FINANCIAL TIMES

إيران .. نخبة فاسدة وطبقات مسحوقة

إيران .. نخبة فاسدة وطبقات مسحوقة

منطقة باستي هيلز الفخمة، القريبة من طهران، أصبحت رمزا للمحسوبية والفساد المتفشيين داخل النظام الإيراني.

مجتمع باستي هيلز الثري المغلق لطالما كان يلهم التكهنات وأثار حسد الإيرانيين واستياءهم.
باعتبار اسمه تكريما لبيفرلي هيلز في كاليفورنيا، فإن القصور الفخمة في المشروع - مع برك السباحة والجاكوزي والمناظر المذهلة على الجبال المحيطة - هي موطن بعض الشخصيات الأكثر ثراء والأفضل اتصالا في المجتمع الإيراني.
لكن محاكمة مسؤول قضائي كبير سابق بتهمة غسل أموال ورشا أعادت إثارة التدقيق العام على السكان الأغنياء في باستي هيلز. في الوقت الذي يعاني فيه معظم الإيرانيين صعوبات اقتصادية متزايدة، المشروع الذي يبعد مسافة قصيرة بالسيارة عن العاصمة طهران أصبح رمزا في وسائل الإعلام المحلية للمحسوبية والفساد المتفشيين داخل النظام الإيراني.
قال سامانا، البالغ من العمر 35 عاما، وهو محاسب راتبه الشهري نحو 120 دولارا بسبب ضعف العملة: "أعتقد أن سكان تلك القصور لا بد أن يكونوا أبناء السياسيين. هذا مخجل! هذا ما يحدث لجميع الثورات، خاصة إذا حدثت في بلد في الشرق الأوسط مثل إيران".
محاكمة أكبر طبري، نائب رئيس السلطة القضائية السابق للشؤون التنفيذية، وضعت باستي هيلز في دائرة ضوء وسائل الإعلام الإيرانية بسبب تقارير إخبارية تفيد بأن التهم تتعلق بممتلكات في مقاطعة لافاسان، حيث يقع المجمع.
اتهم طبري بإنشاء "شبكة" للتأثير في القضايا الجنائية، وتزوير الوثائق، وغسل الأموال مقابل رشا وفلل يتم بيعها له بأسعار رخيصة جدا. وقيل إن من بين عملائه رجال أعمال أثرياء وشخصيات واصلة سياسيا.
نفى طبري ارتكاب أي مخالفات. ولم تتمكن "فاينانشيال تايمز" من الوصول إلى محاميه لأنه لم يتم الكشف عن هويته. لكن مقاطع تظهر طبري يخاطب المحكمة انتشرت بقوة.
قال في افتتاح محاكمته الشهر الماضي: "إذا طلبت الحصول على كل لافاسان (...) فستكون لي. هذا بفضل الصداقة". وذهب أبعد من ذلك بإخبار القاضي أنه "إذا لم يكن لديك مثل هؤلاء الأصدقاء، فهذا ليس من شأني".
المحلل الإصلاحي، عباس عبدي، قال لوسائل الإعلام الإيرانية إن طبري سكن في بيئة "اعتقد أنه كان يتصرف فيها بشكل طبيعي". أضاف: "أسوأ أنواع الفساد (...) هي عندما يكون المدعى عليه فخورا بجريمته".
يزعم أن شبكة طبري من العملاء تضمنت قطب فولاذ، نجل مسؤول استخبارات سابق، وتاجر بتروكيماويات، وغلام رضا منصوري، وهو قاض سابق في لافاسان. كان من المقرر ترحيل منصوري، الذي كان مطلوبا في إيران بتهمة الفساد، من رومانيا هذا الصيف لكنه مات بشكل غامض بعد سقوطه من غرفته في فندق في بوخارست.
قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت أراضي منطقة باستي - التي تمتد على مساحة تزيد على 130 ألف متر مربع - مملوكة لعائلة فرمانفارمايان، أفراد من سلالة قاجار.
سجن إسكندر فيروز، آخر أمير قاجاري يمتلك العقار، بعد الثورة واستولى نظام الملالي على أرضه من أجل "الفقراء" قبل أن تباع لاحقا للقطاع الخاص.
خلال الأعوام الـ15 الماضية، بنيت عشرات الفلل الجديدة، وكانت كبيرة جدا حيث إن وكلاء العقارات قدروا قيمتها بما يصل إلى سبعة تريليونات ريال، نحو 30 مليون دولار، بناء على سعر الصرف غير الرسمي. وتم تداول فيديوهات المنازل الفاخرة وبرك السباحة داخل مشروع باستي هيلز أيضا على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية.
قال أحد وكلاء العقارات بالقرب من باستي هيلز: "نسمع فقط أن المالكين هم رجال أعمال كبار مهمون مرتبطون بالنظام السياسي، لكننا لا نعرف من هم. حتى إنهم لا يتداولون تلك الفلل من خلال وكلاء محليين، بل يشترونها ويبيعونها بين أشخاص ذوي علاقات عالية".
قال أحد المطلعين على النظام إن هناك "مبالغة كبيرة جدا" حول من يمتلك الفلل. "ربما 20 في المائة من الفلل الكبيرة في لافاسان تنتمي إلى أسماء كبيرة. ماذا عن الأخرى؟ إنها تنتمي إلى أشخاص عاديين لكن لا أحد يتحدث عنهم".
في كلتا الحالتين، أنماط حياة السكان الفخمة تتعارض بشكل صارخ مع أنماط حياة معظم الإيرانيين في الوقت الذي دخل فيه الاقتصاد ركودا عميقا بسبب العقوبات الأمريكية الباعثة على الشلل، وهو وضع تفاقم بسبب المذبحة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.
قال سعيد مختار، عالم اجتماع: "هذه الفجوة في المجتمع يمكن أن تؤدي إلى السلب والنهب والعنف وانعدام الأمن. البلد الذي يرتفع فيه معدل الفقر والفساد سيكون له بالتأكيد مستقبل مقلق".
أطلق القضاء الإيراني حملة لمكافحة الفساد العام الماضي ويجري أحيانا محاكمات لبعض الشخصيات البارزة في محاولة لتخفيف الغضب العام. تم اعتقال عشرات الأشخاص، بمن فيهم أبناء قادة عسكريين كبار ومسؤولين في الدولة.
لكن النظام الذي تأسس على وعود "العدالة الاجتماعية"، لا يزال يكافح لإقناع الإيرانيين بأنه يظل مخلصا لمثل الثورة.
قالت نسيم، ربة منزل في طهران: "مقاطع الفيديو لباستي هيلز تجعلني أشعر بالبؤس. هل قام أصحابها بأي شيء ليستحقوا ذلك المال؟ الله أعلم ما هو عدد مناطق باستي هيلز الموجودة في إيران. أراهن أن هناك الكثير".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES