FINANCIAL TIMES

تحدي جو بايدن .. انتصارات كبيرة ومبكرة في مناخ سياسي سام

تحدي جو بايدن .. انتصارات كبيرة ومبكرة في مناخ سياسي سام

جو بايدن خلال زيارة لمركز تجاري في سولت ليك سيتي، ولاية يوتاه.

تحدي جو بايدن .. انتصارات كبيرة ومبكرة في مناخ سياسي سام

هجوم الغوغاء على مبنى الكابيتول.

بالكاد تراجعت صدمة هجوم الغوغاء على مبنى الكابيتول عندما اعتلى جو بايدن المنصة الأسبوع الماضي في كوين، وهو مسرح في مسقط رأسه، ويلمنجتون، ولاية ديلاوير، ليرسم ملامح خطة إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار لأكبر اقتصاد في العالم.
في ذلك المساء، لم يشر الرئيس المنتخب إلى تمرد السادس من كانون الثاني (يناير) الذي هز واشنطن، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص وعجل محاكمة دونالد ترمب للمرة الثانية.
بدلا من ذلك، تحدث عن باتريشيا دود، البالغة من العمر 57 عاما من كاليفورنيا، وهي أول شخص مات بسبب فيروس كورونا في الولايات المتحدة، وعن ملايين الأمريكيين الذين فقدوا ما سماه "كرامة واحترام" العمل خلال جائحة.
قال بايدن: "أعدكم، لن ننساكم. نحن نتفهم ما تمرون به. لن نستسلم أبدا وسنعود. ما إن يأتي الأربعاء، فإننا سنبدأ فصلا جديدا".
في عمر 78 عاما، أدى بايدن اليمين في 20 كانون الثاني (يناير) ليكون الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، في غياب الحشود المبتهجة والاحتفالات التي أقيمت لأسلافه. إضافة إلى قيود فيروس كورونا، تمت حماية حفل تنصيبه من قبل 25 ألفا من أفراد الحرس الوطني في العاصمة الأمريكية لتجنب حلقة أخرى من الإرهاب المحلي.
أضافت الظروف القاتمة لليوم الأول لبايدن في منصبه الرصانة إلى اللحظة، وأشارت إلى التحدي السياسي الهائل الذي يواجهه. بعد فوزه بالبيت الأبيض من خلال عرض مزيج من الكفاءة والتعاطف والتجديد للناخبين الأمريكيين بعد أربعة أعوام من حكم ترمب، يتعين عليه الآن ترجمة كل ذلك إلى حكم في لحظة موجعة في تاريخ الولايات المتحدة.
بايدن ليس غريبا على البدايات الصعبة، بالنظر إلى أنه كان نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما في ذروة الأزمة المالية. لكن يمكن القول إن المشكلات التي تواجه البلاد الآن أكثر حدة ومتعددة الجوانب مما كانت عليه في 2009، وتتطلب تدخلا أكثر ثقة ومهارة سياسية. يعتقد كثير من الديمقراطيين أن أوباما أمضى الكثير من عامه الأول في محاولة كسب دعم الحزبين لخططه. وهم يدركون جيدا أنه لتحقيق النجاح، سيحتاج بايدن إلى إظهار نتائج ملموسة سريعة.
تقول مارا رودمان، نائبة الرئيس للسياسة في "مركز التقدم الأمريكي"، وهو مؤسسة فكرية ذات توجه يساري في واشنطن، ومسؤولة سابقة في إدارتي كلينتون وأوباما: "أن تكون قادرا على تقديم أداء ملموس في المدى القريب بطرق يمكن لجميع الأشخاص في الدولة رؤيتها والشعور بها والمعرفة هو أمر مهم للغاية".
تضيف: "كانت لدينا دورة تعزز ذاتها بذاتها في اتجاه سلبي للغاية. أعتقد أن لدينا الفرصة للوصول إلى دورة تعزز ذاتها بذاتها في الاتجاه الإيجابي".
وضع الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب بالفعل خططا لوابل من الأوامر التنفيذية الأحادية خلال الأيام العشرة الأولى شملت الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ وإلغاء حظر السفر المفروض على بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، وبالتالي إلغاء أكثر سياسات ترمب إثارة للجدل. كما أوضح أن بايدن يريد إعادة بناء التحالفات التقليدية للولايات المتحدة مع الدول الغربية الأخرى التي توترت خلال الأعوام الأربعة الماضية، مع التركيز بشكل أكبر على مواجهة المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين وروسيا.
لكن بايدن حاول تركيز انتباه المشرعين الذين هزهم الهجوم على مبنى الكابيتول – والجمهور القلق – في المقام الأول على وصفاته لحل الأزمة الصحية والاقتصادية في أمريكا. في الوقت الذي كان يستعد فيه لدخول البيت الأبيض توفي ما يقارب 400 ألف أمريكي بسبب كوفيد - 19، وأصبح عدد الأمريكيين العاملين أقل بواقع 9.8 مليون مقارنة بشهر شباط (فبراير) الماضي.
دعا الرئيس المنتخب الكونجرس إلى إقرار خطته الشاملة للإغاثة، التي تتضمن جولة جديدة من المدفوعات المباشرة للأمريكيين، ومساعدة الولايات والمدن التي تعاني ضائقة مالية، وزيادة مزايا البطالة الفيدرالية، وتعزيز الائتمان الضريبي للأطفال، ومزيد من التمويل للقاحات.
سيكون تأمين إقرارها هو أول اختبار كبير لرئاسة بايدن، ولن تكون مهمة سهلة بالنظر إلى التفوق الضيق للغاية لحزبه الديمقراطي في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ – والمناخ السام في الكونجرس الذي قد يتفاقم بسبب محاكمة ترمب الثانية.
يقول جون لورانس، كبير الموظفين السابق لنانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب: "سيكون هناك اضطرار لإنجاز شيء ما وإنجاز شيء ما بسرعة، لكنه بالتأكيد في ظل ظروف أكثر صعوبة بالنظر إلى البيئة السياسية، وعدم تعاون إدارة ترمب، وشدة الوباء نفسه، والهوامش الضيقة في الكونجرس"، مضيفا أن "الأمر سيكون صعبا".

الاستحواذ على جدول الأعمال

إلحاح بايدن في الضغط من أجل حزمة تخفيف من فيروس كورونا على نطاق واسع - بعد أقل من شهر من موافقة الكونجرس على حزمة حوافز مالية أخرى بقيمة 900 مليار دولار - يعكس معرفته بأن الرؤساء الجدد غالبا ما تكون لديهم نافذة قصيرة للاستفادة من رأسمالهم السياسي.
خلال أقل من عامين ستجرى انتخابات التجديد النصفي، حيث ستكون مقاعد مجلس النواب بأكمله وثلث أعضاء مجلس الشيوخ قيد المنافسة، وقد رأى الرئيسان الديمقراطيان السابقان، أوباما وبيل كلينتون، جداول أعمالهما وهي تتعرض للتقييد والعكس بعد أن فقد حزبهما السيطرة على مجلس النواب في 2010 و1994 على التوالي.
يقول جلين هاتشينز، مؤسس مجموعة الأسهم الخاصة، سيلفر ليك بارتنرز وهو مسؤول سابق في إدارة كلينتون: "ما لديك بالفعل في السياسة الأمريكية هو 18 شهرا. كل إدارة تحصل على 18 شهرا من صنع السياسات كل أربعة أعوام. لذا بمجرد أن تبدأ عملية التخلص من الكابوس البائس الذي تركه ترمب وراءه، كيف يمكنك بعد ذلك التركيز على معالجة القضايا الأساسية طويلة المدى ذات الأهمية؟ ما الذي ستختار التركيز عليه؟ سيكون هذا هو الشيء الرئيس".
في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة الجديدة مع الأولويات، كان هناك الكثير من الجدل بين الديمقراطيين في الأعوام الأخيرة حول كيفية جعل السياسات التقدمية أكثر سهولة من حيث الفهم وأكثر شعبية لدى الجمهور الأمريكي – وهما أمران حاول فريق بايدن استيعابهما في صياغة سياساته وتواصله.
يقول كينيث باير، مسؤول كبير سابق في إدارة أوباما وأحد مؤسسي كروسكت استراتيجيز Crosscut Strategies، وهي شركة استشارية في واشنطن: "عوامل الطموح هي على نطاق الصفقة الجديدة، وهي تدور حول الاقتصادات التي تهم الأمريكيين من حيث تأمين الأساسيات والطعام للعائلة الأمريكية. والرسالة هي أننا سنساعدكم".
إضافة إلى حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار التي وضعها بايدن الأسبوع الماضي، من المتوقع أن يتحرك بسرعة في شباط (فبراير) لتقديم خطة انتعاش ثانية تتضمن تريليونات الدولارات من الإنفاق الإضافي الذي يركز على البنية التحتية والطاقة الخضراء. لكي يتم تمويلها جزئيا على الأقل من خلال ضرائب أعلى على الشركات والأثرياء، وهذا مسعى تشريعي آخر طموح للغاية.
آمال بايدن في جدول أعمال ناجح خلال الولاية الأولى تلقت دفعة كبيرة في الخامس من كانون الثاني (يناير)، عشية الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي، عندما فاز رافاييل وارنوك وجون أوسوف، وهما ديمقراطيان، بعمليتين انتخابيتين من سباقات الإعادة في مجلس الشيوخ في جورجيا.
الانتصار المزدوج أعطى السيطرة على المجلس الأعلى لحزب بايدن - وإن كان ذلك مع انقسام بنسبة 50:50 وصوت ترجيح فاصل هو صوت كامالا هاريس، نائبة الرئيس. بالنظر إلى أن الديمقراطيين الآن يقررون أي المقترحات يمكن طرحها للتصويت في مجلس الشيوخ، فإن نتائج جورجيا تضمن، على الأقل، أن أهداف بايدن لن يعيقها ميتش ماكونيل، زعيم مجلس الشيوخ الجمهوري، عند كل زاوية.
قدرة بايدن على سن أجزاء مهمة من أجندته ستعتمد ابتداء على إبقاء الحزب الديمقراطي موحدا بالكامل وراء أي تشريع، والجمع بين احتياجات المشرعين المحافظين واحتياجات الكتلة التقدمية، مع وجود مساحة ضئيلة جدا للانشقاق.
في مجلس الشيوخ قد تأتي أكبر مشكلة لبايدن من المشرعين المعتدلين، مثل جو مانشين، عضو المجلس عن ولاية وست فرجينيا، وكيرستن سينيما، عضوة المجلس عن ولاية أريزونا، الذين قد يكونون غير مرتاحين للأسعار المرتفعة والزيادات الضريبية.
وفي مجلس النواب، حيث أغلبية بيلوسي ضئيلة للغاية، من المرجح أن يأتي الصداع الأكبر من اليسار. انضم إلى المشرعين التقدميين مثل ألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك سياسيون متشابهون في التفكير مثل جمال بومان من نيويورك وكوري بوش من ميزوري، الذين هزموا في الانتخابات التمهيدية الأعضاء الديمقراطيين الموجودين منذ فترة طويلة، بدعم من الجماعات الشعبية مثل "الديمقراطيون من أجل العدل" و"حركة الشروق".
على الرغم من أن بايدن قد تبنى بكل إخلاص التحول في العقيدة الاقتصادية نحو المزيد من التسامح مع العجز، خاصة في أوقات الأزمات، إلا أنهم يجادلون بأنه لا يزال شديد الحذر فوق الحد، وأن المدفوعات المباشرة البالغة 1400 دولار المدرجة في خطة التحفيز غير كافية.

التغلب على المعارضة

لكن بايدن وفريقه لم يفقدا الأمل في أن يتمكنا أيضا من الحصول على بعض الدعم لخططهما من الجمهوريين، الأمر الذي من شأنه أن يوسع الجاذبية السياسية لخطوات الرئيس الأولى ويتناغم مع دعواته لتوحيد البلاد في مرحلة ما بعد عصر ترمب.
هذا الاقتراح مثير للجدل بين كثير من الديمقراطيين ليس فقط بسبب المخاوف من أن التشريع سيتم تخفيفه بشكل مفرط، ولكن لأن هناك ثقة محدودة بأن عددا كافيا من الجمهوريين مهتمون حقا بالمساومة.
يقول مارك روم، أستاذ الحكومة في جامعة جورج تاون: "لا تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين تعتقد أن بايدن ليس رئيسا، وأن الانتخابات كانت مزورة، وأن ترمب قد جرد بمنتهى الحقد من فوز ساحق. من الصعب أن تحكم عندما لا تعتقد المعارضة أنه ينبغي أن تكون هناك في المقام الأول. هذا أمر من الصعب للغاية على بايدن أن يتغلب عليه".
يقول كثير من الديمقراطيين أيضا إن الحزب تعلم بعض الدروس المؤلمة من 2009، عندما انتظر أوباما لأشهر دون جدوى لتأمين دعم الحزبين لإصلاح نظام الرعاية الصحية الخاص به، ولم يتلق سوى دعم محدود للغاية من الجمهوريين لمشروع قانون التحفيز بقيمة 787 مليار دولار.
يقول باير: "هناك أشخاص في الفريق المقبل كانوا في الولاية الأولى لأوباما، وصبرهم على انضمام جمهوري سيكون محدودا بالوقت".
مع ذلك، يقول بعض قدامى المحاربين في الكابيتول هيل إذا كان بإمكان أي شخص جذب عدد قليل من الجمهوريين فإنه سيكون بايدن، الذي قضى أكثر من 35 عاما في الكونجرس. يقول لورانس: "إنه يعرف مجلس الشيوخ ويعرف الكثير من اللاعبين الأساسيين، وربما يواجه بعض المشاكل مع بعض الوجوه الجديدة، وبعض العناصر الأكثر تشددا. لكنه يعرف كيف تعمل هذه العملية بطريقة لم تكن لدى باراك أوباما، وبطريقة لم تكن لدى جورج بوش وبطريقة لم تكن لدى دونالد ترمب بالتأكيد".
حتى الآن، قلة من الجمهوريين البارزين، مثل بات تومي من ولاية بنسلفانيا في مجلس الشيوخ، وكيفين برادي من تكساس في مجلس النواب، هاجمت خطة إغاثة بايدن، لكن الآخرين التزموا الصمت، ما يشير إلى أنهم قد يكونون منفتحين على المفاوضات.
عدد من الجمهوريين الذين يتطلعون إلى الترشح للرئاسة في 2024 كانوا يفكرون أيضا في نهج اقتصادي أكثر شعبية. قال ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، الأسبوع الماضي إن على بايدن دفع مبلغ ألفي دولار نقدا لجميع الأمريكيين.

حل المشكلات

أحد أكبر الأسئلة المطروحة في مبنى الكابيتول هيل، الذي لم يقدم فريق بايدن رأيه فيه، هو ما إذا كان يتعين على مجلس الشيوخ إلغاء قاعدة تتطلب 60 صوتا للأغلبية المطلقة لإقرار معظم التشريعات، من أجل تجاوز العمل مع الجمهوريين. يمكن التنازل عن هذه القاعدة لبعض مشاريع القوانين التي تختص بالضرائب والإنفاق، ما يعني أنه لا يزال من الممكن إقرار معظم إجراءات التحفيز بأغلبية بسيطة، لكن كثيرا من المجموعات التقدمية تطالب بإنهاء "التعطيل" تماما.
يقول إيفان ويبر، المدير السياسي لمجموعة صنرايز، وهي مجموعة ناشطة في مجال المناخ، عن الكيفية التي يأمل بها أن تتعامل إدارة بايدن مع أجندتها التشريعية: "لا تنازلات ولا أعذار".
لارا براون، مديرة كلية الدراسات العليا للإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، تعتقد أن بايدن يحتاج إلى الفوز بدعم التقدميين والمعتدلين في آن معا إذا أراد أن ينجز أي شيء.
تقول: "في نهاية المطاف، لكي ينجح بايدن، سيحتاج إلى تمرير مشاريع قوانين قائمة على حل وسط من الحزبين لا تشتمل فقط على قائمة أمنيات تقدمية. يجب أن يكون قادرا على القول (...) ليس لدينا الأصوات لتمرير كل سياسة تقدمية مثالية. لكن لدينا الأصوات للتعامل مع الأولويات".
على الرغم من أن بايدن يدخل البيت الأبيض في وقت الأزمات، إلا أن هناك سيناريو متفائلا، بعد عام صعب أول، يكون فيه الوباء قد انحسر ويصبح الركود الناتج عنه وراء الأمريكيين. لا يعتمد الرئيس وفريقه على أن ذلك سيأتي بشكل طبيعي، وإنما بفضل السياسات النشطة والكثير من الإجراءات في الكابيتول هيل التي تتطلب بعض التنازلات.
يقول هاتشينز: "بايدن ديمقراطي ليبرالي ولكنه أيضا معتدل وليس حزبيا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES