Author

التراخي في الالتزام بالإجراءات الوقائية ونتائجه

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

الأزمة التي يعيشها العالم اليوم مع الجائحة، التي أصابته بسبب وباء كوفيد - 19، ما زالت قائمة، والأرقام في ازدياد، والدراسات تشير اليوم إلى أن هذا الوباء يعد أشد بكثير من الأنفلونزا المعتادة، وأعداد الوفيات بسببه أكبر بكثير مقارنة بالفيروسات الموسمية، بل يشبهه البعض من الخبراء بأنه لا يختلف عن أوبئة مرت على العالم وتوفي بسببها الملايين من البشر، فضلا عن الآثار الجانبية المحتملة في الصحة.
الملاحظ اليوم عالميا، وفي المملكة، أن هناك تراخيا من البعض رغم الاستمرار الحكومي في اتخاذ الإجراءات التي تحد من انتشار هذا الوباء، خصوصا على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين يعد أثر إصابتهم به أشد خطرا، علما بأن الوفيات بسبب هذا الوباء لم تقتصر على كبار السن فقط، بل شملت الشباب والأطفال، ما يجعل مسألة التراخي من قبل المجتمع أمرا خطيرا. والحقيقة: إن هذا الوباء اليوم حتى الوصول إلى لقاح فعال له، يعد خطره كبيرا، لسرعة انتشاره وعدم اليقين أن الإصابة به تجعل لدى المصاب به مناعة كافية، كما أن المشاهد اليوم أن دولا عدة في العالم انتشر فيها الوباء ثم خف انتشاره وبدأ ينحصر نسبيا، ومن ثم حصلت موجة ثانية انتشر فيها الوباء بصورة كبيرة. كما أن الإصابة به، وبحسب خبراء وحالات، لا تحقق للفرد مناعة مستمرة، بل من الممكن أن يصاب مرة أخرى بعد أشهر عدة، ومن هنا تأتي خطورة استمرار انتشار الوباء بين البشر.
وبناء على ما سبق، ومن خلال ما يشاهد يوميا من التراخي من قبل البعض، هل يعد هذا هزيمة أو استسلاما للوباء؟ أم أن هناك اطمئنانا أكبر مما ينبغي لدى البعض؟ هذا خطره كبير على المجتمع، إذ إن الأثر لا يقتصر في الجانب الصحي فقط، حيث إن للتراخي واستمرار حالة الإصابات وحصول موجات قد تكون أشد ضراوة، له آثار نفسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، كما أن فيه ضغطا قد لا يتمكن القطاع الصحي من تحمله، خصوصا في ظل تحمله أعباء أخرى تتعلق بالأمراض والمراجعات التي يحتاج إليها الأفراد، وتكلفة الفحوص والإجراءات الخاصة بمرض كوفيد - 19، ومتطلبات العزل والوقاية للممارسين الصحيين. كما أن الاستسلام للوباء لا يتسق إطلاقا مع المنهج الإسلامي الذي يدعو إلى الوقاية من الأوبئة والأمراض قدر الإمكان، وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم: "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، وهذا أمر يوحي باتخاذ أقصى إجراءات الوقاية، إذ إن فرار الشخص من الأسد يعني بقاء الإنسان بعيدا عن أي مكان يمكن أن يصل إليه. وفي حديث آخر، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء"، في إشارة إلى مواجهة المرض والوباء بالعلاج أيضا. ذلك كله تأكيد أن المسلم ينبغي له مواجهة الوباء وعدم الاستسلام له باتخاذ أعلى درجات الوقاية، خصوصا مع سهولة ذلك، والإجراءات الوقائية والإرشادية التي تبذلها الجهات الحكومية بلا استثناء، خصوصا وزارة الصحة. كما أن انخفاض الأعداد نسبيا لا يجعل التراخي ردة فعل طبيعية، إذ إن دولا انخفضت فيها الإصابات إلى أقل من الأعداد التي نشهدها اليوم ومن ثم عادت أرقام الإصابات في تزايد إلى أشد مما سبق، وهو ما دعا بعضها إلى التفكير في إعادة الإغلاق مرة أخرى، وهذا في حد ذاته قد يجعل أمر الاستمرار في عدم عودة الحياة الطبيعية أمرا محتملا ويهدد بصعوبة أكبر في مواجهة الوباء. وهنا تأتي أهمية الوعي واستمرار مراقبة الحالة، خصوصا بوجود تعليمات صارمة فيما يتعلق بالإجراءات التي يجب اتخاذها في مواجهة الوباء، حيث إن تراخي البعض يهدد بوصول الوباء إلى أشخاص أقل قدرة على تحمل نتائج انتشاره.
الخلاصة، إن وباء كوفيد - 19 يعد أخطر الأوبئة التي شهدها الإنسان في هذا العصر، ما يتطلب الاستمرار بالوتيرة نفسها في اتخاذ الإجراءات الوقائية للحد من انتشاره، ومسألة التراخي من البعض خطيرة في هذه المرحلة في ظل حصول موجات ثانية لكثير من دول العالم التي خف فيها انتشار الوباء، وعودته بموجة ثانية لها آثار ليست صحية فقط، بل اجتماعية ونفسية واقتصادية في المجتمع، خصوصا مع عدم التوصل إلى لقاح مؤكد أنه فاعل حاليا.

إنشرها