FINANCIAL TIMES

جرائم بريطانيا الاستعمارية تعود لمطاردتها في عهد "بريكست"

جرائم بريطانيا الاستعمارية تعود لمطاردتها في عهد "بريكست"

ضحايا مجاعة البنجال الثانية في 1943 التي قتلت ملايين الناس وجعلت كثيرا من الهنود يمقتون تشرشل.

قبل عامين، كنت أسير في بلدة ريفية صغيرة في الصين عندما اقترب مني صبي صغير وهو في حالة من التوتر. كنت أتوقع منه أن يحاول اختبار لغته الإنجليزية معي، لكنه طلب بدلا من ذلك أن يعرف لماذا أحرقت القصر الصيفي في بكين. غرس فيه معلموه جميع الفظائع التي ارتكبتها القوات البريطانية والفرنسية في 1860، وواجه بشجاعة أول شخص رآه يشبه هؤلاء الغزاة البربر.
لم يمض وقت طويل بعدها حيث كنت جالسا في حفل عشاء في دلهي عندما طالب رجل ثمل بعض الشيء جميع البريطانيين على الطاولة أن يقروا بأن ونستون تشرشل هو أسوأ مجرم على مر التاريخ، أسوأ بكثير من أدولف هتلر.
بالكاد يدرك كثيرون في الغرب أن أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم تأسستا على معارضة صريحة للاستعمار والإمبريالية الغربية، خصوصا النوع البريطاني منها. إنهم أقل وعيا بالكيفية التي تتحول بها هذه المفاهيم إلى أدوات جبارة في بناء القومية الذميمة، بعض الأحيان. هذا هو ما جعل الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية يقول أخيرا - وصدقه كثير من الصينيين - إن الجيش الأمريكي أحضر فيروس كورونا إلى ووهان.
اليوم، تمثل الصين والهند نحو ثلث الاقتصاد العالمي من حيث القوة الشرائية. وتضمن التركيبة السكانية ومستويات التنمية في الدولتين استمرار قوتهما الاقتصادية والجيوسياسية في النمو. من دون فهم واضح للأحداث التاريخية التي شكلت وجهات نظرهما حول العالم، سيجد الغرب صعوبة متزايدة في التعامل مع هذه القوى العظمى الناشئة.
بالنسبة للصين، يبدأ التاريخ الحديث رسميا بحرب الأفيون الأولى في 1840، عندما هزمت بريطانيا إمبراطورية تشينج وسيطرت على مستعمرة هونج كونج، وبذلك بدأ "قرن من الإذلال" انتهى بانتصار شيوعي في 1949.
عمليا يمكن لكل طالب في الصين أو الهند أن يقرأ عن ظهر قلب أعمال اللورد بالمرستون الغادرة، الذي شغل منصب رئيس الوزراء مرتين وسيطر على السياسة الخارجية البريطانية من 1830 إلى 1865. ويعلم الجميع في اليابان عن "السفن السوداء للعميد البحري الأمريكي بيري" التي فتحت الدولة عنوة أمام التجارة في خمسينيات القرن التاسع عشر.
لكن كم عدد الطلاب البريطانيين أو الأمريكيين الذين سمعوا عن بيري، أو معركة بلاسي، أو ثورة الملاكمين؟ كم منهم يستطيع شرح الاختلافات بين مجاعة البنجال في 1770 ومجاعة البنجال في 1943؟ الكارثة الثانية قتلت الملايين وتفاقمت بسبب السياسة البريطانية، وهي السبب في أن كثيرا من الهنود يمقتون تشرشل. يستشهد المؤرخون الهنود برئيس الوزراء في زمن الحرب ـ المحتفى به بريطانيا ـ الذي ألقى اللوم في حدوث المجاعة على "الشعب الوحشي" في الهند الذي تسبب في نقص الغذاء نتيجة "تكاثره مثل الأرانب".
في بريطانيا وأمريكا ومعظم أوروبا من النادر جدا أن يتعلم الناس عن التاريخ الاستعماري ما لم يتخصصوا فيه في الجامعة. بالنسبة للبريطاني المحافظ العادي تثير الإمبراطورية شعورا غامضا بالحنين إلى الماضي. بالنسبة إلى الليبرالي العادي، الماضي يستحضر إحساسا غامضا بالذنب. استندت حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشعارها "استعادة السيطرة"، إلى رؤية غير محددة المعالم للعودة إلى الأوقات التي حكمت فيها بريطانيا البحار. كانت هناك أيضا وعود عظيمة بصفقات التجارة الحرة مع القوى الاقتصادية في الشرق الأقصى.
إذا كان لدى البريطانيين العاديين مجرد فهم عابر للتاريخ الاستعماري، لكانوا قد فهموا أنه غير واقعي. مع قصص نشأتهم المبنية على الإذلال على يد ألبيون (اسم بريطانيا قديما) الغادرة، من غير المرجح أن توافق الصين أو الهند في أي صفقة تجارية مع المملكة المتحدة على أي شيء سوى الشروط التأديبية.
من المفاجئ أن عددا قليلا من الدبلوماسيين الغربيين على دراية بتاريخ بلادهم المضطرب. إضافة إلى تضمين التاريخ الاستعماري في مناهج المدارس الغربية، يجب على الحكومات أن تجعل الدورات المكثفة الخاصة بدراسته إلزامية للمسؤولين العاملين في مجال الشؤون الخارجية. أنا لا أقترح أن تنغمس المملكة المتحدة وغيرها من القوى الاستعمارية السابقة في جلد الذات أو مطالبة مواطنيها بالاعتذار إلى الأبد. دائما ما يكون التاريخ أكثر دقة من السرد الذي أنشأته الدول القومية لخدمة أهدافها السياسية.
جورج أورويل لخص هذا التعقيد في مقاله القصير "إطلاق النار على فيل"، حين تنبأ بطل الرواية، وهو شرطي استعماري أبيض في بورما، مستلهما وحشية الإمبريالية: "بجزء من عقلي فكرت في عهد الراج البريطاني (المرحلة التي استعمرت فيها بريطانيا شبه الجزيرة الهندية) باعتباره طغيانا مستبدا قاهرا (...) وبجزء آخر اعتقدت أن البهجة الأعظم في العالم ستكون غرس حربة في أحشاء كاهن بوذي".
يمكن للدبلوماسيين الغربيين والعلماء ورجال الأعمال تنمية التعاطف اللازم لتفادي الألغام في حقل الظلمات التاريخية في المستعمرات السابقة، عندما يكونون مسلحين بالحقائق التاريخية مدركين لهذه الفروق الدقيقة. هذا الإدراك يتيح لهم أيضا مقاومة بعض الأفكار القومية الفاسدة في أماكن مثل الصين والهند.
في بعض الحالات ستعد هذه خدمة للأشخاص في تلك الدول. سرد الضحية الذي يلقي باللوم في كل المشكلات الحالية على الاستعمار التاريخي، كثيرا ما يسمح للقادة السيئين بتبرئة أنفسهم من سوء حكمهم اليوم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES