FINANCIAL TIMES

كورونا .. لماذا تأذت إسبانيا أكثر من بقية أوروبا؟

كورونا .. لماذا تأذت إسبانيا أكثر من بقية أوروبا؟

عاملتان في الحقل الطبي تواسيان بعضهما عقب وفاة أحد زملائهما نتيجة لإصابته بكوفيد 19

مع ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في معظم أنحاء أوروبا، تبرز دولة واحدة. أصبحت إسبانيا هذا الأسبوع أول دولة في الاتحاد الأوروبي تسجل أكثر من نصف مليون حالة منذ بداية تفشي المرض.
خلال 14 يوما سجلت 260 إصابة بفيروس كورونا لكل 100 ألف من السكان - ضعف المستوى في فرنسا، الدولة التالية الأكثر تضررا في القارة.
ما يقارب 10 في المائة من الإسبان الذين تم اختبارهم لفيروس كورونا أظهروا نتائج إيجابية - أعلى بكثير من المستويات في فرنسا وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة.
السؤال الكبير هو لماذا اختلت الأمور إلى هذا الحد؟
تبلغ إسبانيا مرة أخرى عن ما يصل إلى عشرة آلاف حالة جديدة يوميا - مثلما كانت في ذروة الوباء في آذار (مارس) ونيسان (أبريل). لكن المسؤولين الإسبان يصرون على أن الأرقام غير قابلة للمقارنة. يجادلون بأنه في آذار (مارس) تم اكتشاف حالة واحدة فقط من بين كل عشر حالات، ما يعني أن الإحصائيات اليومية لم تظهر سوى جزء صغير من الصورة الحقيقية. الآن، كما يقولون، قد يكون معدل الكشف بين 70 و 90 في المائة.
قالت ماريا خيسوس مونتيرو، الوزيرة والمتحدثة باسم الحكومة، هذا الأسبوع: "كيفية تطور الوباء الآن لا علاقة لها بكيفية تطوره في آذار (مارس)"، مشيرة إلى أن نحو نصف الحالات الحالية هي من دون أعراض وأن حالات دخول المستشفى والوفيات أقل كثيرا من مستوياتها في آذار (مارس) ونيسان (أبريل).
وتؤكد الحكومة أن إسبانيا ليست وحدها التي تعاني ما يسمى الموجة الثانية. لكن إذا كانت جزءا من ظاهرة أوروبية أوسع، فإنها تشهد ارتفاعا في الحالات التي تفوق تلك التي شوهدت في دول أخرى.
الحكومات الديمقراطية مترددة بشكل عام في لوم المواطنين على مشكلاتها. مع ذلك، صعد قادة إسبانيا انتقاداتهم للشباب لنشرهم الفيروس من خلال الحفلات واللقاءات الاجتماعية. في إسبانيا، كما هي الحال في معظم أنحاء العالم، انخفض متوسط عمر الأشخاص المصابين بفيروس كورونا: في نهاية آذار (مارس) كان 59 عاما. اليوم 38.
في محاولاتها لتنبيه الشباب إلى مخاطر الإصابة، توجهت وزارة الصحة إلى تيك توك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى هذا الأسبوع لتحذر الناس من التجمعات.
مع ذلك، أكثر أماكن الإصابة شيوعا حتى الآن هي المنازل التي تمثل نصف جميع الحالات التي تعرف أسبابها. وفي حين أن ارتداء الكمامات في الخارج أصبح إلزاميا في الدولة، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان الناس يدركون تماما خطر الإصابة في المنزل.
إسبانيا - مثلها مثل كثير من بقية أوروبا - تواجه الآن مشكلة أخرى. جاء ارتفاع الإصابات في حين تم إفراغ كثير من مدن البلاد إلى حد كبير لقضاء العطلات. يمكن أن تؤدي العودة إلى العمل والمدرسة إلى رفع معدلات الإصابة أكثر.
في آذار (مارس) فرضت الحكومة المركزية الإسبانية إغلاقا صارما، باستخدام سلطات الطوارئ، وخفضت عدد الحالات ودخول المستشفيات. لكن الإغلاق أصبح مثيرا للجدل بشكل متزايد وانتهت صلاحيات الطوارئ في 21 حزيران (يونيو). في غضون أسبوعين تقريبا، ظهرت زيادة في عدد الحالات.
المشكلة هي أن الأزمة تعقدت بشكل هائل بسبب الاستقطاب السياسي في إسبانيا وأنموذج الحكم اللامركزي.
يصر بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء، على أن التعامل مع الوباء هو الآن مسؤولية مناطق البلاد، التي تزيد ميزانيتها الصحية الجماعية على عشرة أضعاف ميزانية إدارته. ترد المناطق بأن على الحكومة المركزية توفير مزيد من القيادة.
النتيجة هي رفع الضوابط بسرعة في حزيران (يونيو) – والتخلي عن رفعها تدريجيا.
يحدد بعض علماء الأوبئة هذا باعتباره الخطأ الأساسي في التعامل مع الأزمة. تمكنت المناطق من إلغاء إجراءات الإغلاق دون إظهار أنها تزيد من تتبع أو تعقب الموظفين، أو تستعد بشكل أكثر ملاءمة لزيادة جديدة في الحالات.
قال البروفيسور ميكيل بورتا، من المعهد البلدي للأبحاث الطبية في برشلونة والرئيس السابق لجمعية علم الأوبئة الإسبانية: "لم يفعل الناس ما قالوا إنهم سيفعلونه".
لا يوجد رقم إجمالي لعدد الأشخاص الذين يعملون على التتبع والتعقب في إسبانيا. لكن في مدريد، حيث تم تشخيص أكثر من 35 ألف حالة خلال الأسبوعين الماضيين، لا يوجد سوى 800 متتبع متخصص. بالنسبة للدولة ككل، تم تحديد ثلاث جهات اتصال فقط لكل حالة إصابة بفيروس كورونا. وفي 38 في المائة من الحالات لا يزال سبب العدوى غير معروف.
قال خوسيه رامون أريباس، رئيس وحدة الأمراض المعدية في مستشفى لاباز في مدريد: "الشيء المهم هو ما تفعله بعد اختبار الأشخاص: عزل الشخص الذي ثبتت إصابته بالفيروس والتعرف على مخالطيه وحجرهم. لكننا لم نكن من بين القادة في أي من الأنشطة التي ثبت أنها فعالة".
تظل إعادة فرض الضوابط غير مكتملة. استجابت بعض المناطق للزيادة في الحالات من خلال إدخال خطوات مثل الطلب من الحانات أن تقفل أبوابها بحلول الواحدة صباحا. بريطانيا، حيث عادت الحالات إلى نحو ألفي حالة يوميا، تحظر معظم التجمعات لأكثر من ستة أشخاص. تجاوزت إسبانيا ألفي حالة يوميا في منتصف تموز (يوليو)، لكن مدريد ـ الجزء الأكثر تضررا من البلاد ـ أصدرت للتو حظرا على التجمع لأكثر من عشرة أشخاص.
عند السعي لتفسير سبب إصابة فيروس كورونا إسبانيا بشدة، غالبا ما يؤكد المسؤولون على ثقافة الاختلاط الاجتماعي الملموسة في البلاد. شدد سانشيز أيضا على أن أفقر الناس هم أكثرهم تعرضا للمخاطر: في منطقة واحدة من الطبقة العاملة في مدريد، وصلت نسبة الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم إلى نحو ألف شخص لكل 100 ألف شخص خلال الـ14 يوما الماضية.
لا يقتصر الأمر على أن الأشخاص الأكثر حرمانا في إسبانيا غالبا ما يتكدسون معا في شقق صغيرة، بل إن الدولة ككل أكثر كثافة سكانية مما يتصور في كثير من الأحيان، حيث يتركز جميع سكانها تقريبا في نحو 13 في المائة من كتلة أراضيها.
في الوقت الحالي أدى نحو 5 في المائة فقط من الحالات على الصعيد الوطني إلى العلاج في المستشفى، و0.4 في المائة أدت إلى الوفاة. لكن الضغط يتزايد. في مدريد، مرضى كوفيد يشغلون 17 في المائة من جميع أسرة المستشفيات. ومع تزايد المخاوف من أن الشباب سينقلون العدوى إلى كبار السن، ترتفع معدلات الإصابة في جميع الفئات العمرية. إجمالي عدد الوفيات في إسبانيا، البالغ 246 وفاة خلال الأسبوع الماضي، يقارن بـ65 حالة وفاة قبل شهر وعشر وفيات فقط في الأسبوع المنتهي في التاسع من تموز (يوليو).
يقول علماء الأوبئة إن البيانات لا تزال ناقصة على نحو يحول دون تقديم إجابة بسيطة عن سبب معاناة إسبانيا من معدلات فيروس كورونا أعلى من أي مكان آخر في أوروبا. لكن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت البلاد ستظل حالة متطرفة أم ستكون نذيرا لما ينتظر بقية القارة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES