FINANCIAL TIMES

السويد .. لماذا خرجت "القوة الأخلاقية العظمى" على إجماع كوفيد

السويد .. لماذا خرجت "القوة الأخلاقية العظمى" على إجماع كوفيد

حشود من السويديين يستمتعون بالأجواء المشمسة غير عابئين بالفيروس القاتل.

السويد .. لماذا خرجت "القوة الأخلاقية العظمى" على إجماع كوفيد

عاشت السويد تجربة كوفيد 19 دون إغلاق رسمي تاركة لكل فرد أن يفعل ما يراه صوابا.

السويد .. لماذا خرجت "القوة الأخلاقية العظمى" على إجماع كوفيد

أندرس تيجنيل

أزمة عالمية تندلع مع تركيز خاص على أوروبا. تعمل جميع الدول تقريبا في انسجام تام باستثناء السويد. النهج الفردي للدولة الاسكندنافية يثير عناوين الصحف الدولية التي تتساءل لماذا تبرز من بين الحشود.
قد يكون هذا وصفا لاستجابة السويد سيئة السمعة الآن لفيروس كورونا وكيف تجنبت عمليات الإغلاق الرسمية التي اعتمدتها بقية أوروبا. لكنه أيضا سرد لما حدث خلال أزمة الهجرة 2015 عندما قبلت طلبات لجوء أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي بالنسبة لحجم سكانها.
يقول نيكولاس إيلوت، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة سودرتورن: "من المدهش أن السويد اتخذت مسارا مختلفا تماما عن الآخرين في أزمتين دوليتين في الأعوام الخمسة الماضية. إنها حالة تدل على الموقف الاستثنائي السويدي الحقيقي".
كون هذه الدولة الاسكندنافية الغنية التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة برزت خلال الأزمتين العالميتين الكبيرتين الماضيتين أمرا مذهلا. لكن هل هناك أي شيء يربط بين استجابتها لأزمة اللاجئين واستجابتها لأزمة فيروس كوفيد - 19، على نحو يجعلها الدولة الغريبة في أوروبا؟
طرح الخبراء مجموعة من الأسباب ولكن جوهرها هو الشعور بأن السويد، على الرغم من حجمها، هي "قوة أخلاقية عظمى" تسعى إلى التصرف بعقلانية، في حين أنها ترى أن سلوك الدول الأخرى قائم على حسابات سياسية أو على العواطف. هذا الوضع متجذر بعمق في حيادية السويد منذ فترة طويلة – فهي لم تخض حربا منذ أكثر من قرنين - لكن علماء السياسة يقولون إنه يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في الاستجابة.
تقول جيني ماديستام، أستاذة العلوم السياسية في جامعة سودرتورن: "كنا في سلام لأعوام كثيرة. لم تشهد السويد أزمات كبيرة عبر التاريخ، لذلك كنا في عالمنا الرومانسي الصغير حيث كل شيء على ما يرام. نحن ساذجون إلى حد ما في أن الأزمات الكبيرة لن تحدث لنا - يقول الناس إن السويد دولة جيدة وستخرج من الأزمات التي من هذا القبيل في وضع جيد".
بيتر وولودارسكي، رئيس تحرير صحيفة Dagens Nyheter الليبرالية، يقول في كلتا الحالتين لم يكن موقف السويد مبنيا على خطة دقيقة، وإنما هي ارتجلت تفسيرا لسياستها. في حالة كوفيد - 19، تجنبت القيود الرسمية واعتمدت على المسؤولية الفردية لتحقيق تغييرات سلوكية. من الافتقار إلى الإغلاق الرسمي إلى الاستخدام المحدود للغاية للكمامات، فإن الرجل المسؤول عن الاستجابة لفيروس كورونا في السويد – عالم الأوبئة الحكومي، أندرس تيجنيل – أصر على أنه يتبع الأدلة العلمية بينما تتخذ دول أخرى قرارات لأسباب أقرب إلى الطابع السياسي.
يقول وولودارسكي، المتشكك في نهج تيجنيل: "إنه يناسب الصورة التي لدينا في هذه الأمة من كوننا أمة مختلفة و’متفوقين‘. نحن نقول لأنفسنا إن لدينا أفكارا أفضل من الآخرين. نحن أمة علمانية للغاية حيث ينظر إلى العقلانية على أنها قيمة عليا. إذا كنت تريد أن تجادل بشأن شيء تقول إن العقلانية في مصلحتنا، على الرغم من أنه ليس صحيحا أن العلم قطعي الدلالة من جانبنا".

مخاوف مبالغ فيها

افتتان العالم بنهج السويد في التعامل مع الوباء يبدو بلا نهاية تقريبا. في الوقت الذي أخذت فيه دولة تلو أخرى تفرض قيودا على سكانها نادرا ما ترى خارج أوقات الحرب، أصبحت السويد رمزا للجدل حول كيفية تحقيق حصانة السكان. "السويد كانت على حق"، كان الحكم القوي والبليغ من إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا، على تويتر هذا الأسبوع، ما يعكس الدعم القوي من بعض الليبراليين الأمريكيين لنهجها.
لم يكن هدف السويد قط هو قمع الفيروس تماما ولكن فقط ضمان أن نظام الرعاية الصحية الخاص بها يمكن أن يتأقلم دون نسيان الوضع الصحي الأوسع للسكان. صحيح لم يتم فرض إغلاق قانوني، لكن مزيجا من ثقافة الإجماع والثقة القوية في السلطات يعني أن معظم الناس اختاروا العمل من المنزل وتجنب الاتصال الاجتماعي الوثيق.
كان يبدو أن دولا أخرى تحاول محاكاة السويد – ولا سيما المملكة المتحدة في بداية الوباء – لكنها استسلمت لضغوط عامة مكثفة وسط ارتفاع حصيلة القتلى. في السويد توفي 5900 شخص بسبب فيروس كورونا، ما يجعل معدل الوفيات للفرد أعلى عشرة أضعاف تقريبا من فنلندا والنرويج المجاورتين.
الانتقاد المحلي لنهجها كان صامتا نسبيا، مع تمتع وكالة الصحة العامة وتيجنيل بدعم قوي. على الرغم من تراجع الدعم بشكل طفيف في الأشهر الأخيرة، إلا أن معظم الانتقادات لا تزال تأتي من خارج الدولة.
يقول يوناس لودفيجسون، أستاذ علم الأوبئة السريرية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم: "كانت لدى السويد بشكل جماعي ثقة عالية بالنفس حين يتعلق الأمر بتنظيم المجتمع ليكون الأفضل لمصلحة الجميع، حيث يكون لدى السياسيين والمواطنين إيمان عميق بالسلطات الحكومية. كانت هناك ثقة على غرار الثقة بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل مفادها ’نعم، يمكننا القيام بذلك‘".
في 2014 و2015، برزت السويد مرة أخرى. مع وصول أعداد كبيرة من طالبي اللجوء إلى أوروبا، حاول معظم الدول إغلاق حدودها. استقبلت بعض الدول، مثل ألمانيا، أعدادا كبيرة، لكن السويد قبلت (من حيث نصيب الفرد) أكثر من أي دواة أخرى في الاتحاد الأوروبي. رئيس الوزراء السويدي في ذلك الحين من يمين الوسط، فريدريك راينفيلدت، حث السويديين على "فتح قلوبهم" للاجئين تماما قبيل الانتخابات الوطنية في 2014. تم استبدال إدارته بحكومة من يسار الوسط، احتفظت بدورها بهذه السياسة طوال 2015 حتى مع قيام دول أخرى بقمعها.
وسط ضغوط داخلية شديدة من الديمقراطيين السويديين المناهضين للهجرة، فضلا عن التدقيق الدولي، استسلمت السويد فعلا في النهاية، وفرضت قيودا خاصة بها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، حيث اعترف رئيس الوزراء، ستيفان لوفين، أن "الوضع لا يمكن الدفاع عنه". انخفض عدد طلبات اللجوء إلى 22 ألفا في 2019 من ذروته عند 163 ألفا في 2015.
كثير من الذين أشادوا باستراتيجية السويد "المحبة للحرية" بشأن فيروس كورونا هم الأشخاص أنفسهم الذين شعروا بالذعر من سياسة الهجرة الليبرالية في 2015. البعض في السويد لا يرى صلة تذكر بين الحالتين. لكن بالنسبة لآخرين هناك روابط أكثر دقة.
قال تيجنيل لـ"فاينانشيال تايمز" في آب (أغسطس) إن المخاوف بشأن كلتا الأزمتين قد تكون مبالغا فيها: "أزمة الهجرة لم تكن أزمة في الحقيقة. استوعبنا هؤلاء الناس، وبالطبع لسنا أفضل دولة في العالم في دمجهم. وبالطبع لا يزالون يمثلون مشكلة. لكنها ليست مشكلة كبيرة. استمر الاقتصاد في العيش. لم يتغير وضع الإسكان كثيرا".
عندما سئل عما إذا كان يعتقد أن فيروس كورونا سيكون مشابها، أجاب: "أنا واضح تماما بشأن ذلك. سيستمر دوري لمدة خمسة أو ستة أشهر أخرى ثم يتلاشى، أنا متأكد".

القوة العظمى الأخلاقية

بالنسبة للآخرين، هناك تفسيرات أعمق. يجادل وولودارسكي بأن جزءا من الإجابة يعود إلى ما وصفه بموقف السويد "المريب" في الحرب العالمية الثانية. يجادل بأن السويد تمسكت بوضعها المحايد في الحرب - على الرغم من أنها ساعدت في بعض الأحيان ألمانيا النازية وكذلك الحلفاء - "لأسباب عملية، وليس أيديولوجية". لكن عندما تم التشكيك في مساعدة ألمانيا من قبل المؤرخين وبعض السويديين، يقول وولودارسكي إن الحياد "أصبحت تسري فيه صبغة أخلاقية".
يضيف: "كان علينا توضيح سبب اختيار السويد لهذا المسار: كنا مختلفين عن الدول الأخرى. عندما تفكر في أزمة اللاجئين وفيروس كورونا، فإن اللحظات التي برزت فيها السويد، ليست جديدة بالنسبة لنا. الناس فخورون للغاية بذلك".
تتميز السويد بقيمها. "استبيان القيم العالمية" يقيس الدول حول ما إذا كانت تفضل القيم التقليدية أو القيم العلمانية العقلانية. وما إذا كانوا يميلون إلى قيم البقاء التي تؤكد الأمن الاقتصادي والمادي أو أنماط التعبير عن الذات التي تسلط الضوء على قضايا مثل حماية البيئة والتسامح مع الأجانب. السويد لديها أعلى درجة لقيم التعبير عن الذات وتقريبا أعلى درجة للقيم العلمانية العقلانية. يقول لودفيجسون: "نحن في الواقع متطرفون من نواح كثيرة".
يرى بعضهم مزيجا من التاريخ والقيم في كلتا الأزمتين الأخيرتين. يوهان سترانج، الأستاذ المشارك في دراسات دول الشمال في جامعة هلسنكي في فنلندا، يقول إن إحساس السويد بالذنب بشأن الحرب العالمية الثانية "ترجم إلى فكرة أن تصبح قوة أخلاقية عظمى". وهذا بدوره يعني أن السياسة السويدية غالبا ما تدور حول المناقشات الأيديولوجية بدلا من الأمور العملية كما لدى جيران مثل فنلندا.
يضيف: "السويديون لديهم هذه المثل وهذا الشعور بأنهم متقدمون على الزمن، في طليعة التنمية البشرية. هم بحاجة إلى حل كل قضية من أجل البشرية جمعاء".
تقول ماديستام إنه توجد مفارقة في قلب قيم السويد: "من ناحية، لدينا دولة قوية جدا تهتم دائما بالفرد، لكن في الوقت نفسه لدى هذه الدولة القوية جدا فكرة أنه ينبغي أن نكون مستقلين ونتحمل المسؤولية الفردية عن حياتنا".
بالنسبة لفيروس كورونا، فقد ترجم ذلك إلى عدم وجود إغلاق وطني، ولكن الضغط على كل فرد لقبول المسؤولية وتباعد الناس عن بعضهم بعضا. وتضيف: "الأمر متروك لك. أنت حر في اختيار الطريقة التي تتصرف بها".
عامل آخر، كما يقول النقاد، هو أن ستوكهولم غالبا ما تبدو بطيئة في الاستجابة للأزمات. كانت السويد هي الأكثر تضررا من بين جميع الدول الأوروبية من جراء السونامي الآسيوي 2004 الذي قتل ما يقارب 550 سويديا، معظمهم في تايلاند. لكن الحكومة تعرضت لانتقادات شديدة من قبل تقرير مستقل ومن قبل الأسر بسبب بطء استجابتها.
وبالمثل، في 2015 و2020 مع اندفاع دول أخرى لفرض قيود، بدا أن السويد تستغرق وقتا أطول للرد.
يقول لودفيجسون إن البطء هو ببساطة "الثمن الذي تدفعه مقابل عدم المبالغة في رد الفعل". ويضيف: "في كثير من الأحيان، هذا شيء جيد. لا يمكنك المبالغة في رد الفعل على كل شيء. لكنه يعني أيضا أنك بطيء بعض الشيء في الاستجابة عندما تحتاج إلى ذلك".
يجادل آخرون بأن تاريخ السويد باعتبارها واحدة من أكثر دول العالم سلما – آخر مرة لعبت فيها دورا نشطا في الحروب كانت في حرب 1814 - يعني أنها غالبا ما تكون غير مستعدة بشكل جيد للأزمات.
عندما ضرب فيروس كورونا، كانت فنلندا قادرة على الاستفادة مما لديها من إمدادات الطوارئ من المعدات الطبية ولجأت إلى القوانين المصممة لمواجهة جائحة محتملة، بينما كان على السويد أن تتدافع مع دول أخرى للحصول على كمامات ومنحت حكومتها الصلاحيات التي تحتاج إليها. عندما سئل عما إذا كان الوقت الطويل من دون حرب قد أثر في شخصية السويد، أجاب تيجنيل: "على الأقل (في) الموقف من أهمية التأهب. يوجد شيء مهم هناك".
عالم الدولة المختص بالأوبئة قلل من احتمال تعرض السويد لضربة شديدة من كوفيد - 19، مدعيا في أوائل آذار (مارس) أن تفشي المرض قد بلغ ذروته في ذلك الحين. وفي الوقت الذي كانت تسارع فيه دول أخرى مثل النرويج والدنمارك لحماية دور رعاية المسنين، فرضت السويد حظرا على الزيارات في نيسان (أبريل) فقط عندما كان الفيروس قد دخل أصلا إلى كثير من المؤسسات. في 2015، فقط عندما حذرت البلديات السويدية المنهكة من أن هناك خدمات حيوية معرضة للخطر – وبعد فترة طويلة من قيام دولة أخرى باتخاذ الإجراءات المناسبة – فرضت الحكومة السويدية قيودا على الهجرة.

عقول مستقلة

الصلاحيات الكبيرة الممنوحة بموجب الدستور السويدي للهيئات المستقلة – التي تعمل بشكل مستقل تماما عن الحكومة – تساعد أيضا على تفسير القرارات المتخذة في 2015 و2020. إذا استطاعت مصلحة الهجرة ممارسة النفوذ في 2015، فإن دور نظيرتها في مجال الصحة العامة كان أكثر أهمية في نهج السويد تجاه فيروس كورونا. تقول ماديستام: "النتيجة المترتبة على ذلك هي أن الوكالات قوية جدا وتقرر بنفسها كيفية التعامل مع الأزمات".
وهذا يعني أن صانعي القرار معزولون أكثر عن الضغط العام أو السياسي مقارنة بالدول الأخرى حيث السياسيون هم الذين يتخذون القرارات. لكنه أدى إلى انتقادات شديدة للحكومة من نواب المعارضة الذين يطالبون بمزيد من القيادة السياسية في الأزمات. ماتياس كارلسون، الزعيم البرلماني للديمقراطيين السويديين، قال لـ"فاينانشيال تايمز" في آب (أغسطس) إن تيجنيل "خبير في الفيروسات لكنه ليس سياسيا"، مضيفا: "أرادت الحكومة الاختباء خلفه حتى لا يعود من الممكن إلقاء اللوم عليها".
ويلاحظ أيلوت أن "المساحة التي يمنحها الدستور السويدي للوكالات المستقلة سببت مشكلات تتعلق بالمساءلة الديمقراطية".
يمكن أن ينجح هذا النهج لأن السويديين لديهم ثقة أعلى بالسلطات من مواطني معظم الدول الأوروبية. لكن حتى هذا الأمر معرض للخطر. يقول لودفيجسون: "أخشى بالتأكيد أن تصبح السويد مجتمعا أكثر استقطابا وأقل ثقة مما كانت عليه قبل 20-30 عاما. هذا الأمر في الواقع يقلقني جدا جدا".
هناك صلة أخرى تربط بين 2015 و2020 معا هي حكومة لوفين. كان رئيس الوزراء نقابيا قبل أن يصبح رئيسا للحزب الاشتراكي الديمقراطي في 2012. يقول أيلوت: "السياسة لا تهمه، لا يبدو أنه يريد أن يقود. وهذا يعني أن صنع السياسة في السويد هو إلى حد كبير لا يتوافق مع الرأي العام السويدي والأوروبي أحيانا".
يجادل وولودارسكي بأن السويد يمكنها في نهاية المطاف تغيير مسارها بشأن فيروس كورونا، لكن من غير المرجح أن تعترف بأنها ارتكبت أي خطأ – كما حدث في 2015 مع الهجرة. مع ارتفاع الإصابات مرة أخرى، تدرس وكالة الصحة العامة السويدية إمكانية اتخاذ إجراءات ذات طابع محلي متخصص مثل التحذيرات لتجنب وسائل النقل العام ومراكز التسوق، فضلا عن الاتصال الاجتماعي مع أفراد الأسر الأخرى، ما يجعلها أقرب إلى نهج غيرها من الدول، لكنها لا تزال تتجنب فرض القيود القانونية.
يقول وولودارسكي: "إنه أمر معتاد بالنسبة للسويديين. نتظاهر بأننا عقلانيون دائما، لكننا نتغير. السويد بارعة في تغيير الأشياء. نحن مرنون للغاية وعمليون للغاية".
 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES