FINANCIAL TIMES

بريكست يعيد الحياة للمشروع الأوروبي

بريكست يعيد الحياة للمشروع الأوروبي

كانت موسكو ترغب بشدة في التصويت على بريكست في 2016. كانت فكرة فلاديمير بوتين هي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من شأنه إضعاف التحالف الغربي.
لكن يبدو الآن كما لو أن الرئيس الروسي فهم الموضوع بشكل خاطئ. فبدلا من إضعاف الغرب، قد ينتهي بريكست بتعزيزه. من دون بريطانيا في عضويته، يتقدم الاتحاد الأوروبي مرة أخرى نحو "اتحاد أوثق من أي وقت مضى". والاتحاد الأوروبي الأقوى سيكون شريكا أكثر فعالية لأمريكا ما بعد دونالد ترمب.
على المدى الطويل، العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يمكن أن تستقر لتصبح شيئا مماثلا للعلاقة بين الولايات المتحدة وكندا. الكنديون/البريطانيون لا يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة ولا إلى الاتحاد الأوروبي. وهم يقبلون بأن عدم التماثل في القوة مع جار أكبر بكثير هو نتيجة الحفاظ على استقلالهم السياسي. لكن لا يزال بإمكان كلا الجانبين في هذه الشراكات غير المتوازنة الاستفادة من التكامل الاقتصادي العميق والتعاون الاستراتيجي القائم على المصالح والقيم والجغرافيا المشتركة.
لفهم كيف يمكن أن تتطور الأمور، تحتاج إلى فهم أهمية أحدث اجتماع للمجلس الأوروبي في تموز (يوليو). بعد واحدة من أطول القمم التي شاركوا فيها، وافق قادة الاتحاد الأوروبي على الاقتراض بشكل جماعي من الأسواق المالية.
في البداية، سيتم استخدام مئات ملايين اليوروات التي جمعت للتخفيف من تأثير فيروس كورونا. لكن الاتحاد الأوروبي يدرك أنه يستطيع اقتراض مبالغ كبيرة من المال من الأسواق بأسعار فائدة منخفضة جدا. في المستقبل هذه القوة المالية يمكن أن تمول المشاريع الجديدة الطموحة، مثل الدفاع الجماعي. تطوير سوق كبيرة لديون الاتحاد الأوروبي سيفي بمطالب المستثمرين للحصول على أصول آمنة جديدة وتوسيع الدور الدولي لليورو، ما يعزز القوة السياسية في الاتحاد الأوروبي.
هذا التقدم التاريخي لهدف الاتحاد الأوروبي القديم المتمثل في "اتحاد يزداد تقاربا باستمرار" ما كان ليحدث لو كانت المملكة المتحدة لا تزال عضوا في النادي. "الدول الأربع التي تقتصد في النفقات" ـ هولندا والنمسا والسويد والدنمارك ـ حاربت بشدة ضد الاتفاقية. مع استمرار وجود المملكة المتحدة، كان بإمكانها الاعتماد على حق النقض البريطاني. لكن في الاتحاد الأوروبي ما بعد بريكست، يصبح من الصعب مرة أخرى إيقاف التركيبة الفرنسية - الألمانية. بالتالي، قد يكون إصدار السندات المشترك هو أول سلسلة من الخطوات نحو اتحاد سياسي أوثق. فرض ضرائب مشتركة لدعم السندات الجديدة هو الخطوة التالية الواضحة.
مشاهدة هذا التطور تضطرني إلى قبول أن المجموعتين اللتين كنت انتقدهما بشدة - الفيدراليين الأوروبيين ومؤيدي بريكست - كانت لديهما وجهة نظر. كان الفيدراليون محقين في أن بريطانيا كانت تعيق تقدم المشروع الأوروبي. وكان مؤيدو بريكست محقين في أن المملكة المتحدة من غير المحتمل أن تكون مرتاحة في الاتحاد الأوروبي الأكثر تكاملا الذي ينشأ.
بالطبع، يمكن أن تجري الأمور بشكل خاطئ. يمكن عرقلة التقدم من البرلمانات الوطنية. قد تكون هناك أزمة اقتصادية متجددة في جنوب أوروبا. لكن يبدو من الأرجح أن المشروع الأوروبي، بعد توقف دام 20 عاما، يستعيد قوة الدفع.
في الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة بشكل متزايد على التنافس مع الصين، ستدرك الإدارة الذكية فوائد تعزيز الاتحاد الأوروبي. الرئيس ترمب، الذي يعد الاتحاد الأوروبي منافسا خطيرا، سيرى الأمور بتلك الطريقة. لكن إذا أصبح جو بايدن رئيسا، فإن إدارته ستؤكد إعادة بناء تحالفات أمريكا.
يعرف معسكر بايدن أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على دعم النظام العالمي بمفردها. التحالف الغربي الأكثر توازنا، مع تعزيز الاتحاد الأوروبي بوصفه ركيزة ثانية له، يبدو كأنه بديل جذاب لكونه "القوة العظمى الوحيدة" - خاصة إذا استخدم الأوروبيون بعضا من قوتهم المالية الجديدة لبناء قدراتهم الدفاعية، والاستجابة لمخاوف الولايات المتحدة القديمة بشأن "مشاركة العبء".
قبل جيل مضى، ربما خشيت الولايات المتحدة لسبب وجيه أن الاتحاد الأوروبي الأكثر تكاملا سيعد أن واشنطن هي منافسه العالمي الرئيس. لكن هذا النوع من التفكير الأوروبي ينتمي إلى عصر مضى من أحادية القطب الأمريكية. بالنظر إلى عالم اليوم، يفهم صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد أن التهديدات طويلة الأجل للمصالح الأوروبية الجماعية تأتي من الصين وروسيا ومن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا. الرئاسة الأمريكية الموثوقة، التي قد تكون على بعد بضعة أشهر فقط، ستكون شريكا لا غنى عنه في معالجة تلك التحديات.
أين موقع بريطانيا في كل هذا؟ هذا أيضا يصبح أكثر وضوحا. لا يزال الجزء الأصعب من محادثات ما بعد بريكست في انتظارنا، نتيجة "لا صفقة" ممكنة. حتى الصفقة يمكن أن تترك خلافات طويلة حول قضايا مثل الأسماك والتمويل.
لكن العلاقة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ستستقر في نهاية المطاف. حتى أنصار بريكست سيدركون أن الاتحاد الأوروبي ليس، في الواقع، التهديد الرئيس للمصالح والحريات البريطانية. على العكس، ألمانيا وفرنسا والديمقراطيات الأوروبية الأخرى شركاء لا غنى عنهم في التعامل مع التهديدات خارج أوروبا - على وجه الخصوص، السلطات الاستبدادية والدول الهشة.
من جانبه، لا يحتاج الاتحاد الأوروبي الأقوى والأكثر ثقة إلى الخوف من أن بريكست هو الخطوة الأولى نحو تدمير المشروع الأوروبي. بالتالي يمكن أن يكون أقل دفاعية وأكثر إبداعا في بناء علاقة جديدة مع المملكة المتحدة.
على المدى الطويل، ينبغي أن تتطلع بريطانيا إلى إقامة "علاقة خاصة" جديدة مع بروكسل لتكملة "علاقتها الخاصة" القائمة مع واشنطن. ستعيد هاتان الشراكتان الرئيستان المملكة المتحدة إلى مركز التحالف الغربي حين يتم إحياؤه.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES