FINANCIAL TIMES

ألمانيا تحمي "آنيتها الفضية" من قبضة الاستثمار الأجنبي

ألمانيا تحمي "آنيتها الفضية" من  قبضة الاستثمار الأجنبي

بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد الألماني. "رويترز"

ألمانيا لا تبيع آنيتها الفضية. كانت هذه هي العبارة التي كررها وزير الاقتصاد، بيتر ألتماير، الأسبوع الماضي حينما أعلن أن برلين ستستثمر أكثر من 300 مليون يورو في شركة صغيرة للتكنولوجيا الحيوية لم تنتج شيئا يمكن تسويقه، لكنها على وشك الشروع في التجارب السريرية للقاح خاص بكوفيد - 19.
تصدرت "كيور فاك" CureVac التي أسسها خريجو جامعة توبنجن قبل نحو 20 عاما، العناوين الرئيسة في الصحف الدولية أول مرة في آذار (مارس) عندما ورد ذكرها في تقارير تفيد بأن الحكومة الأمريكية سعت إلى شراء حصة فيها، في محاولة لتأمين الإمدادات من لقاح محتمل.
بالانتقال سريعا إلى حزيران (يونيو)، نجد أن إدارة أنجيلا ميركل استعرضت عضلاتها ردا على ذلك، وحصلت على 23 في المائة في الشركة المملوكة للقطاع الخاص - في اليوم نفسه الذي اتضح فيه أن "كيور فاك" كانت تخطط لاكتتاب عام أولي في بورصة نيويورك.
يبدو أن ألمانيا تعمل بشكل كبير على حماية أبطالها الوطنيين المحتملين من قبضة واشنطن، وليس فقط بكين. لكن حتى داخل حدود البلاد كان هناك قلق بشأن القرار.
أكيم وامباك، رئيس معهد الاقتصاد "زيو" ZEW ورئيس لجنة الاحتكارات الألمانية، قال: "هذه الشركة لديها الآن ميزة. لديها دعم حكومي، ولديها أوضاع مالية أفضل".
واحد من أكبر الألغاز بالنسبة للمراقبين كان المبرر الذي قدمته وزارة ألتماير لاختيار "كيور فاك"، وليس إحدى منافساتها. بحسب ما قالت الوزارة لـ"فاينانشيال تايمز" "ألمانيا بحاجة إلى الشركات (...) التي تعمل لضمان استخدام نتائج البحث التي توصلت إليها في ألمانيا في المنتجات المبتكرة في مجالات الرعاية الصحية المركزية هذه".
لكن على الأقل لم يكن منتجها الأكثر طلبا في خطر مباشر من مغادرة الشواطئ الألمانية، وفقا لديتمار هوب – الذي يملك الحصة الأكبر في "كيور فاك" والمؤسس المشارك لـSAP. في آذار (مارس) شدد الملياردير الذي يملك 80 في المائة من الشركة، على التزامه بإنشاء "بنية تحتية مبتكرة مستدامة" في البلاد.
إضافة إلى ذلك، "كيور فاك" هي واحدة من شركتين ألمانيتين يعتقد أنهما في طليعة تطوير لقاح لكوفيد - 19 يستخدم الحمض النووي الريبي RNA، الأمر الذي يمكن أن يقودنا إلى منتج قابل للاستخدام في وقت قريب بدلا من الطرق التقليدية.
بدأت شركة "بايو إن تيك" BioNTech، التي يوجد مقرها في ماينز، وهي شركة مدرجة بالفعل، اختبار لقاحها التجريبي على البشر في نيسان (أبريل). هذه الشركة بحاجة أيضا إلى جمع أموال لدفع تكاليف الإنتاج الضخم، لكنها لم تجذب بعد استثمارات من برلين أو السلطات الأوروبية.
قال أحد ممثلي شركة استثمار أمريكية كبيرة في ألمانيا: "أعتقد أن هذا كله مدفوع بالعناوين الرئيسة للصحف. إذا كان هوب قد خرج وطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، لكان العنوان التالي هو أن مخصصات الاكتتاب العام كانت، أيا كانت، 90 في المائة للمستثمرين غير الألمان".
خوف برلين من التغطية الصحافية السلبية يمكن تفهمه من بعض النواحي. أدى استحواذ شركة ميديا الصينية في 2016 على "كيوكا"، عملاق الروبوتات الصناعية، إلى احتجاج صارخ وتعهدات من السياسيين بأنهم سيمنعون تكرار ذلك. لكن المستثمرين يشعرون بقلق متزايد من أن تطوق برلين أجزاء واسعة من أكبر اقتصاد في أوروبا.
قال هورست هنشن، مستشار في مكافحة الاحتكار العالمي وخبير في الاستثمار الأجنبي المباشر في شركة كوفينجتون للمحاماة: "كانت كيوكا هي الدافع، لكن هذا يعد تحولا في السياسة العامة".
أضاف: "قبل عشرة أعوام كانت ألمانيا، وهي دولة مصدرة، تهتم كثيرا بالعولمة ولم يفكر أحد في إدخال عقبات. التحول خطير وكوفيد - 19 سرع من وتيرة ذلك".
بعد أيام قليلة من إعلان "كيور فاك" جاء تحديث أثار مزيدا من المخاوف بشأن الحمائية، عندما أقر البرلمان تحديثا لقانون التجارة الخارجية الألماني.
على الرغم من وجود قيود منذ فترة طويلة على الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية الحيوية بما في ذلك الطاقة والاتصالات، إلا أن مشروع القانون الذي يبدو أنه سيصبح قانونا في وقت لاحق هذا العام، يوسع نطاق المعاملات التي تتطلب موافقة من الدولة لتشمل التكنولوجيا "بالغة الأهمية"، بما فيها الروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية.
سيتعين على المستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي، الذين يتطلعون إلى شراء 10 في المائة أو أكثر من شركة ألمانية من أي حجم ضمن تلك الفئة، الانتظار شهرين لمعرفة ما إذا كانوا سيحصلون على تصريح لفعل ذلك.
قال أحد مستشاري بعض أكبر المستثمرين في العالم: "زبائني غير راضين عن ذلك". أولريتش أكرمان، رئيس قسم التجارة الخارجية في "في دي إم آي"، التي تمثل قطاع الهندسة الميكانيكية في ألمانيا، قال: "خوفنا هو أن ينتهي بنا المطاف إلى إدراج جزء كبير من قطاع الآليات في قائمة التكنولوجيا بالغة الأهمية".
أضاف أن الأمر الذي يثير قلق "في دي إم آي" أنه إضافة إلى قطع تدفق رأس المال الأجنبي إلى ألمانيا، ستكون هناك تدابير انتقامية من دول أخرى.
آخرون قالوا إن تحديث قانون التجارة الخارجية سيترتب عليه أثر غيرمقصود يتمثل في إقناع مزيد من الشركات، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الحيوية، بتأسيس مرافقها البحثية خارج ألمانيا.
عندما تكون بحاجة إلى المال للنمو، غالبا ما تجذب "الآنية الفضية" الألمانية، خاصة في علوم الحياة وقطاعات التكنولوجيا، مزيدا من الاهتمام من الولايات المتحدة وآسيا.
وبحسب تعبير ممثل صندوق أمريكي كبير: "لا يوجد اسم واحد يتبادر إلى الذهن في ألمانيا" عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الاستثمارية المتطورة.
حتى هوب الذي يبجله السياسيون لدعمه SAP إلى أن أصبحت الشركة الأكثر قيمة في البلاد، لم يستطع مقاومة انتقاد إدارة ميركل على ما يعده بيئة غير مضيافة لإنشاء شركات مبتكرة.
قال في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: "تم إهمال تمويل هذا البحث في ألمانيا". لا شك أن صناع السياسة خارج الاتحاد الأوروبي يدونون الملاحظات.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES