ثقافة وفنون

كتاب "سعود واليمن" .. كواليس رأب الصدع اليمني وجمع الجهد العربي

كتاب "سعود واليمن" .. كواليس رأب الصدع اليمني وجمع الجهد العربي

الملك سعود بين ملك اليمن الإمام أحمد ورئيس مصر عبدالناصر قبيل توقيع ميثاق جدة العسكري، الحلف الثلاثي.. أبريل 1956.

كتاب "سعود واليمن" .. كواليس رأب الصدع اليمني وجمع الجهد العربي

غلاف الكتاب، لقطة ودية تجمع الملك سعود والإمام أحمد أثناء زيارة الملك السعودي لليمن، صنعاء يوليو 1954.

كتاب "سعود واليمن" .. كواليس رأب الصدع اليمني وجمع الجهد العربي

"سعود واليمن"، للطفي فؤاد نعمان، الصحافي والباحث السياسي اليمني، كتاب جديد صادر عن دار "جداول" التي دأبت على رفد المكتبة العربية عموما والسعودية بوجه خاص، بمؤلفات فكرية أدبية وفلسفية وتاريخية ووثائقية عربية ومترجمة، يستقي منها المختصون والمهتمون بتاريخ وحاضر ومستقبل شبه الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية وعلاقاتها الخارجية.
جاء الكتاب حاملا معه شارة منتدي النعمان الثقافي للشباب، يقع في 304 صفحات من القطع المتوسط، ضمت سطوره بأسلوب رشيق ومتميز قراءة يمنية خاصة وجديدة لتلك المرحلة، وقائع وتفاصيل مهمة عن علاقات الدولتين الجارتين الشقيقتين، من عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود إلى عهد خليفته الأول الملك سعود.
يركز الكتاب والكاتب على دور الملك سعود في توطيد علاقات الجارين الشقيقين وقيادته الجانب السعودي أثناء الحرب الشهيرة عام 1934 حتى توقفت بإبرام معاهدة إخاء إسلامية وصداقة عربية معروفة بمعاهدة الطائف.
فاتحة "سعود واليمن" عبارة عن "خلفية تاريخية" شاملة تفاصيل بيانات ومراسلات ومعاهدات ووثائق تلك المرحلة، استنادا إلى المصادر التاريخية التي نشرت بيانات وبرقيات الملك سعود -وهو ولي للعهد- بما تحتوي من تسجيل وقائع الحرب حتى انسحابه من نجران بعد ترتيب إمارتها ووضع نظام سير العمل فيها، وكذا "شمول الهدوء والسكون أطراف الحدود، وأصبح ما وقع من خلاف نسيا منسيا".
ومن ثلاثينيات القرن الـ20 الميلادي، وخمسينيات القرن الـ14 الهجري حين افتدى سعود والده أثناء محاولة اغتيال فاشلة، ارتحل لطفي النعمان بالقارئ إلى أربعينيات القرن الميلادي، ستينيات القرن الهجري، إثر اغتيال الإمام يحيى حميد الدين وإعلان نظام حكم دستوري جديد برئاسة الإمام عبدالله الوزير في 17 فبراير 1948، الذي يبتعث إلى الرياض وفدا يمنيا يلتقي الملك المؤسس ونجليه سعود وفيصل، ويتبين لهم موقف سعود إزاء أطراف الصراع اليمني.
ومن أرشيف تاريخ العلاقات المتميزة يدرج النعمان وفق تسلسل منهجي ودقيق وتحليل هادئ نصوص بيانات واتفاقيات ثنائية حول قضايا التنسيق المشترك، بجانب نصوص برقيات متبادلة بين قيادتي المملكتين السعودية واليمنية بعد "صعود سعود سدة العرش السعودي".
ويتناول أول وأبرز محطات العلاقات مطلع عهد الملك سعود، حيث خص اليمن في يوليو 1954 بأول زيارة ملكية سعودية في عهد الإمام أحمد حميدالدين، التي جاءت تعميقا لأواصر الإخاء والصلات الودية بين قيادتي الدولتين والشعبين الشقيقين، وزادت روابط التعاون توثيقا وتوطيدا.
مؤلف الكتاب الخبير بتاريخ العلاقات الثنائية، جمع في ثاني أبواب كتابه بهذا الصدد تغطيات الصحف اليمنية والسعودية الرسمية والأهلية لتلك الزيارة، كما بين من خلال المصادر التاريخية العليمة ببواطن الأمور ما هدفت إليه زيارة الملك سعود من محاولة رأب صدع داخلي يمني وجمع الجهد العربي الخارجي ضد المخططات الاستعمارية الأجنبية. وكذا ما أعقب الزيارة من مقدمة تعاون اقتصادي.
يتطرق الباب الثالث من الكتاب إلى أن الصراع على الحكم ومحاولة التغيير في اليمن وقتئذ لم ينته عند محاولة الملك سعود إصلاح ذات البين، بل بلغ خلال ربيع 1955 مستوى الانقلاب على الإمام أحمد، الذي لقي نصرة مباشرة من الملك سعود ضد الانقلاب مع مساع حميدة للتوفيق بين "الإخوة الأعداء" في اليمن، وبدء اتصال الأحرار اليمنيين بالملك سعود، داعين إياه لإسداء النصح للإمام بتغيير الأحوال وتطوير اليمن. ويتجلى تفاعل المملكة مع أحوال اليمن الداخلية وتشجيع خطوات تحسينها.
يظهر كذلك، حسب الباب الرابع، أن الملك سعود وولي عهده فيصل هما من شجعا ورحبا بانضمام اليمن إلى مؤتمر جدة، أبريل 1956، وجعله ثالث أطراف الحلف العسكري المبرم بين السعودية ومصر واليمن، استباقا منهما لأحلاف مضادة للدولتين الكبريين في المنطقة مصر والسعودية. كما استضافا الإمام أحمد في زيارته الخارجية الأولى إلى السعودية.
من بوابة "التعاون والتنسيق بعد مؤتمر جدة" وهو عنوان الباب الخامس، أو إبرام ميثاق جدة العسكري -وقبلهما كذلك- أوجد الملك سعود -كما اكتشف المؤلف- ثغرة ينفذ من خلالها في اليمن إلى دعم القبائل اليمنية جنوبي اليمن ضد الاستعمار، الذي "بقي سرا طوته الضرورات السياسية"، وازداد إلمامه ومعرفته بأحوال اليمن وحكام اليمن وكون انطباعا خاصا عنهم، مع الإبقاء على روابط الإخاء مع العرب والصداقة مع الغرب بعد ظهور مشروع آيزنهاور، إلى أن بدا توتر عارض في العلاقات نتيجة اضطراب العلاقات العربية، بعد بروز المشاريع الاتحادية المتعارضة شرقي وشمال وغرب الجزيرة العربية "الاتحاد الهاشمي بين العراق وسورية" و"الجمهورية العربية المتحدة مصر وسورية، ثم انضمام اليمن إلى الجمهورية المتحدة". الباب السادس "علاقات الدولتين بعد الانضمام إلى المتحدة"، جاء على ما أثر في العلاقات بين الدولتين، دون قطيعة تامة، بل تستدعي الملمات على اليمن وحكامه السؤال الودود والعون الصادق من الجانب السعودي، عند وقوع الحوادث الفردية والجماعية.
أمكن "تجديد التقارب" -الباب السابع- بين المملكتين قبيل انفراط عقد الاتحاد بين اليمن والجمهورية العربية المتحدة، وتجاوزا معا العوارض الطارئة، وأصبحا في مرمى الانتقادات والتشهير الإعلامي، حتى انفجرت ثورة 26 سبتمبر 1962، وما تلاها أو صاحبها من تبدلات داخلية وتحولات خارجية مهمة. أفردت صفحات الأبواب الأخيرة من الكتاب الوثائقي تفاصيل مهمة ودقيقة.
دفعت أحداث "اليمن الجمهوري" المدعوم من القاهرة وإيواء السعودية ونصرتها للجانب الملكي اليمني يومذاك، إلى البحث الدولي عن سبل تنقية الأجواء بين الرياض والقاهرة، ثم أفلحت وساطات عربية خلال القمة العربية الأولى التي شارك الملك سعود في أعمالها في يناير، ومهدت بعدها طريق التفاهم بين ولي عهده فيصل والرئيس عبدالناصر في القمة الثانية في الإسكندرية سبتمبر 1964.
كتاب "سعود واليمن" من "المقدمة" إلى "الخاتمة" يقدم جديدا ويقارب مسلمات عدة، بغية تصويبها، ويؤكد أن أواصر الإخاء والجوار الأقرب هي أوثق وأبقى من أي روابط بعيدة، تتزين بالمغالطات الأيديولوجية، وتكرس بالشعارات الزائفة وتتضخم بالأوهام.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون