FINANCIAL TIMES

أشباح الكونفيدرالية تلاحق أمريكا

أشباح الكونفيدرالية تلاحق أمريكا

ولايات الرق الأمريكية السابقة تشبه من حين إلى آخر أحد أفلام الرعب التي يستمر فيها الوحش في العودة إلى الحياة. كانت هناك تسلسلات لا نهاية لها لفيلم "الكابوس" Nightmare في شارع ديكسي. مع ذلك، لا شيء منها غير معقول تماما مثل فيلم دونالد ترمب.
بعد أكثر من قرن ونصف القرن على هزيمة الجنوب، يدافع الرئيس عن الكونفيدراليات المهزومة. قال ترمب الأسبوع الماضي إن أولئك الذين يرغبون في هدم تماثيلهم "يكرهون تاريخنا، ويكرهون قيمنا، ويكرهون كل شيء نقدره باعتبارنا أمريكيين".
منذ وودرو ويلسون ما من رئيس أمريكي أشاد بعدو أمريكا المهزوم. وحقيقة أن ترمب يمكنه فعل ذلك بجرأة هو مقياس للعمل غير المكتمل في الحرب الأهلية الأمريكية.
تنتهي معظم الحروب الأهلية إما بتوافق وطني جديد بعد مرور الوقت، وإما بانفصال تام. أحد الأمثلة على الأمر الأول هو الحرب الأهلية الإنجليزية في أربعينيات القرن السادس عشر، التي أنهت الحكم الملكي لكنها أعادت الملكية في وقت لاحق باعتبارها رمزا. ومثال على الأمر الثاني الحرب الأهلية الباكستانية في 1971 التي ترتب عليها إنشاء دولة جديدة هي باكستان الشرقية التي أصبحت بنجلادش فيما بعد.
نتيجة الانقسام الدموي الأمريكي لم تشبه أيا منهما. ولايات الرق حاولت الانفصال وفشلت. هزيمتها تركت أمريكا أمام مهمة ترسيخ الجنوب في الاتحاد. لسوء الحظ، أعاقت السياسة والمحاكم هذه العملية. ولا تزال تفعل ذلك في غالب الأمر.
أحد الكتاب السود كتب في القرن العشرين: "ربما كان قانون الرقيق في الجنوب قد مات. لكنه يحكمنا من القبر". اختناق جورج فلويد على يد الشرطة الشهر الماضي هو إحدى تلك اللحظات النادرة التي تستيقظ فيها أمريكا البيضاء على مدى التغير الذي لا يذكر.
ردة الفعل على اختناق فلويد هي في مستوى الأحداث البارزة نفسها في قصة الظلم والبغي العنصري الأمريكي: اغتيال إيميت تل البالغ من العمر 14 عاما المروع في 1955 في مسيسيبي، ومقاطعة الناشطة روزا باركس للحافلات التي تفصل الركاب حسب العرق في ألاباما بعد بضعة أشهر من اغتيال تل، واغتيال ثلاثة نشطاء في 1964 - جيمس تشاني وأندرو جودمان ومايكل شويرنر - على يد جماعة كو كلوكس كلان.
كان كل منها حدثا حاسما ساعد على تمهيد الطريق لثورة الحقوق المدنية. لكن كل غضب - مثل مقتل فلويد - كان شبه روتيني.
كان هناك أشخاص مثل جورج فلويد قبل جورج فلويد، تماما مثلما كان هناك أشخاص مثل روزا باركس قبل روزا باركس. كان موت فلويد نقطة تحول، مثل العصيان المدني الذي انتهجته الناشطة باركس. كان العصيان المدني في 1950 نتاجا جزئيا لإحباط الجنود السود العائدين من انتصار الحرب العالمية الثانية وانعدام أي معنى للحياة تحت قانون جيم كرو في الجنوب.
جاء مقتل فلويد وسط إحباط أنصار حركة "حياة السود مهمة" التي بدأت خلال رئاسة باراك أوباما لكنها كانت تتراجع إلى الوراء في عهد دونالد ترمب.
كل لحظة من تلك اللحظات أيقظت العالم على عمق المشكلة الأساسية، على الرغم من أن ترمب لن يقر بوجود أي مشكلة. في الشهر الماضي كان هناك عدد لا يحصى من احتجاجات "حياة السود مهمة" امتدت من أستراليا إلى أنتويرب. وكانت هناك مسيرات متعددة الأعراق في أنحاء أمريكا من ولاية مين إلى هاواي، بما في ذلك في مدن البيض الصغيرة.
كارول أندرسون، مؤلفة كتاب صدر قبل أربعة أعوام وأعيد إلى قائمة صحيفة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعا، قالت: "لا يوجد شيء منذ اغتيال مارتن لوثر كينج (في 1968) مماثل لهذا".
فيما يعد صدى لريتشارد نيكسون في 1968، ينظم ترمب حملة على منصة القانون والنظام. لكن الظروف مختلفة اليوم. على عكس نيكسون، ترمب في المنصب بالفعل. المسؤولية تقع على البيت الأبيض، على الرغم من أنه لا يزال مسيجا ضد معظم المتظاهرين السلميين الذين وصفهم ترمب بـ"القتلة" و"الإرهابيين المحليين" و"العصابات". رفض هذا الشهر دعوات لإعادة تسمية القواعد العسكرية التي تحيي ذكرى أعداء الحرب الأهلية، مثل فورت هود، وفورت براج، وفورت بينينج. جميع القواعد العشر المستهدفة بإعادة التسمية موجودة في ولايات سابقة مالكة للرقيق.
رفض ترمب لاقتراح تدعمه شخصيات عسكرية أمريكية يجعل حتى المتفائلين يتوقفون برهة للتفكير. حقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال تكرم الرجال الذين قاتلوا ضد علم أمريكا في حرب قتلت أمريكيين أكثر من الحربين العالميتين مجتمعتين، هي تذكرة بما هو على المحك.
مع ذلك، الأمر ليس سيئا بالكلية. من خلال جعل المخاطر صريحة للغاية، يقدم ترمب لأمريكا عن غير قصد، فرصة تأتي مرة واحدة في كل جيل، لإنهاء قصر نظرها بشأن الكونفيدرالية. قالت أندرسون: "لقد حررنا ألمانيا من النازية. ولم نحرر الجنوب أبدا من الكونفيدرالية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES