ما يميز هذا الفيلم عن مثيله من الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة، هو حرص صناعه على عدم تكرار أنفسهم في الجزء الثاني، فلجأوا إلى تطعيمه بشخصيات جديدة ذات حضور كبير، لاستقطاب جماهيرية أكبر لفيلمهم، ومن بينهم الممثل كيليان مورفي، الذي عرفناه من سلسلة "باتمان: دارك نايت" ومسلسل "بيكي بليندرز"، الذي لعب هنا دورا كبيرا في إنقاذ العائلة بعد وفاة الوالد في الجزء الأول، والممثل دجيمون هونسو، الذي عرفناه من فيلم "كابتن مارفل".
احتل الجزء الثاني لفيلم "مكان هادئ" صدارة إيرادات السينما الأمريكية، مسجلا 48 مليون دولار، وذلك بعد تمكنه في ليلة عرضه الأولى من تحقيق 11.65 مليون دولار، ليتجاوز بذلك افتتاحية فيلم "جودزيلا ضد كونج" التي اقتربت من حاجز 32 مليون دولار.
ويبقى كيف يمكن أن نعبر عما في دواخلنا صمتا؟ كيف يمكن أن يكون الصمت أقوى من الضجيج، وبيانا أفصح من أقوى عبارة؟ هناك من الكلمات التي قد يفجرها الصمت ما تعجز حتى المجلدات عن إحصاء ما قد يترتب عليه، فنحن دوما نخوض معارك شرسة مع ذاتنا ومع أترابنا حتى ضد كائنات مجهولة، وننتقل من حال إلى حال، وقد نعيش ملحمة أطول من ملحمة جلجامش. كل هذا في بضع دقائق. لكن أبلغ ما في الأمر أن كل هذا الضجيج تم في صمت، الذي قد يكون ملاذنا الأخير ومنقذنا الوحيد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون