تقارير و تحليلات

ظاهرة نادرة في أسواق المنطقة .. القروض الدولارية أقل تكلفة على المستدينين الخليجيين

ظاهرة نادرة في أسواق المنطقة .. القروض الدولارية أقل تكلفة على المستدينين الخليجيين

أصبح سعر المؤشر المرجعي لفائدة الاقتراض الدولارية لأجل ثلاثة أشهر "الليبور"، أقل تراوح ما بين 52 في المائة إلى 71 في المائة، من نظرائه من أجل الاستحقاق نفسه من أسعار فوائد الاقتراض لمعظم العملات الخليجية.
وبحسب رصد وحدة التقارير في صحيفة «الاقتصادية»، وصل سعر الفائدة المعروضة بين بنوك الإمارات "إيبور" لأجل ثلاثة أشهر عند 0.73 في المائة أواخر أيار (مايو)، مقارنة بـ"الليبور" الذي يقف عند مستويات 0.35 في المائة، في حين يصل سعر الفائدة المعروض لثلاثة أشهر بين البنوك القطرية QIBOR إلى 1.22 في المائة.
وعلى افتراض ثابت الهامش الائتماني spread للجهة المستدينة لما قبل مستويات الجائحة، فإن "الليبور" (سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن) يجعل من القروض الدولارية القصيرة الأجل أقل تكلفة من الاستدانة بالعملات المحلية الخليجية، وهذا الأمر يعد ظاهرة مالية نادرة الحدوث ومؤقتة في أسواق المنطقة.
ويشكل انتهاز المقترضين الخليجيين لظاهرة عدم التوازن التاريخي بين المؤشرات المرجعية للدولار والعملات الخليجية عبر تفضيل للقروض البنكية الدولارية، أمرا إيجابيا من أجل تعزيز السيولة الفائضة في الأسواق المحلية.
من ناحية أخرى، أسهم الهبوط المتواصل لمؤشر تكلفة الاقتراض الدولاري "الليبور" في جعل مدفوعات القروض البنكية لأن تصبح أقل تكلفة على المستدينين الخليجيين، بل إن جهات سيادية سعودية وشركات حكومية دفعوا أو على وشك أن يدفعوا هذا العام أدنى مستويات أقساط للقروض المجمعة الدولارية التي استدانوها منذ 2016.
يذكر أن إجمالي القروض المجمعة الدولارية للجهات السعودية، بلغت 38 مليار دولار في 2018 و29.7 مليار دولار في 2019.
في الإطار ذاته، ازدادت وتيرة الشركات الخليجية التي تفضل إطالة أجل القروض البنكية التي اقتربت من دنو أجل استحقاقها، وبخلاف فائدة تحسين التدفقات النقدية وقائمة المركز المالي، فمن شأن تلك الخطوة أن تقود إلى تخفيض تكلفة الاستدانة مقارنة بخيار توقيع قرض جديد أو إعادة تمويله.
وأسهم وجود بنود قانونية بالعقود الموقعة سابقا في تسهيل حصول بعض المقترضين على هذا الخيار القانوني الذي يجنبهم دفع هوامش ائتمانية مرتفعة.
ويقصد بخيار إطالة أمد الاستحقاق أن بعض القروض البنكية يتم توقيعها لأجل عام واحد على سبيل المثال، لكن ضمن بنود العقد أن المقترض يملك خيار إطالة أجل الاستحقاق لعام آخر وفق شروط تمويلية قريبة من الشروط الأصلية السابقة.

أهمية "الليبور" مع تسعير القروض الدولارية
ويولي العاملون في أسواق النقد القصيرة الأجل وكذلك مصرفيو القروض أهمية بالغة لحركة "الليبور" (سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن)، وكما هو الحال مع "السايبور"، يعبر "الليبور" عن متوسط سعر الفائدة على المدى القصير.
ويتم تسعير معظم القروض الدولارية وفقا للفائدة المتغيرة التي تعتمد على حركة مؤشر الليبور الذي تتفاوت معدلاته وفقا لآجال متفاوتة، حيث يتم اختيار الفائدة المتغيرة مع القروض المجمعة بشكل عام، فهامش تكلفة التمويل ثابت، لكن الذي يتغير هي الفائدة الخاصة بمؤشر القياس، بحيث تزداد أو تنخفض الدفعات الدورية مع كل إعادة تقييم re-setting لليبور، التي ستتم خلال أعوام استخدام القرض.
وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى من القروض المجمعة تكون بفائدة متغيرة إلا أن هناك نسبة ضئيلة من القروض المجمعة تكون بفائدة ثابتة.

مروحية الأموال الأمريكية
ويعود سبب الهبوط المتواصل لأسعار الفائدة القصيرة الأجل التي أثرت في جميع آجال "الليبور" إلى وفرة الأموال في الولايات المتحدة.
ومن ضمن الحلول غير التقليدية التي جلبتها الجائحة قيام الولايات المتحدة بمنح الأموال بشكل مباشر للمواطنين، من أجل تشجيعهم على إنفاقها، الأمر الذي يقود إلى تحفيز الإنتاج والتوظيف ومن ثم إعادة الاقتصاد إلى مستويات النمو التدريجي. ويعني هذا التصرف لدى الاقتصاديين بـ"مروحية الأموال" Helicopter money.

القروض الدولارية في 2019
ومع الهبوط المتواصل لمؤشر تكلفة الاقتراض الدولاري "الليبور"، بات بمقدور جهات سيادية سعودية وشركات حكومية أن يدفعوا (أو دفعوا) هذا العام أدنى مستويات أقساط للقروض المجمعة الدولارية التي استدانوها منذ 2016.
ونشرت «الاقتصادية» تحليلا في 1 آذار (مارس) 2020 ذكرت فيه أن المقترضين السعوديين حافظوا على مستويات الاستدانة بالعملة الدولارية من القروض المجمعة بفئاتها جميعا بنهاية العام الماضي، لتسجل ثاني أعلى نمو على القروض الدولارية خلال الأعوام العشرة الماضية.
وبحسب تحليل "الاقتصادية"، بلغ إجمالي القروض الدولارية 29.7 مليار دولار بنهاية 2019، مسجلة انخفاضا طفيفا 1.6 في المائة عن إجمالي القروض الدولارية المسجلة بنهاية 2018، وعزا مراقبون ذلك الانخفاض الطفيف على أساس سنوي، إلى كون بعض المقترضين فضلوا التحول إلى أسواق الدين من أجل الحصول على تكلفة تمويل متدنية وثابتة وإطالة أجل الاستحقاقات، وهي مميزات قد لا توفرها المصارف للمقترضين المحتملين.
واستند تحليل «الاقتصادية» في حينه إلى بيانات منصة "بلومبيرج" التاريخية، التي ترصد القروض المعلنة، سواء المجمعة أو الثنائية بين المؤسسة والمصرف، واستثنت تلك المعايير القروض، التي حان أجل استحقاقها، وتم التركيز فقط على القروض النشطة والقائمة، التي لم يحن أجل استحقاقها.

المقترضون الدولاريون في 2018
أظهرت بيانات أن المقترضين السعوديين سجلوا رقما قياسيا في القروض المجمعة الدولارية التي بلغت بنهاية 2018 ما يصل إلى 38 مليار دولار، وهذا ضعف ما سجل في 2017، وهم بذلك يحتلون المرتبة الأولى خليجيا، متبوعين بالمقترضين الإماراتيين "ذلك بإجمالي صفقات وصلت إلى 25 مليار دولار"، ولوحظ أن 27 مليار دولار من الـ38 مليار دولار جاءت من جهات سيادية سعودية.
وبحسب رصد لبيانات إجمالي القروض المجمعة التي حصل عليها المقترضون السعوديون في 2018 البالغة 49.5 مليار دولار "شاملة القروض المقومة بالريال والدولار"، شكلت القروض المقومة بالدولار نسبة لامست 77 في المائة من الإجمالي.
وبلغ إجمالي القروض المجمعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2018، أكثر من 127.2 مليار دولار، وكان نصيب المقترضين الخليجيين من القروض المجمعة، نحو 114.5 مليار دولار من إجمالي القروض المجمعة للعام نفسه، حيث استحوذت المملكة على 33 في المائة منها.

الجهات الخليجية
وتركزت القروض الدولارية المعلنة في الخليج خلال الـ90 يوما الماضية في أغلبها على الشركات وجهة سيادية واحدة، في حين تجري شركات سعودية وخليجية محادثات حالية بشأن الحصول على خطوط ائتمان دولارية خلال الربع الثاني والثالث من هذا العام.
وعلى سبيل المثال تمكن بنك مسقط في منتصف آذار (مارس) من جمع 650 مليون دولار من عدة بنوك دولية. وفي الشهر ذاته أفادت عدة مصادر لـ"رويترز"، بأن البحرين قد حصلت على قرض بنحو مليار دولار لسداد سندات بلغت أجل الاستحقاق في نهاية آذار (مارس) الماضي، بعد أن علقت الدول الخليجية خططها لإصدار سندات دولية بسبب ظروف السوق السيئة.
وفي نيسان (أبريل) حصلت شركة حلول المدفوعات الدولية نيتورك التي تتخذ من دبي مقرا لها، على قرض دولاري مجمع هي الأخرى.
وفي الشهر نفسه كذلك كشفت وكالة بلومبيرج أن "طيران الإمارات" تجري محادثات بشأن الحصول على قروض بمليارات الدولارات، بعد أن تسبب انتشار فيروس كورونا بتعطيل حركة الطيران العالمية.
وأضافت الوكالة أن "طيران الإمارات" تتواصل مع عدد من البنوك المحلية والدولية بشأن هذه القروض، مشيرة إلى أن الشركة قد تنظر بقروض ثنائية تتم بشرائح أصغر من القروض المجمعة.

القروض مقابل أدوات الدين
ولطالما شكلت مسألة تفضيل الاقتراض عبر "القروض المصرفية" أو عن طريق طرق باب "أسواق الدين" جدلا بين مديري الخزانة في الشركات السعودية، حيث إن الخيار الأفضل يعتمد على ظروف السوق.
ومثلا اللجوء لأدوات الدين في الوقت الحالي يمنح المصدرين السعوديين والخليجيين تكلفة تسعيرية مرتفعة (في حال تدني درجة التصنيف الائتماني للجهة المستدينة)، إلا أن أدوات الدين تتميز بأفضلية "تثبيت أسعار الفائدة " وكذلك إطالة آجال الاستحقاقات لتصل إلى أكثر من عشرة أعوام، مقارنة بالقروض المجمعة، التي تصل معظم آجالها في الخليج إلى عام واحد أو بالكثير خمسة إلى ثلاثة أعوام في حال كان القرض المجمع مقوما بالعملة الدولارية، فضلا عن كون المدفوعات الدورية تتغير قيمتها بحكم كونها مسعرة بالفائدة المتغيرة وفقا لنوعية أجل المرجع التسعيري.
ويعود عدم قدرة معظم المصارف تقديم قروض بآجال استحقاق أطول إلى القيود التنظيمية، التي فرضتها المعايير الدولية للمحاسبة والمراجعة، ولا سيما من المعيار التاسع، الذي يتطرق للمعالجة المحاسبية الخاصة بالقروض وكيفية التطرق للمخاطر الناجمة منها.

وحدة التقارير الاقتصادية

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات