FINANCIAL TIMES

المكاتب العائلية .. نشاط استثماري خارج المظلة التنظيمية

المكاتب العائلية .. نشاط استثماري خارج المظلة التنظيمية

يواجه الأغنياء تحديات لا يتعين على البقية منا أخذها في الحسبان: صيانة اليخوت، واختيار الأسطول المناسب من الطائرات النفاثة الخاصة، وإيجاد مدارس داخلية لأبنائهم. بفضل ثرواتهم العائلية المشتركة التي تبلغ ستة تريليونات دولار تقريبا، عليهم الآن القلق بشأن بيل هوانج أيضا.
انطلق هوانج من غموض نسبي ليصبح الشخصية الرئيسية في الأسواق العالمية على مدار الأسبوعين الماضيين، حيث أدى الانهيار الداخلي لصندوق أركيجوس أركيجوس، الشركة الاستثمارية التي يديرها، إلى تدمير حفنة من الأسهم وإحداث ثقوب بمليارات الدولارات في بنكي كريدي سويس ونومورا.
تكشف الحادثة عن ضعف إدارة المخاطر بين مجموعة من البنوك الاستثمارية التي يفترض أنها حريصة على أموالها، والتي افتتنت وسحرت بحيث إنها قدمت رفعا ماليا باذخا لمراهنات المضاربة الفائقة من قبل الصندوق الذي يحظى بالرعاية من تايجر مانيجمنت - أحد صناديق التحوط الأكثر احتراما على الإطلاق.
لكن هوانج لم يتسبب في هذا الضرر من خلال صندوق تحوط خاص به. بدلا من ذلك، ينبع هذا مما يسمى مكتب العائلة (أو الشركات العائلية) - مجموعة هائلة من الثروات الشخصية. المنظمون يشعرون بالانزعاج الشديد بالفعل. في الأسبوع الماضي قال دان بيركوفيتز، من لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية، إن الإشراف على المكاتب العائلية "يجب تعزيزه"، مشيرا إلى أنها "يمكن أن تعيث فسادا في أسواقنا المالية".
في عصر تصبح فيه الثروة أكثر تركيزا باستمرار، في الأغلب ما تكون المكاتب العائلية هي المكان الذي تتم فيه إدارة هذه الثروات الخاصة المذهلة. لكن الناس داخل هذا العالم الحصري والمتكتم يعرفون أن فقدان هوانج لمكانته وهيبته يعني أن أوقات الطفرة التي اتسمت بالإشراف الخفيف هي الآن وراءهم.
يقول مسؤول تنفيذي سابق في أحد مكاتب العائلة، لم يرغب في الكشف عن اسمه: "سيصبح الأمر أكثر تشددا الآن للجميع. سيكون هناك مزيد من التدقيق في الإقراض على أساس الهامش، وخدمات الوساطة المالية لكبار العملاء، وما إذا كانت الأسواق منظمة وأشياء أخرى ربما حتى لم نفكر فيها بعد. لن أصف الأعوام القليلة الماضية بأنها سهلة، لكنها كانت نوعا من العصر الذهبي للمكاتب العائلية وربما نحن الآن نشاهد نهاية ذلك، أو على الأقل، قدرا أقل بكثير من الحرية في كيفية تعاملنا مع السوق".
جلب هذا العصر الذهبي انتشارا. في تقرير صدر قبل عام، أشارت كلية إنسياد لإدارة الأعمال إلى أن عدد مكاتب العائلة الواحدة توسعت 38 في المائة بين عامي 2017 و2019، لتصل إلى أكثر من سبعة آلاف مكتب. وقدر التقرير أن الأصول الخاضعة للإدارة بلغت نحو 5.9 تريليون دولار في عام 2019. بالمقارنة، تبلغ أصول صناعة صناديق التحوط العالمية 3.6 تريليون دولار، وفقا لـHFR. أضافت إنسياد أن المكاتب العائلية "تنمو بوتيرة أسرع من الثروة العالمية، وهي شائعة بشكل متزايد في جميع المجالات". ولاحظت أن العائلات الغنية تضع أيضا نصيبا متزايدا من ثروتها في هذه أنواع من الهياكل.
هذه ليست صناعة منزلية صغيرة. في المتوسط، هي تسيطر على أصول تبلغ قيمتها 1.6 مليار دولار لكل مكتب، وفقا لدراسة أخرى أجراها بنك يو بي إس عام 2020، ويمكن لعدد قليل منها أن يمتد إلى مئات المليارات من الدولارات. عادة ما يكون لكل مكتب عائلي مكتبان أو ثلاثة مكاتب، في الأغلب في مراكز مثل سنغافورة ولوكسمبورج ولندن. يتقاضى الرؤساء التنفيذيون شيئا في حدود 335 ألف دولار سنويا، وفقا لتقرير إنسياد.
لكن على الرغم من حجم بيوت الاستثمار هذه، فإنه يغلب على المكاتب العائلية أن تعمل دون مستوى الرادار التنظيمي. على عكس صناديق المعاشات التقاعدية السائدة ومديري الاستثمار الذين يخدمون الجماهير، أو المزيد من صناديق التحوط عالية الكفاءة، تدير المكاتب العائلية أموالا خارجية. هذا يعني أنها في كثير من الأحيان ليست مسؤولة سوى أمام العائلة - بصرف النظر عن القواعد القياسية لمكافحة غسل الأموال والامتثال.
ما لم يتجاوز القائمون عليها الحدود التي تطالب بالشفافية بشأن حجم حصصهم في الشركات العامة، أو أن يختاروا الإفصاح عن استثماراتهم، ربما بسبب صبغتهم الخيرية، فإنهم لا يكشفون عن رهاناتهم. ونادرا ما يتحدثون إلى الصحافة ولا يقدمون تحديثات عن الأداء أو الحيازات.
يقول أنجيلو روبلز، المؤسس والرئيس التنفيذي لجمعية مكاتب العائلة: "طالما كان الأمر يتعلق بأموالهم، هم قادرون على أن يفعلوا ما يريدون. تماما مثل الشخص العادي، ما الذي يدفعهم لأن يفصحوا عن الأشياء؟ لكن إذا كانوا قد أخذوا أي رأسمال خارجي، فعليهم اتباع معايير معينة".
يعتمد مدى تشدد هذه المعايير على استراتيجية كل مكتب عائلي. وحتى في هذه الحالة، التعريفات غامضة.
يقول بارت ديكونينك، مؤسس زيدرا، التي تقدم خدمات للمكاتب العائلية: "المشكلة الكبرى هي، ما هو مكتب العائلة؟ قد يكون صاحب مشاريع يبيع شركة ويطلب من المصرفيين الذين يتعامل معهم أن يستثمروا المال، أو مكتبا متعدد العائلات حيث تنظم العائلات شؤونها معا، أو شركة تابعة لجهة خارجية تدير أصول مكاتب العائلة. نظرا لعدم وجود تعريف لائق، لا توجد سيطرة تنظيمية عليه".
في الولايات المتحدة، قانون دود-فرانك بعد الأزمة شدد بشكل كبير اللوائح الخاصة بالصناعة المالية. لكن لجنة الأوراق المالية والبورصات أعفت عمليا المكاتب العائلية من كتاب القواعد الأكثر تشددا بشأن التسجيل والإفصاح - تاركة الأمر لتقديرها الخاص.
تايلر جيلاش، المسؤول السابق في هيئة الأوراق المالية والبورصات والمدير التنفيذي لشركة هيلثي ماركتس، وهي مجموعة إصلاح مالي، يجادل بأن هذا كان خطأ، حتى مع أن المكاتب العائلية قد لا يكون لديها مستثمرون خارجيون لإلحاق الأذى بهم. يقول: "المكاتب العائلية لا يزال بإمكانها فعل أشياء سيئة (...) يظل بإمكانها الإضرار بالسوق ككل. لدينا الآن مثال واضح على شخص يستغل إعفاء مكتب العائلة ويوجد مخاطر منهجية".
في بيانه يوم الخميس الماضي، قال مفوض لجنة تداول السلع الآجلة، بيركوفيتز، إن الإعفاءات الأخرى فتحت الباب أمام "المجرمين المدانين والمتلاعبين بالسوق وغيرهم من الأوغاد في السوق المالية" للعمل بحرية في ظل مكاتب العائلة. أضاف: "المعلومات المطلوبة قليلة حيث يمكنك تدوينها في بضعة أسطر على ورقة صغيرة، وقدرت هيئة تداول السلع الآجلة التكلفة السنوية للإيداع التنظيمي بـ28.50 دولار فقط. في رأيي، لا يوجد مبرر معقول لمثل هذه السياسة".
قد يتبين أن صندوق أركيجوس هو تفجير منعزل لا يوجد أصداء أوسع عبر النظام المالي. حتى الآن لم تؤد الخسائر إلى تأثير الدومينو المزعزع للاستقرار والأضرار بالبنوك والمستثمرين الآخرين. لكن كان بإمكانها فعل ذلك، كما يشير مارك سوبيل، الرئيس الأمريكي لمركز أبحاث OMFIF وهو مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية منذ أربعة عقود. وقد لعب دورا أساسيا في الإصلاح التنظيمي العالمي بعد عام 2008، ويشعر أن هذا مجال تم استبعاده في ذلك الوقت.
يجادل قائلا: "يطرح صندوق أركيجوس أسئلة أساسية حول مدى كفاية إدارة مخاطر البنوك والرقابة التنظيمية للتعاملات بين البنوك وغير البنوك. أقسام الوساطة المالية لكبار العملاء ككل - حتى لو لم تكن فردية في حد ذاتها - كانت تقدم بوضوح إقراضا واسع النطاق لصندوق أركيجوس، وخرج الرفع المالي عن السيطرة. هل البنوك أو الهيئات التنظيمية تدرك ذلك وتعرفه؟".
المشكلة المعقدة التي تواجه النظام المالي الأوسع، كما يوضح حادث أركيجوس، هي أن المكاتب العائلية ليست متساوية.
يتوخى كثيرون الحذر ويسعون فقط إلى الحفاظ على الثروة التي جمعوها. لكن بعضها يظهر كل أشكال المضاربة العدوانية المرتبطة عادة بصناديق التحوط الأكثر سعيا للمنافسة الشديدة. صندوق أركيجوس التابع لهوانج يقع في هذه الفئة. وتحقق البنوك المعنية الآن فيما إذا كان هوانج قد ضللها، وأخفى المراكز التي يحتفظ بها مع البنوك الأخرى للحصول على كميات هائلة من الرفع المالي في رهانات مركزة انهارت بسرعة مخيفة.
يقول باتريك جالي، مستشار صندوق التحوط والمكتب العائلي في شركة ساسكس بارتنرز: "هذا ليس مكتبا عائليا. معظمهم يكرهون المخاطرة إلى حد كبير. وهو أيضا ليس صندوق تحوط. حتى صناديق التحوط لا تدخل في رفع مالي لاستثماراتها إلى هذه الدرجة. إذا آذار (مارس) صندوق التحوط هذا النوع من المخاطر، فلن يكون قادرا على جمع رأس المال".
بالنسبة لبعضهم، حرية وضع الرهانات شديدة الخطورة التي يتعذر على العملاء تحملها هي جاذبية مكتب العائلة.
المخاطرة هي سبب رئيسي في أن الملياردير مايكل بلات قرر في عام 2015 تحويل صندوق التحوط الخاص به، بلو كريست، إلى مكتب عائلي، مدعيا أن طلبات المستثمرين المؤسسيين للمنتجات منخفضة المخاطر تحد من رهاناته. ومنذ ذلك الحين، حققت الشركة مكاسب لعدة سنوات 50 في المائة أو أكثر.
صندوق مور كابيتال التابع إلى لويس بيكون، الذي استشهد بـ"أنموذج عمل صعب" في أواخر عام 2019 عندما أبلغ المستثمرين أنه سيغلق صندوق التحوط الرئيسي التابع له أمام الأموال الخارجية، حقق واحدة من أكبر الأرباح في حياته المهنية العام الماضي، بمساعدة القدرة المكتشفة حديثا لتحمل المزيد من المخاطر. لا يزال كل من مور وبلو كريست يقدمان كثيرا من الإفصاحات التنظيمية، على عكس أركيجوس.
في حالة هوانج، حماسة المضاربة الممزوجة بالرفع المالي العالي والإدارة السيئة للمخاطر شكلت مزيجا فريدا قابلا للاشتعال. من خلال استخدام الخدمات المتخصصة لأقسام الوساطة لكبار العملاء في البنوك الاستثمارية - عادة ما يعملون في تقديم الخدمات لصناديق التحوط - تمكن من وضع رهانات كبيرة على أسعار الأسهم على الهامش.
ليس من غير المألوف أن يكون للمكاتب العائلية أقسام وساطة لكبار العملاء؛ بعضها لديه عدد منها. لكن بعض المصرفيين في هذا المجال يشعرون بالحيرة بشأن سبب السماح لصندوق أركيجوس بدخول النادي، خاصة مع دعمه من هوانج، الذي اعترف بالاحتيال في الأوراق المالية أثناء وجوده في صندوق تايجر آسيا Tiger Asia قبل أقل من عقد من الزمان.
أشار أحد هؤلاء المصرفيين إلى صراع قانوني طويل الأمد بين دويتشه بانك وسيباستيان هولدنجز، وهو صندوق استثماري يديره الملياردير ألكسندر فيك. رفع صندوق سيباستيان دعوى قضائية ضد البنك مطالبا بمبلغ ثمانية مليارات دولار في عام 2008 بشأن قضايا تتعلق بمطالبات الهامش الناشئة عن الصفقات مع قسم الوساطة الرئيسي في البنك. انتهى الأمر بالقاضي إلى الحكم لصالح البنك في عام 2013، ولا تزال بعض الإجراءات جارية. عملت هذه القضية على تذكير البنوك بأن العملاء، حتى الذين ينتمون إلى مكاتب عائلية تبدو محبوبة، في الأغلب ما يكونوا عدوانيين.
يقول المصرفي السابق: "بعد ذلك، قررت معظم البنوك أنه لا يمكن اعتبار مكتب العائلة لاعبا مؤسسيا. كان علينا أن نعاملهم باعتبارهم عملاء خاصين". وهذا يعني ارتفاع تكاليف التداول والمزيد من الضوابط وتقليل الرفع المالي.
لكن دراما أركيجوس تشير إلى أن البنوك، المتعطشة للعملاء المربحين، سمحت بتراجع هذا التقييد لكثير من المكاتب العائلية.
من المرجح أن تقوم البنوك بتشديد إجراءات الرفع المالي الذي تقدمه للمكاتب العائلية وحسابات المضاربة الأخرى بعد هذا الإهمال المحرج، إما بشكل مستقل أو بموجب أوامر من المنظمين.
يحذر أندريا سيسيون، رئيس الاستراتيجية في دار الأبحاث تي إس لومبارد: "عندما تكون هناك متاعب، فإنك لن تجد أبدا مشكلة واحدة فقط. إذا كان كل هذا يبدو مألوفا، فذلك بسبب أوجه التشابه مع بداية الأزمة المالية العالمية، عندما كان هناك صندوقان للتحوط (...) كان لا بد من إنقاذهما من قبل البنك الراعي، بير ستيرنز، بعد مطالبات الهامش التي لم يتمكنا من تلبيتها".
يضيف: "لكي نكون واضحين تماما، نحن لا نقول توجد هنا (أزمة مالية أخرى) - ببساطة لا توجد أدلة كافية لاستنتاج أن أركيجوس هو أي شيء أكثر من مجرد حالة معزولة". مع ذلك، كما يقول، قضية زيادة الشفافية أو تشديد متطلبات رأس المال للبنوك التي تقدم هذا النوع من الرفع المالي تتطلب اهتماما وثيقا.
بالنسبة إلى ديكونيك، من زيدرا، المكاتب العائلية التي من المرجح أن تعطل الأسواق هي المكاتب الموجودة في قالب أركيجوس. "الأشخاص الخطرون هم رجال صناديق تحوط سابقون ونوع معين من المصرفيين الاستثماريين. الأشخاص الذين يأتون من هذه الصناعة يجنون الأموال دائما بهذه الطريقة".
 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES