Author

السوق البترولية .. أبعاد أخلاقية

|


في حديثه خلال الاجتماع الـ 22 للجنة الوزارية لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج لمجموعة "أوبك +"، يؤكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، الممكنات والنتائج الحقيقية والاستراتيجية لتعافي السوق النفطية، ولعل أهمها أخلاقيات السوق. فالعدالة بين المنتجين قضية أخلاقية في المقام الأول، ويجب أن تتركز عليها العلاقات بين المنتجين، كما أن الثقة عامل أساسي في التوازن المنشود، وهي الرغبة الكبرى من إعلان مجموعة "أوبك +"، ومن جميع أعمال حوكمة قطاع الإنتاج، التي تعد اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج، من أهم أركانها.

كانت الثقة بين المنتجين هي العامل الأضعف قبل وجود منظمة أوبك، التي عملت على تحسين الأجواء، من خلال الاجتماعات الدورية، وفي بعض الأوقات كانت هذه الثقة تتزعزع مع تجاوز المنتجين الحصص، وكانت السعودية تقوم بكل ما تستطيع لحفظ التوازن، من ذلك خفض الإنتاج والتخلي طواعية عن بعض الأسواق من أجل دعم الأسعار وكبح الفوائض، لكن التقلبات النفطية وتزايد المنتجين من خارج "أوبك"، قوض الجهود كلها في دعم الثقة بين المنتجين.

ولهذا، استطاعت المملكة بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، تحقيق توازن حقيقي ودور فاعل بتشكيل مجموعة "أوبك +"، التي استطاعت إعادة الأسواق للتوازن بعد صدمات عام 2015، لكن الثقة تراجعت مرة أخرى مع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ودخول الاقتصاد العالمي مرحلة النمو الضعيف، ووجدت المملكة نفسها أمام نزاع على الحصص لم تشهد له الأسواق مثيلا من قبل، وكان لزاما المحافظة والدفاع عن المصالح الوطنية الكبرى، وهذا فرض على المنتجين كافة في أنحاء العالم العودة إلى طاولة المفاوضات.

ونجحت السعودية بحكمة القيادة أن تجمع الجميع، وفق صيغ جديدة، من بينها الالتزام بخفض الإنتاج، وعدم استفادة المتجاوزين للحصص من تلك التجاوزات. وهنا يؤكد وزير الطاقة السعودي، أن الامتثال الكامل لتخفيضات الإنتاج، مسألة حيوية لكل المنتجين، ولمصلحة السوق، ويعكس المسؤولية في ظل هذه المرحلة الحرجة لها، وأن الامتثال لتحقيق استقرارها يتطلب آليات فاعلة لتنظيم الإنتاج وتعزيز مصداقية تحالف "أوبك +"، فالامتثال الكامل ليس عملا خيريا، بل جهودا مشتركة لتعظيم الفائدة والمكاسب لكل عضو من أعضاء المجموعة.

ستبقى هذه العبارة خالدة في السوق النفطية، فالامتثال ليس عملا خيريا، بل هو جزء أساسي من حوكمة القطاع والإنتاج، بخلاف ذلك، فإن انعدام الثقة سيكون سيد الموقف، وستنجرف السوق مرة أخرى إلى الصراع على الحصص، وسيتحمل صغار المنتجين وحدهم نتاج ذلك، والمملكة تريد أن تبقى الإمدادات العالمية للطاقة عند أفضل مستوياتها، لضمان النمو الاقتصادي المتوازن، وأيضا ضمان تدفق الاستثمارات لهذا القطاع الحيوي.

وفي ظل غياب أي مرجعية للسوق خلاف "أوبك +"، فإن المحافظة علـى مكتسبات هذه المجموعة وتحقيق الأهداف الجماعية للتعاون بين المنتجين، لن يتحقق إلا من خلال الشفافية والدقة في تنفيذ الاتفاق. وأشار الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودية، إلى أن أي تحركات أو بيانات تفتقد الثقة أو الشفافية الكافية، من شأنها أن تبعث إشارة خاطئة وتقوض استقرار السوق، خاصة إذا كانت الأسواق تمر بفترة حرجة، كالتي يمر بها العالم نتيجة انتشار فيروس كوفيد - 19.

فهذه الجائحة أشد خطورة من تلك الأحداث التجارية، التي تسببت في تراجع الأسواق عام 2015، وإذا لم تكن الثقة حاضرة والالتزام بالتعهدات عند مستويات عالية من الدقة والشفافية، فإن التهديد سيكون كبيرا دون شك، ذلك أن الأسواق تعاني انخفاضا في الطلب نتيجة الجائحة، وهنا سيكون أمر الالتزام أخلاقيا قبل أن يكون قلقا من ردة فعل الآخرين.

إنشرها