FINANCIAL TIMES

اليورو القوي يظهر حدود قوة البنك المركزي الأوروبي

اليورو القوي يظهر حدود قوة البنك المركزي الأوروبي

كريستين لاجارد

يقول مستثمرون إن قوة اليورو هي علامة على أن البنك المركزي الأوروبي لا يفعل ما يكفي لرفع معدلات التضخم المنخفضة بعناد، ما يبرز كيف يمكن أن تصبح العملة المرتفعة عبئا ثقيلا بصورة متزايدة على صانعي السياسة.
على الرغم من تراجع طفيف في كانون الثاني (يناير)، أصبح اليورو أقوى بنسبة 9 في المائة تقريبا مقابل الدولار الآن مما كان عليه قبل عام. قوة اليورو ليست مجرد انعكاس لضعف الدولار: فقد ارتفع أيضا مقابل الجنيه الاسترليني ومجموعة من عملات الأسواق الناشئة.
الارتفاع يمثل تحديا للبنك المركزي الأوروبي. فهو يمكن أن يعيق المصدرين في وقت صعب من تعافي اقتصاد منطقة اليورو من فيروس كورونا. لكنه يسلط الضوء أيضا على حدود قدرة البنك المركزي على الوفاء بتفويضاته. لم تشهد منطقة اليورو فقط خمسة أشهر متتالية من انخفاض الأسعار، ولكن أيضا توقعات التضخم طويلة الأجل لا تزال أقل كثيرا من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة.
قال روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي: "عادة ما ترى التضخم المنخفض يتسبب في انخفاض العملة. لكن هذا فقط إذا توقعت الأسواق استجابة البنك المركزي، وفي الوقت الحالي لم يتلق البنك المركزي الأوروبي المعلومة".
أطلق البنك العنان لجهود غير مسبوقة لمعالجة آثار فيروس كورونا منذ آذار (مارس)، بما في ذلك 1.85 تريليون يورو لبرنامج شراء الأصول. لكن على الرغم من نجاح البنك المركزي في ترويض أزمة السوق المالية، إلا أن هذه الإجراءات فشلت في علاج مشكلة التضخم المنخفض المزمنة في الكتلة.
تظهر قوة اليورو الثابتة أن الأسواق تعتقد أن البنك المركزي الأوروبي لن يخفض أسعار الفائدة مرة أخرى، أو على الأقل لا يستطيع تخفيضها كثيرا. في الوقت نفسه، على الرغم من أن مشتريات السندات تؤدي إلى انخفاض العائدات طويلة الأجل، إلا أنه لا يوجد مجال كبير لتخفيضها أكثر.
هذا يعني أن العوائد الحقيقية - أسعار الفائدة طويلة الأجل المعدلة بحسب التضخم المتوقع - لم تنخفض أثناء الوباء، على عكس انخفاض كبير في الولايات المتحدة. العائدات الحقيقية المزدهرة نسبيا تجعل أصول اليورو أكثر جاذبية للمستثمرين، ما يعزز العملة. العائد الحقيقي لألمانيا لمدة عشرة أعوام، وهو مرجع لمنطقة اليورو، يتم تداوله في الوقت الحالي عند سالب 1.6 في المائة، وهو ما كان عليه قبل عام تقريبا. في حين أنه لا يزال أعلى قليلا من 1 في المائة، العوائد الحقيقية في الولايات المتحدة لمدة عشرة أعوام انخفضت نقطة مئوية كاملة تقريبا خلال الفترة نفسها.
يمكن للعلاقة بين قوة العملة والانكماش أن تعزز بعضها بعضا، لأن العملة القوية تقلص أسعار الواردات، ما يؤدي إلى كبت التضخم. يشبه بروكس مأزق البنك المركزي الأوروبي بمأزق بنك اليابان في أعقاب الأزمة المالية، عندما أدت نظرة تشير إلى انخفاض في معدل التضخم إلى دعم الين، ما أدى بدوره إلى زيادة المخاوف من الانكماش. وفقا لبروكس، الطريقة الوحيدة، والأفضل، لكسر هذه الحلقة المفرغة هي التسهيل النقدي الأكثر قوة، مع عمليات شراء أصول أكبر.
تكمن مشكلة البنك المركزي الأوروبي في أنه تخلف عن ركب البنوك المركزية الأكثر جرأة - ولا سيما الاحتياطي الفيدرالي الذي خفض أسعار الفائدة واشترى السندات بوتيرة أسرع.
قال سلمان أحمد، الرئيس العالمي للاقتصاد الكلي في فيديليتي إنترناشونال: "بالنسبة للعملات، اللعبة النسبية هي المهمة". أضاف: "يمكنك القول إن البنك المركزي الأوروبي كان جريئا جدا في سياسته، لكن هل أكثر جرأة من غيره؟ إذا أراد البنك المركزي الأوروبي تخفيض قيمة اليورو، يتعين عليه التفوق على الاحتياطي الفيدرالي - لا توجد طريقة أخرى".
أشار أحمد إلى أن البنك المركزي الأوروبي يستطيع ترويض اليورو أكثر بإسقاط تلميحات بأن تخفيضات أسعار الفائدة أمر محتمل.
صرح مسؤولو البنك المركزي الأوروبي سابقا بقلقهم من قوة اليورو، ولا يزال البنك "متيقظا للغاية" لتأثير هذه القوة في التضخم، حسبما قالت رئيسته، كريستين لاجارد الأسبوع الماضي. قال أكثر من نصف الاقتصاديين البالغ عددهم 33 الذين استطلعتهم "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي إنهم يتوقعون استمرار ارتفاع اليورو مقابل الدولار هذا العام، بينما قال معظم الآخرين إنهم يتوقعون بقاءه عند المستويات الحالية. اثنان فقط توقعا انخفاضه.
لكن مديري الصناديق يقولون إذا أراد البنك المركزي تغيير توقعات السوق فيما يتعلق بارتفاع الأسعار في المستقبل، فستكون لديه مهمة يتعين إنجازها.
بحسب كونستانتين فيت، مدير محفظة في بيمكو: "مسار التضخم لا يزال قاتما". وفقا لتوقعاته الخاصة، من المنتظر أن يخطئ البنك المركزي الأوروبي هدفه بمسافة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ما يزيد من احتمال أن تكون "توقعات التضخم في منطقة اليورو شبيهة بالطراز الياباني".
يرى بعض المحللين أن مستوى اليورو - ولا سيما بالنظر إلى انخفاضه أكثر من 1 في المائة في كانون الثاني (يناير) - ليس مرتفعا بما يكفي لدق أجراس الإنذار في فرانكفورت.
قال فريدريك دوكروزيت، الخبير الاقتصادي في بيكتيت لإدارة الأصول: "وجهة النظر الآتية من البنك المركزي الأوروبي هي أن العملة القوية في الغالب نتاج انتعاش في توقعات النمو. إذا وصلنا إلى 1.30 دولار، فهذه قصة مختلفة، لكنني أعتقد أنهم سيكونون مرتاحين أينما كانوا." تم تداول العملة المشتركة بأقل من 1.21 دولار، الإثنين.
بالنسبة لكثير من المستثمرين، عجز البنك المركزي الأوروبي الواضح عن خفض أسعار الفائدة الحقيقية أو عوائد السندات يعد ضوءا أخضر لمزيد من ارتفاع قيمة العملة، ولا سيما في عالم يتوقع فيه معظم المحللين مزيدا من ضعف الدولار مع تحرك النمو في الولايات المتحدة. هناك شك كبير في الأسواق حول ما إذا كان تسهيل أكثر جرأة من البنك المركزي الأوروبي سيكون له تأثير كبير في توقعات التضخم، بالنظر إلى أن جولات سابقة لم تفعل الكثير لرفعها.
مع ذلك، زيادة قوة العملة قد تجبر البنك المركزي الأوروبي على تجربتها.
قال أحمد: "بالنسبة لليورو، فإننا نتحدث عن عملة أصبحت عملة انكماشية. ونحن قريبون من المستوى الذي يصبح فيه هذا مؤلما".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES