FINANCIAL TIMES

توقعات أسعار الفائدة .. الاقتصادات النامية مهددة بأرقام التضخم الأمريكية

توقعات أسعار الفائدة .. الاقتصادات النامية مهددة بأرقام التضخم الأمريكية

في الوقت الذي يعترك فيه صناع السياسات في جميع أنحاء العالم النامي مع الانتشار المستمر لفيروس كورونا، فإنهم يواجهون التهديد الاقتصادي المتمثل في التضخم -وليس فقط في الداخل. يعمل نمو الأسعار المتصاعد في الاقتصادات الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، على تغذية توقعات المستثمرين برفع أسعار الفائدة. يؤدي ذلك إلى ارتفاع عائدات السندات، ما يجعل بيع السندات أكثر تكلفة على الدول الأخرى حيث يطلب المشترون عوائد أعلى.
ما ينبغي أن يكون خبرا سارا -بداية الانتعاش العالمي- أصبح بدلا من ذلك تهديدا: تكلفة الاقتراض ستصل إلى مستويات عالية بشكل خطير في دول مثل جنوب إفريقيا والبرازيل، ما يؤدي إلى قذف المالية العامة فيها، التي هي أصلا هشة، في حالة من الفوضى.
قالت تاتيانا ليسينكو، كبيرة الاقتصاديين للأسواق الناشئة في وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية العالمية: "ينبغي أن تكون الاقتصادات الناشئة قلقة بشأن التضخم في الولايات المتحدة أكثر من قلقها بشأن التضخم داخل دولها". وأوضحت أن الأمر لا يقتصر فقط على أن التضخم وارتفاع العوائد في الولايات المتحدة يدفعان تكاليف الاقتراض إلى الأعلى في العالم النامي، مضيفة: "يتمثل الخطر الأوسع في أن الاقتصاد الأمريكي سيتقدم على الاقتصادات الناشئة، ما يتسبب في تدفقات خارجة من الأسهم والسندات فيها، وفي النهاية ضعف العملة".
في حين أن الدول الغنية تمكنت من الاقتراض أثناء الوباء بمعدلات منخفضة للغاية، فإن كثيرا من الدول النامية تواجه منذ الآن تكلفة تمويل أعلى بكثير.
تكشف البيانات من "ستاندرد آند بورز" عن أن تكاليف إعادة التمويل لـ 15 من أكبر 18 اقتصادا متقدما انخفضت إلى ما دون متوسط تكلفة الاقتراض بأكثر من نقطة مئوية. يدفع معظمهم جزءا بسيطا من 1 في المائة. سيكون من السهل على معظمها أن تتحمل ارتفاع بنسبة 1 نقطة مئوية في تكاليف التمويل.
لا يمكن قول الشيء نفسه عن الدول النامية. مصر، التي يتعين عليها إعادة تمويل ديون تعادل 38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، تدفع في المتوسط معدل 12.1 في المائة، أعلى من متوسط تكلفتها البالغ 11.8 في المائة، وفقا لوكالة ستاندرد آند بورز. غانا تدفع 15 في المائة، مقارنة بمتوسط 11.5 في المائة.
الخطر لا يكمن فقط في معدلات عالية جدا. أعادت البرازيل تمويلها بمتوسط 4.7 في المائة هذا العام، أي أقل من متوسط تكلفة ديونها الحالية. لكنها فعلت ذلك عن طريق بيع السندات التي يجب سدادها بسرعة أكبر مما كانت عليه في الماضي. يؤدي هذا إلى إلغاء عمل الأعوام التي باعت فيها البرازيل سندات طويلة الأجل وذات سعر فائدة ثابت لجعل مواردها المالية أكثر استدامة. في العام الماضي، كان متوسط أجل استحقاق سنداتها الجديدة هو عامان، انخفاضا من خمسة أعوام في 2019.
تحتاج البرازيل إلى إعادة تمويل ديون يساوي 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام -وتعد نسبة أقل من الدول الأصغر، لكن مبلغ أكبر في المجموع، ويمكن أن يعيقها ارتفاع أسعار الفائدة أو انتعاش أبطأ من المتوقع.
رفع البنك المركزي البرازيلي أسعار الفائدة مرتين هذا العام في محاولة لتهدئة ضغوط الأسعار بعد أن تجاوز التضخم النطاق المستهدف البالغ 2.25 إلى 5.25 في المائة. ومن المحتمل إقرار ارتفاع آخر في اجتماعه المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر، إذ يتوقع معدلا أساسيا يبلغ 5.5 في المائة بحلول نهاية العام، ارتفاعا من مستوى قياسي منخفض بلغ 2 في المائة في مارس.
أوضح ويليام جاكسون من "كابيتال إيكونوميكس" أن البرازيل مثال واضح على أن التضخم وارتفاع العائدات يشكلان تهديدا لاستدامة الديون. وقال: "هذا يؤدي إلى إجهاد المالية العامة، وزيادة التضخم، وبنك مركزي يرفع أسعار الفائدة، ويغذي تكاليف خدمة الدين". وأشار إلى أن جنوب إفريقيا في الفئة نفسها إلى جانب مصر ودول أخرى لديها احتياجات إعادة تمويل كبيرة.
هناك عوامل مخففة. على سبيل المثال، تعتمد البرازيل وجنوب إفريقيا والهند على البنوك المحلية أكثر من الاعتماد على الأجانب. وهذا يجعلها أقل عرضة لتدفقات رأس المال الخارجة مما كانت عليه خلال أزمات الديون في أواخر القرن الـ 20.
لجأت الهند خصوصا إلى نظامها المصرفي المحلي لإصدار سندات قياسية لأجل عشرة أعوام بمعدلات أقصى تبلغ نحو 6 في المائة في حدها الأقصى. كما أنها اقترضت بفترات استحقاق أقصر خلال الوباء، رغم أن متطلبات إعادة التمويل المنخفضة هذا العام التي تعادل 3.3 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي تجعلها أقل عرضة لارتفاع معدلات الفائدة.
لكن وليام فوستر نائب الرئيس في مجموعة المخاطر السيادية في موديز لخدمات المستثمرين، رأى أن المشكلات المالية في الهند تجعلها تعتمد على السندات بدلا من الإيرادات الحكومية لتمويل استجابتها الوبائية. وقال: "الهند تعاني عجزا ماليا كبير ولديها مخزون ديون مرتفع للغاية. أهم شيء للقدرة على تحمل الديون تحقيق معدل أعلى من النمو متوسط الأمد من خلال الإصلاحات وغيرها من الإجراءات، لحشد الاستثمار الخاص الذي لم نشهده منذ أعوام".
إذا تبين، كما يرجو كثير من صانعي السياسة، أن يكون ارتفاع التضخم هذا العام مؤقتا، فقد لا تضطر أسعار الفائدة في الاقتصادات الناشئة إلى الارتفاع كثيرا.
وقال روبرتو كامبوس نيتو، محافظ البنك المركزي البرازيلي، في مؤتمر هذا الأسبوع، إن القضية تتعلق بما إذا كان التضخم مؤقتا ومبررا بالنمو، أو ما إذا كان يتعين على البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة أكثر. وأضاف: "الحالة الأولى حميدة بالنسبة للعالم الناشئ. والثانية ليست كذلك".
وأوضحت ليسينكو كبيرة الاقتصاديين للأسواق الناشئة في "ستاندرد آند بورز"، أن أسعار المواد الغذائية والسلع تنمو منذ الآن بوتيرة تغذي توقعات التضخم لدى المستهلكين، إذا ارتفعت أسعار الفائدة بشكل كبير، فإن خفض ديون الاقتصادات النامية إلى مستويات مستدامة وتحقيق النمو سيصبح أكثر صعوبة.
وأضافت: "في عالم مترابط يتسم بكثير من التدفقات الرأسمالية، فإن عوائد الولايات المتحدة لها آثار غير مباشرة كبيرة. من السابق لأوانه للأسواق الناشئة تشديد السياسة النقدية، لأن القيام بذلك الآن يمكن أن يقوض انتعاشها. لكن قد لا يكون لدى بعض الدول قدرة كبيرة على التصرف وعدم التشديد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES