FINANCIAL TIMES

مكافحة كوفيد تستدعي التركيز على استراتيجيات غير طبية

مكافحة كوفيد تستدعي التركيز على استراتيجيات غير طبية

جزء كبير من علم فيروس كورونا مفقود. ليست اللقاحات التي يجري تطويرها بشكل جيد ومن المعقول أنها ستطرح في الربيع المقبل، ولا العلاجات التي نجمع عنها رؤى جديدة وقيمة بانتظام. أثبتت تجربة ريكفري Recovery التي تجريها جامعة أكسفورد أن ديكساميثازون، وهو نوع رخيص من الكورتيزون يعزز فرص البقاء على قيد الحياة للمرضى. تشير بيانات سوليداريتي Solidarity الضخمة التي تنسقها منظمة الصحة العالمية إلى أن ريمدسيفير لا يفعل ذلك.
العلم المفقود، للأسف، يغطي كل شيء آخر تقريبا، بما في ذلك جميع الإجراءات التي اتخذناها على عجل منذ بدء الوباء. تقول سوزان ميتشي، أستاذة علم النفس الصحي في يونيفرسيتي كوليدج لندن وعضو في كل من Sage، المجموعة الاستشارية الرسمية لحكومة المملكة المتحدة: "إننا نفتقر حقا إلى الأدلة المتعلقة بالأشياء الأساسية جدا، مثل نظافة اليدين وارتداء الأقنعة"، ومنظمة Independent Sage، التي أنشئت لتكون بديلا شفافا للمنظمة المتكتمة نوعا ما التي تحمل الاسم نفسه.
البروفيسورة ميتشي واحدة من عدد من الأكاديميين الذين يناصرون تعاونا عالميا جديدا يسمى Bessi – وهي الأحرف الأولى من عبارة باللغة الإنجليزية تعني "التدخلات السلوكية والبيئية والاجتماعية والنظم" – التي تدفع بهذا العلم المهمل إلى دائرة الضوء. هذه الجهود تهدف إلى أن تفعل من أجل "التدخلات غير الصيدلانية" ما فعلته تجارب ريكفري وسوليداريتي لأدوية فيروس كورونا: بناء إطار لجمع أدلة موثوقة بحيث يستطيع صانعو السياسات والجمهور أن يكونوا واثقين من أي الإجراءات التي تحقق النتائج، ومدى نجاحها، في التصدي للجائحة.
من بين الموضوعات المستهدفة للدراسة السلوكيات الفردية، التباعد الاجتماعي وغسل اليدين وارتداء الكمامات، وأنظمة مثل اختبار التتبع والعزل، والعوامل البيئية، بما في ذلك التهوية الداخلية. تندرج عمليات الإغلاق أو "قواطع الدائرة" تحت عنوان "الأنظمة": تشدد البروفيسورة ميتشي على تعقيد الحكم على ما يعد نجاحا هنا، نظرا لأنها تقلل انتقال العدوى لكنها تحمل أيضا تكاليف اقتصادية وصحية واجتماعية لا يستهان بها.
بول جلازيو، وهو مؤسس زميل لتعاون بيسي وأستاذ الممارسة القائمة على الأدلة في جامعة بوند في كوينزلاند في أستراليا، أشار أخيرا إلى وجود أكثر من 1500 تجربة سريرية مسجلة أو تم الإبلاغ عنها على عقاقير لعلاج كوفيد - 19 لكن ثمانية فقط من أجل أنواع أخرى من التدخلات. أخبر المجلة الطبية البريطانية في بودكاست هذا الشهر، عن التباين قائلا: "إنه أمر مذهل حقا. نحن بحاجة إلى حل المشكلة الآن، وإلا فإننا سنضيع بقية الوقت في تخمين طريقنا للتغلب على الوباء".
تقدم الكمامات دراسة حالة رائعة للطريقة الفضفاضة التي تتراكم بها الأدلة حول الإجراءات غير الدوائية. مع تردد خبراء الصحة العامة في البداية في التوصية بأجهزة التنفس الاصطناعي N95 بسبب النقص المحتمل، تحول الانتباه إلى الكمامات البسيطة.
لم يكن لدى علماء الأوبئة المثقلين بالعمل وقت لإجراء تجارب سريرية لمعرفة ما إذا كانت ستنجح أم لا. بدلا من ذلك، التجمعات الجماهيرية، مثل احتجاجات "حياة السود مهمة" والتجمعات السياسية، فضلا عن الإدخال على مراحل للكمامات في ألمانيا، أصبحت دراسات رصدية حية، ما يؤدي إلى تظليل فجوات الأدلة بما يكفي فقط للإشارة إلى الفعالية ولكن بشكل غير كاف لتحييد مواقف النقاد. كان هذا موضوعا ثابتا في إدارة الوباء: قاعدة أدلة قليلة للتدخل تتحول بسرعة إلى مساحة متنازع عليها تتنافس فيها المعلومات المضللة مع نصائح الصحة العامة الناشئة.
الرؤى السلوكية هي المفتاح لكبح انتقال العدوى. مثلا، يعمل نظام الاختبار والتتبع والعزل الوظيفي بشكل أفضل إذا تم عزل المصابين عن الناس. في المملكة المتحدة، 18 في المائة فقط من الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض كوفيد - 19 يعزلون أنفسهم. تشير استبيانات إلى أنه على الرغم من الرغبة في الامتثال، فإن كثيرين، ولا سيما ذوي الدخل المنخفض، يخالفون القواعد من أجل الذهاب إلى العمل أو أداء واجبات الرعاية. اكتشاف ما يدفع الناس إلى خرق العزلة يمكن أن يشير إلى طرق زيادة الامتثال، مثل توفير الدعم المالي والرعاية.
كذلك يظهر حظر التجول وإغلاق الحانات والمطاعم بعد الساعة العاشرة مساء في إنجلترا وويلز واسكتلندا أن الفطرة السليمة يمكن أن تكون بديلا محفوفا بالمخاطر للأدلة. بالنظر إلى أن بعض الانتقال قد تم تتبعه إلى مواقع الضيافة، يأمل الوزراء أن تؤدي أوقات الإغلاق المبكر إلى مزيد من التباعد الدقيق.
في لندن دفع ذلك المحتفلين إلى النزول إلى الشوارع واستخدام وسائل النقل العام في الوقت نفسه، وأحيانا مواصلة الاحتفال في المنازل الخاصة. تقول البروفيسورة ميتشي عن حظر التجول: "إنه جنون"، مضيفة أن علماء السلوك لم تتم استشارتهم. "اعتاد الناس على إنهاء أمسيتهم في الساعة 11 مساء أو 11:30 مساء. لن يذهبوا للنوم في الساعة العاشرة مساء مع فنجان من الكاكاو".
تماما مثلما نفضل ألا يخمن أطباؤنا أي دواء لفيروس كورونا سيوزعونه، فإن هذه الموجة الثانية من الوباء توفر فرصة لجمع الأدلة حول التدخلات السلوكية والبيئية والاجتماعية التي تقدم أكبر مكاسب بأقل قدر من الألم. إذا كان علينا أن نعيش في "وضع طبيعي جديد"، فعلينا على الأقل أن نفكر بشكل منهجي في كيفية بنائه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES