عقارات- عالمية

العقارات البريطانية تقاوم الانكماش .. رهان على الفائدة المنخفضة ونقص المعروض

العقارات البريطانية تقاوم الانكماش .. رهان على الفائدة المنخفضة ونقص المعروض

في الوقت الذي يكتنف فيه الغموض مستقبل علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، وضرب عمق الاقتصادات العالمية من جراء تداعيات الجائحة، تشهد سوق العقار في المملكة المتحدة، كغيرها من القطاعات تأثرا كبيرا، بسبب سياسات الإغلاق التي حكمت جزئيا المشهد الاقتصادي البريطاني، إضافة إلى الأداء الاقتصادي السيئ وتحذيرات بنك إنجلترا من أن البلاد تتجه نحو أسوأ انكماش لها منذ أكثر من 300 عام.
وأخيرا، أعيد فتح سوق العقارات في إنجلترا، بعد رفع الحكومة الإغلاق الذي امتد لسبعة أسابيع، وطال ضمن ما طال عروض العقارات والتحركات المتعلقة بالانتقال إلى منزل جديد.
وفي الواقع فإن القطاع العقاري البريطاني تم تجميده في أواخر آذار (مارس) الماضي، بعد أن دخلت البلاد في شبه إغلاق بالكامل، حيث تم تعليق بيع 373 ألف منزل. ورغم أنه لا يزال محظورا حتى الآن عرض المنازل للبيع في مقاطعة ويلز وإيرلندا الشمالية، فإن اسكتلندا ستفتح قطاعها العقاري مجددا غدا.
لكن السوق بصفة عامة تراهن على أسعار الفائدة المنخفضة ونقص المعروض، ما يجعل انهيار الأسواق مستبعدا.
وبدت مقدمات المشهد العقاري إيجابية في العاصمة البريطانية لندن في أوائل آذار (مارس) الماضي، واستمرت حتى 23 من الشهر، عندما بدأت الحكومة في تطبيق سياسات الإغلاق، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بأسرع معدل لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
وبلغ متوسط سعر العقار في لندن نحو 486 ألف جنيه استرليني، لتقترب بذلك من أعلى متوسط سعري بلغته من قبل وهو 488 ألف جنيه استرليني الذي تحقق في تموز (يوليو) 2017، إلا أن قرار الحكومة في نهاية الشهر تقريبا بتبني سياسة شبه الإغلاق الكامل لسوق العقارات، غير المشهد، حيث تباطأت المعاملات العقارية في بريطانيا عامة وفي لندن إلى مستوى ضئيل خلال نيسان (أبريل) وأيار (مايو).
لكن تبدو أغلب التقديرات الراهنة إيجابية تجاه الأسعار مستقبلا، فالتوقعات ترجح حدوث انخفاضات ملحوظة في الأشهر القليلة المقبلة، فمعدلات البطالة مرتفعة، وخفض الأجور واقع لا محالة، والفشل الذي أصاب عديدا من الأنشطة الاقتصادية ظاهر للعيان، وعدم اليقين الاقتصادي وما يصاحبه من عدم يقين وظيفي يهيمن على الأسواق، المؤكد في مثل تلك الأوضاع والظروف أن يكون الجميع حذرا بشأن القيام بأكبر استثمار في حياتهم والمتمثل في شراء منزل.
المملكة المتحدة لم تختلف في أساليب دعمها للاقتصاد الوطني عما لجأ إليه كثير من بلدان العالم، فخفضت أسعار الفائدة، ومن بينها، أسعار الرهن العقاري، وتبنت مجموعة أخرى من الإجراءات لدعم الأسر والشركات، وسط آمال عريضة بأن يؤدي الرفع التدريجي للإغلاق إلى انتعاش الاقتصاد وبالطبع أسواق الإسكان.
يقول لـ"الاقتصادية"، وايت دين الخبير العقاري، "لا يمكن إنكار أن الأسواق العقارية في حالة شديدة من الإرهاق والتراجع، لكن الأسواق ونتيجة جائحة كورونا طورت أيضا مجموعة جديدة من السلوكيات لم تكن منتشرة من قبل".
ويعد دين، أن هناك قوى جديدة تعمل الآن في سوق العقارات، حيث إن عديدا من الأشخاص اكتشفوا إمكانية العمل من المنزل، وآخرين يسعون إلى تجنب التنقل اليومي، وهذا سيؤثر حتما في توجهات السوق، وسيزيد من عدد الباحثين عن منازل في أطراف المدن أو خارجها، وتلك المنازل عادة كانت منخفضة السعر نسبيا.
لكنه يضيف، "علينا أن ننتظر لنرى ما حجم تلك الظاهرة، وما إذا كانت ستدوم طويلا أم لا"، مؤكدا أن بيانات بعض من أكبر الشركات العقارية في بريطانيا تعزز هذا الاتجاه، فمدن شمال إنجلترا وكذلك العقارات على الساحل الجنوبي تشهد انتعاشا سريعا.
وأشار إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن عديدا من الأسر قد أعادت تقييم ما تريده من منزلها، وهو ما سيحدث تغيرا ملموسا في شكل الطلب على العقار في المملكة المتحدة مستقبلا، لكن في مواجهة تلك الظاهرة الجديدة، التي ربما يعدها البعض إيجابية نسبيا، يعتقد البعض أن ظواهر سلبية أخرى في سوق العقارات وسابقة لوباء كورونا، ستواصل النمو.
بدوره، يقول إيان سميث نائب مدير قسم الرهن العقاري في بنك نت ويست في منطقة أوربينجتون إن "التدهور الذي أصاب الأسواق التجارية المحلية، وتراجع سوق التجزئة حتى إن كان يسبق وباء كورونا، زاد الوضع سوءا، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، تترافق مع تزايد الشراء عبر الإنترنت، والمتوقع أن يزداد نمو هذا الاتجاه بين المستهلكين، خشية أن يؤدي الخروج كثيرا من المنزل إلى الإصابة بالفيروس".
ويؤكد أن ذلك دفع إلى التغير في هيكل الأسواق من تراجع المحال التجارية إلى زيادة أعداد المحال الخدمية مثل المقاهي والمطاعم والحلاقين، حيث إن الأمر لا يساعد في تعديل كفة ميزان انخفاض الطلب على العقارات التجارية.
ورغم ارتفاع متأخرات الإيجار في عديد من المناطق نتيجة سياسة الإغلاق لم يؤثر كثيرا في سوق العقار، إلا أن بعض الخبراء يشيرون إلى استمرار الأزمة الاقتصادية لفترة طويلة، ما قد يجعل هذا التأخير بداية لظاهرة طويلة الأجل، ويفقد الاستثمار في العقارات التجارية بريقه، ويؤدي إلى تراجع الطلب.
وعلى الرغم من أن التقديرات الحالية تشير إلى أن أسعار المنازل في المملكة المتحدة ستنخفض 4 في المائة هذا العام، مدفوعة بتراجع متوقع للطلب على الشقق السكنية في المناطق الحضرية، أو في الأبراج السكنية، بينما يرجح أن يرتفع الطلب على العقارات ذات الحدائق، أو التي تقع بالقرب من مساحات خضراء، كأحد الدروس المستفادة من جائحة كورونا.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن متوسط أسعار المنازل في المملكة المتحدة شهد في أيار (مايو) الماضي أكبر انخفاض شهري منذ شباط (فبراير) 2009، وأن معاملات العقارات السكنية انخفضت 53 في المائة في نيسان (أبريل) مقارنة بالشهر نفسه عام 2019.
مع هذا لا يزال جاردنر جورج كبير محللي الأسواق في شركة ناشان وايد متفائلا تجاه المستقبل، إذ يقول: "الأزمة التي نواجهها حاليا لا تعد شيئا يذكر مقابل أزمة عام 2008، عندما انخفضت أسعار المنازل 16 في المائة في خضم أزمة الائتمان الدولي".
ويضيف، "بعض مراكز الأبحاث تتحدث عن انخفاض الأسعار في الأشهر الأخيرة من هذا العام 13 في المائة نتيجة وباء كورونا، ولا شك أن هذا يمثل تحديا كبيرا، إضافة إلى تحديات أخرى تتعلق بعدم قدرة بعض شركات البناء على استئناف نشاطها، لكن السوق بصفة عامة تراهن على أسعار الفائدة المنخفضة ونقص المعروض، وهذا سيحد من انخفاض الأسعار، ويجعل انهيار الأسواق مستبعدا، ولكن الموقف النهائي للسوق سيتوقف على كيفية الأداء الاقتصادي العام".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من عقارات- عالمية